..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


العودة   شبكة الشدادين > المنتديات الشعبية > التراث والآثار والسياحة
 
أدوات الموضوع
إضافة رد
قديم 24 Sep 2012, 01:00 PM [ 61 ]


تاريخ التسجيل : Dec 2010
رقم العضوية : 34238
الإقامة : saudi arabia
الهواية : التمرد ... & ... التناحة
مواضيع : 743
الردود : 18700
مجموع المشاركات : 19,443
معدل التقييم : 2011شيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond repute

شيهانة المرقاب غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 12
المشاركة في الاحتفالية السنوية

يوميات الأعضاء

المشرفة المتميزة

المشرفة المميزة

دقة الملاحظة

وسام المسابقات والفعاليات

المشاركة في احتفال المنتدى

وسام أفضل تقديم للسفرة

وسام المسابقات والفعاليات

العضو المميز


رد: الدولة العباسية


فكر "جنكيز خان" في أن أفضل طريقة لإسقاط الخلافة العباسية في العراق هي التمركز أولاً في منطقة أفغانستان وأوزبكستان، لأن المسافة كبيرة بين الصين والعراق، ولابد من وجود قواعد إمداد ثابتة للجيوش التترية في منطقة متوسطة بين العراق والصين، كما أن هذه المنطقة التي تعرف بالقوقاز غنية بثرواتها الزراعية والاقتصادية، وكانت من حواضر الإسلام المشهورة، وكنوزها كثيرة، وأموالها وفيرة، هذا بالإضافة إلى أنه لا يستطيع تكتيكيًا أن يحارب العراق وفي ظهره شعوب مسلمة قد تحاربه أو تقطع عليه خطوط الإمداد..

كل هذه العوامل جعلت "جنكيز خان" يفكر أولاً في خوض حروب متتالية مع هذه المنطقة الشرقية من الدولة الإسلامية والتي تُعرَف في ذلك الوقت بالدولة الخوارزمية، وكانت تضم بين طياتها عدة أقاليم إسلامية مهمة مثل: أفغانستان وأوزبكستان والتركمانستان وكازاخستان وطاجيكستان وباكستان وأجزاء من إيران، وكانت عاصمة هذه الدولة الشاسعة هي مدينة "أورجندة" (في تركمنستان حاليًا)..

وكان جنكيز خان في شبه اتفاق مع ملك خوارزم (محمد بن خوارزم شاه) على حسن الجوار، ومع ذلك فلم يكن جنكيز خان من أولئك الذين يهتمون بعقودهم، أو يحترمون اتفاقياتهم، ولكنه عقد هذا الاتفاق مع ملك خوارزم ليؤمن ظهره إلى أن يستتب له الأمر في شرق آسيا، فأما وقد استقرت الأوضاع في منطقة الصين ومنغوليا، فقد حان وقت التوسع غربًا في أملاك الدولة الإسلامية..

ولا مانع طبعًا من نقض العهد، وتمزيق الاتفاقيات السابقة، وهي سنة في أهل الباطل:
"أو كلما عاهدوا عهدًا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون".. البقرة : 100

ولكن حتى تكون الحرب مقنعة لكلا الطرفين، لابد من وجود سبب يدعو إلى الحرب، وإلى الادعاء بأن الاتفاقيات لم تعد سارية، وقد بحث جنكيز خان عن سبب مناسب، ولكنه لم يجد ولكن ـ سبحان الله ـ لقد حدث أمر مفاجيء بغير إعداد من جنكيز خان، وهذا الأمر المفاجيء يصلح أن يكون سببًا مقنعًا للحرب، لقد جاء هذا السبب مبكرًا بالنسبة لإعداد جنكيز خان ولرغبته، ولكن لا مانع من استغلاله، ولا مانع من تقديم بعض الخطوات في خطة الحرب، وتأخير بعض الخطوات الأخرى..

فما الذريعة التي دخل بها "جنكيز خان" أرض خوارزم شاه ؟!

لقد ذهبت مجموعة من تجار المغول إلى مدينة " أوترار" الإسلامية في مملكة خوارزم شاه، ولما رآهم حاكم المدينة المسلم أمسك بهم وقتلهم، وقد اختلف المؤرخون في تفسير هذه الحادثة..

وعندما علم جنكيز خان بأمر هذه الحادثة أرسل إلى محمد بن خوارزم شاه يطلب منه تسليم القتلة إليه حتى يحاكمهم بنفسه، ولكن محمد بن خوارزم شاه اعتبر ذلك تعديًا على سيادة البلاد المسلمة، فهو لا يُسلِّم مجرمًا ليحاكم في بلدة أخرى بشريعة أخرى.. غير أنه قال:إنه سيحاكمهم في بلاده, فإن ثبت بعد التحقيق أنهم مخطئون عاقبهم في بلاده بالقانون السائد فيها وهو الشريعة الإسلامية..

وهذا الكلام وإن كان منطقيًا ومقبولاً في كل بقاع الأرض إلا أنه بالطبع لم يكن مقنعًا لجنكيز خان.. أو قل: إن جنكيز خان لم يرغب في الاقتناع، فليس المجال مجال حجة أو برهان أو دليل..

حقيقة الأمر أن جنكيز خان قد أعد لغزو بلاد المسلمين خططًا مسبقة.. ولن يعطلها شئ.. وإنما كان يبحث فقط عن علة مناسبة أو شبه مناسبة، وقد وجد في هذا الأمر العلة التي كان يريدها..

وبدأت الهجمة التترية الأولى على دولة خوارزم شاه عام 616هـ، فقد جاء جنكيز خان بجيشه الكبير لغزو خوارزم شاه، وخرج له محمد بن خوارزم شاه بجيشه أيضًا والتقى الفريقان في موقعة شنيعة استمرت أربعة أيام متصلة، وذلك شرق نهر سيحون (وهو يعرف الآن بنهر سرداريا ويقع في دولة كازاخستان المسلمة، وقُتِلَ من الفريقين خلق كثير، فقد استشهد من المسلمين في هذه الموقعة عشرون ألفًا، ومات من التتار أضعاف ذلك، ثم تحاجز الفريقان، وانسحب "محمد بن خوارزم شاه" بجيشه لأنه وجد أن أعداد التتار هائلة، وذهب ليحصن مدنه الكبرى في مملكته الواسعة، وخاصة العاصمة أورجندة..

انشغل "محمد بن خوارزم شاه" في تحضير الجيوش من أطراف دولته، ولكن لا ننسى أنه كان منفصلاً ـ بل معاديًا ـ للخلافة العباسية في العراق، ولغيرها من الممالك الإسلامية، فلم يكن على وفاق مع الأتراك ولا مع السلاجقة ولا مع الغوريين في الهند، وهكذا كانت مملكة خوارزم شاه منعزلة عن بقية العالم الإسلامي ووقفت وحيدة في مواجهة الغزو التتري المهول..

وهذه المملكة ـ وإن كانت قوية ـ وتمكنت من الثبات في أول اللقاءات فإنها ولا شك لن تصمد بمفردها أمام الضربات التترية المتوالية..

وعلى الرغم م قوة التتار وبأسهم، وكثرة أعدادهم إلا أن سبب المأساة الإسلامية بعد ذلك لن يكون بسبب هذه القوة وإنما سيكون بسبب الفرقة والتشتت والتشرذم بين ممالك المسلمين، وصدق الله العظيم إذ يقول
: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين".. (الأنفال : 46)..

فجعل الله ـ عز وجل ـ الفشل قرينًا للتنازع، والمسلمون كانوا في تنازع مستمر، وخلاف دائم وعندما كانت تحدث بعض فترات الهدنة في الحروب مع التتار ـ كما سنرى ـ كان المسلمون يُغِيرُون على بعضهم، ويأسرون ويقتلون بعضهم البعض، وقد عُلِمَ يقينًا أن من كانت هذه صفتهم، فلن يُكتبَ لهم النصرُ أبدًا..

روى الإمام مسلم رحمه الله عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ".... وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد، إني قضيت قضاءً فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم من بأقطارها ـ أو قال: من بين أقطارها ـ حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا"..

فالمسلمون كانوا ـ في تلك الآونة ـ يهلك بعضهم بعضًا ويسبي بعضهم بعضًا، فلا عجب إن غلب عليهم التتار أو غير التتار..

وبالإضافة إلى داء الفرقة فإن هناك خطأ واضحًا في إعداد "محمد بن خوارزم شاه"، وهو أنه مع اهتمامه بتحصين العاصمة "أورجندة" إلا أنه ترك كل المساحات الشرقية من دولته دون حماية كافية، ولكن لماذا يقع قائد محنك خبير بالحروب في مثل هذا الخطأ الساذج ؟!

الواقع أن الخطأ لم يكن تكتيكيًا في المقام الأول، ولكنه كان خطأً قلبيًا أخلاقيًا في الأساس، لقد اهتم "محمد بن خوارزم شاه" بتأمين نفسه وأسرته ومقربيه، وتهاون جدًا في تأمين شعبه، وحافظ جدًا على كنوزه وكنوز آبائه، ولكنه أهمل الحفاظ على مقدرات وأملاك شعبه, وعادة ما يسقط أمثال هؤلاء القواد أمام الأزمات التي تعصف بأممهم، وعادة ما تسقط أيضًا الشعوب التي تقبل بهذه الأوضاع المقلوبة دون إصلاح..


اجتياح بُخَارَى:

لقد جهَّز جنكيزخان جيشه من جديد، وأسرع إلى اختراق كل إقليم كازاخستان الكبير، ووصل في تقدمه إلى مدينة بخارى المسلمة (في دولة أوزبكستان الآن) وحاصرها في سنة 616هـ ثم طلب من أهلها التسليم على أن يعطيهم الأمان، وكان "محمد بن خوارزم" بعيدًا عن بخارى في ذلك الوقت، فاحتار أهل بخاري ماذا يفعلون ؟ ثم ظهر رأيان:

أما الرأي الأول فقال أصحابه: نقاتل التتار، وندافع عن مدينتنا، وأما الرأي الثاني فقال أصحابه: نأخذ بالأمان، ونفتح الأبواب للتتار لتجنُّب القتل، وما أدرك هؤلاء أن التتار
"لا يرقبون في مؤمن إلًّا ولا ذمة".. (التوبة : 10)..

وهكذا انقسم أهل البلد إلى فريقين، فريق من المجاهدين قرر القتال، وهؤلاء اعتصموا بالقلعة الكبيرة في المدينة، وانضم إليهم فقهاء المدينة وعلماؤها، وفريق آخر من المستسلمين وهو الفريق الأعظم والأكبر، وهؤلاء قرروا فتح أبواب المدينة والاعتماد على أمان التتار..

وفتحت المدينة المسلمة أبوابها للتتار، ودخل جنكيز خان إلى المدينة الكبيرة، وأعطى أهلها الأمان فعلاً في أول دخوله خديعة لهم، وذلك حتى يتمكن من السيطرة على المجاهدين بالقلعة..

وفعلاً بدأ جنكيز خان بحصار القلعة، بل أمر أهل المدينة من المسلمين أن يساعدوه في ردم الخنادق حول القلعة عشرة أيام ثم فتحها قسرًا، ولما دخل إليها قاتل من فيها حتى قتلهم جميعًا، ولم يبق بمدينة بخارى مجاهدون..

وهنا بدأ جنكيز خان في خيانة عهده، فسأل أهل المدينة عن كنوزها وأموالها وذهبها وفضتها، ثم اصطفى كل ذلك لنفسه ثم أَحَلَّ المدينة المسلمة لجنده، ففعلوا بها ما لا يتخيله عقل، ويصور لنا ابن كثير هذا الموقف في كتابه القيم "البداية والنهاية" قائلاً: "فقتلوا من أهلها خلقًا لا يعلمهم إلا الله عز وجل وأسروا الذرية والنساء، وفعلوا مع النساء الفواحش في حضرة أهلنَّ (اغتصبوا البنت في حضرة أبيها، ومع الزوجة في حضرة زوجها) فمن المسلمين من قاتل دون حريمه حتى قتل, ومنهم من أُسِر فعذب بأنواع العذاب، وكثر البكاء والضجيج بالبلد من النساء والأطفال والرجال، ثم أشعل التتار النار في دُورِ بخارى ومدارسها ومساجدها، فاحترقت المدينة حتى صارت خاوية على عروشها"..

انتهى كلام ابن كثير، ولا حول ولا قوة إلا بالله !


هلك المجاهدون الصابرون فيها، وكذلك هلك المستسلمون المتخاذلون..
روى البخاري مسلم عن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: نعم. "إذا كثر الخبَث"..
وكان الخبث قد كثر في هذه البلاد، وإذا كثر الخبث لابد أن تحدث الهلكة، وصدق الرسول الحكيم صلى الله عليه وسلم..

وكانت سنة 617هـ من أبشع السنوات التي مرت على المسلمين منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى هذه اللحظة، لقد علا فيها نجم التتار، واجتاحوا البلاد الإسلامية اجتياحًا لم يُسبق، وأحدثوا فيها من المجازر والفظائع والمنكرات ما لم يُسمعْ به، وما لا يُتخيَّل أصلاً..

ومن المناسب أن نقدم لهذه الأحداث بكلام المؤرخ الإسلامي العلامة "ابن الأثير الجزري" رحمه الله في كتابه القيم (الكامل في التاريخ) وكلامه في غاية الأهمية ويعتبر به جدًا في هذا المجال أكثر من كلام غيره، لأنه كان معاصرًا لكل هذه الأحداث، وليس من رأى كمن سمع..


يقول ابن الأثير رحمه الله وهو يقدم لشرحه لقصة التتار في بلاد المسلمين:

"لقد بقيت عدة سنين معرضًا عن ذكر هذه الحادثة استعظامًا لها، كارهًا لذكرها، فأنا أقدم إليها رجلاً وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مِتُّ قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا، إلا أنه حثني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها وأنا متوقف، ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعًا، فنقول: هذا الفصل يتضمن ذكر الحادثة العظمى، والمصيبة الكبرى التي عقمت الأيام والليالي عن مثلها.. عمت الخلائق وخصت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم منذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم إلى الآن لم يُبتلوا بمثلها لكان صادقًا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها..".

كانت هذه مقدمة ابن الأثير رحمه الله لكلام طويل يفيض ألمًا وحزنًا وهمًا وغمًا..


ففي عام 617 هـ انتقل التتار بعد أن دمروا مدينة بخاري إلى المدينة المجاورة "سمرقند" (وهي أيضًا في دولة أوزبكستان الحالية)، واصطحبوا في طريقهم مجموعة كبيرة من أسارى المسلمين من مدينة بخارى، وكما يقول ابن الأثير: "فساروا بهم على أقبح صورة، فكل من أعيا وعجز عن المشي قتل"..

أما لماذا كانوا يصطحبون الأسارى معهم؟ فالأسباب كثيرة:

أولاً: كانوا يعطون كل عشرة من الأسارى علمًا من أعلام التتار يرفعونه، فإذا رآهم أحد من بعيد ظن أنهم من التتار، وبذلك تكثر الأعداد في أعين أعدائهم بشكل رهيب، فلا يتخيلون أنهم يستطيعون محاربتهم، وتبدأ الهزيمة النفسية تدب في قلوب من يواجهونهم.

ثانيًا: كانوا يجبرون الأسارى على أن يقاتلوا معهم ضد أعدائهم، ومن رفض القتال أو لم يظهر فيه قوة قتلوه..

ثالثًا: كانوا يتترسون بهم عند لقاء المسلمين، فيضعونهم في أول الصفوف كالدروع لهم، ويختبئون خلفهم، ويطلقون من خلفهم السهام والرماح، وهم يحتمون بهم..

رابعًا: كانوا يقتلونهم على أبواب المدن لِبَثِّ الرعب في قلوب أعدائهم، وإعلامهم أن هذا هو المصير الذي ينتظرهم إذا قاوموا التتار..

خامسًا: كانوا يبادلون بهم الأسرى في حال أسر رجال من التتار في القتال، وهذا قليل لقلة الهزائم في جيش التتار..


كيف كان الوضع في سمرقند؟

كانت سمرقند من حواضر الإسلام العظيمة، ومن أغنى مدن المسلمين في ذلك الوقت، ولها قلاع حصينة، وأسوار عالية ولقيمتها الاستراتيجية والاقتصادية فقد ترك فيها "محمد بن خوارزم شاه" زعيم الدولة الخوارزمية خمسين ألف جندي خوارزمي لحاميتها هذا فوق أهلها، وكانوا أعدادًا ضخمة تقدر بمئات الآلاف أما "محمد بن خوارزم شاه" نفسه فقد استقر في عاصمة بلاده مدينة "أورجندة"..

وصل جنكيز خان إلى مدينة سمرقند وحاصرها من كل الاتجاهات، وكان من المفروض أن يخرج له الجيش الخوارزمي النظامي، ولكن لشدة الأسف، لقد دبَّ الرعب في قلوبهم، وتعلقوا بالحياة تعلقًا مخزيًا، فأبوا أن يخرجوا للدفاع عن المدينة المسلمة..

فاجتمع أهل البلد وتباحثوا في أمرهم بعد أن فشلوا في إقناع الجيش المتخاذل أن يخرج للدفاع عنهم، وقرر البعض من الذين في قلوبهم حمية من عامة الناس أن يخرجوا لحرب التتار، وبالفعل خرج سبعون ألفًا من شجعان البلد، ومن أهل الجلد، ومن أهل العلم، خرجوا جميعًا على أرجلهم دون خيول ولا دواب، ولم يكن لهم من الدراية العسكرية حظ يمكنهم من القتال، ولكنهم فعلوا ما كان يجب أن يفعله الجيش المتهاون الذي لم تستيقظ نخوته بعد..

أحاط جيش التتار بالمسلمين تمامًا، وبدأت عملية تصفية بشعة لأفضل رجال سمرقند..


كم من المسلمين قتل في هذا اللقاء غير المتكافيء؟!

لقد استشهدوا عن آخرهم، فقد المسلمون في سمرقند سبعين ألفًا من رجالهم دفعة واحدة، والحق أن هذه لم تكن مفاجأة، بل كان أمرًا متوقعًا، لقد دفع المسلمون ثمن عدم استعدادهم للقتال، وعدم اهتمامهم بالتربية العسكرية لأبنائهم، وعدم الاكتراث بالقوى الهائلة التي تحيط بدولتهم..

وعاد التتار من جديد لحصار سمرقند..

وأخذ الجيش الخوارزمي قرارًا مهينًا..!!

لقد قرروا أن يطلبوا الأمان من التتار على أن يفتحوا أبواب البلدة لهم، وذلك مع أنهم يعلمون أن التتار لا يحترمون العهود، ولا يرتبطون باتفاقيات، وما أحداث بخارى منهم ببعيد، ولكن تمسكهم بالحياة إلى آخر درجة جعلهم يتعلقون بأهداب أمل مستحيل، وبالطبع وافق التتار على إعطاء الأمان الوهمي للمدينة، وفتح الجيش أبواب المدينة بالفعل، وخرجوا مستسلمين، فقال لهم التتار: ادفعوا إلينا سلاحكم وأموالكم ودوابكم، ونحن نسيركم إلى مأمنكم؛ ففعلوا ذلك في خنوع، وعندما أخذ التتار أسلحتهم ودوابهم فعلوا ما كان متوقعًا منهم، لقد وضعوا السيف في الجنود الخوارزمية فقتلوهم عن آخرهم، ودفع الجنود جزاء ذلتهم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..

ثم دخل التتار مدينة سمرقند العريقة، ففعلوا بها مثلما فعلوا سابقًا في بخارى.. فقتلوا أعدادًا لا تحصى مثلما من الرجال والنساء والأطفال، ونهبوا كل ثروات البلد، وانتهكوا حرمات النساء، وعذبوا الناس بأنواع العذاب البشعة بحثًا عن أموالهم، وسبوا أعدادًا هائلة من النساء والأطفال، ومن لم يصلح للسبي لكبر سنه، أو لضعف جسده قتلوه، وأحرقوا الجامع الكبير، وتركوا المدينة خرابًا..

وليت شعري!! كيف سمع المسلمون في أطراف الأرض آنذاك بهذه المجازر ولم يتحركوا؟!

كيف وصل إليهم انتهاك كل حرمة للمسلمين، ولم يجتمعوا لقتال التتار؟!

كيف علموا بضياع الدين، وضياع النفس، وضياع العرض، وضياع المال، ثم ما زالوا متفرقين؟!.. لقد كان كل حاكم من حكام المسلمين يحكم قُطرًا صغيرًا، ويرفع عليه علمًا يعتقد أنه في أمان ما دامت الحروب لا تدور في قطره المحدود..!! لقد كانوا يخدعون أنفسهم بالأمان الوهمي حتى لو كانت الحرب على بعد أميال منهم..! فلذلك لا تندهش مما تقرأ الآن أو تسمع..


نهاية ذليلة:

واستقر جنكيز خان لعنه الله بسمرقند، فقد أعجبته المدينة العملاقة التي لم ير مثلها قبل ذلك وأول ما فكر فيه هو قتل رأس هذه الدولة ليسهل عليه بعد ذلك احتلالها دون خوف من تجميع الجيوش ضده، فأرسل عشرين ألفًا من فرسانه يطلبون محمد بن خوارزم شاه زعيم البلاد، وإرسال عشرين ألف جندي فقط في إشارة كبيرة إلى استهزاء جنكيز خان بمحمد بن خوارزم وبأمته، فهذا الرقم الهزيل لا يقارن بالملايين المسلمة التي سيتحرك هذا الجيش التتري في أعماقها..

انطلق الفرسان التتار إلى مدينة أورجندة حيث يستقر محمد بن خوارزم شاه، ففر منها مع نفر من خاصته، واتجه إلى نيسابور (في إيران حاليًا) أما الجند فقد تفرق كل منهم في جهة، وجند التتار يتتبعون محمد بن خوارزم شاه مخترقين البلاد الإسلامية إلى نيسابور، وكان من الممكن أن تحاصَر هذه المقدمة التترية في أي بقعة من بقاع البلاد الإسلامية التي يتجولون فيها.. لكن الرعب كان قد استولى على قلوب المسلمين، فكانوا يفرون منهم في كل مكان، وقد أخذوا طريق الفرار اقتداءً بزعيمهم الذي ظل يفر من بلد إلى آخر..

ولم يكن التتار في هذه المطاردة الشرسة يتعرضون لسكان البلاد بالسلب أو النهب أو القتل، لأن لهم هدفًا واضحًا، فهم لا يريدون أن يضيعوا وقتًا في القتل وجمع الغنائم إنما يريدون فقط اللحاق بالزعيم المسلم، ومن جانب آخر فإن الناس لم يتعرضوا لهم لئلا يثيروا حفيظتهم، فيصيبهم من أذاهم..

وهكذا وصل التتار إلى مسافة قريبة من مدينة نيسابور العظيمة في فترة وجيزة،ولم يتمكن محمد بن خوارزم شاه من جمع الأنصار والجنود، فالوقت ضيق، والتتار في أثره، فلما علم بقربهم من نيسابور، ترك المدينة واتجه إلى مدينة مازندران (من مدن إيران) فلما علم التتار بذلك لم يدخلوا نيسابور بل اتجهوا خلفه مباشرة، فترك مازندران إلى مدينة الري، ثم إلى مدينة همدان (وهما من المدن الإيرانية أيضًا)، والتتار في أثره، ثم عاد إلى مدينة مازندران في فرار مخزٍ فاضح.. ثم اتجه إلى إقليم طبرستان (الإيراني) على ساحل بحر الخزر (بحر قزوين) حيث وجد سفينة فركبها وسارت به إلى عمق البحر، إلى جزيرة في وسط بحر قزوين، وهناك رضي بالبقاء فيها في قلعة كانت هناك في فقر شديد، وحياة صعبة، وهو الملك الذي ملك بلادًا شاسعة، وأموالاً لا تعد..

ولكن رضى بذلك لكي يفر من الموت..

وسبحان الله.. فإن الموت لا يفر منه أحد.. فما هي إلا أيام حتى مات "محمد بن خوارزم شاه" في هذه الجزيرة في داخل القلعة وحيدًا طريدًا شريدًا فقيرًا، حتى إنهم لم يجدوا ما يكفنونه به، فكفَّنُوه في فراش كان ينام عليه..!!

"أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة" .. (النساء: 78).

أيهما أشرف يا إخواني؟.. أن يموت الزعيم المسلم ذليلاً في هذه الجزيرة في عمق البحر أم يموت رافع الرأس، رابط الجأش، مطمئن القلب في ميدان الجهاد؟!

أيهما أشرف.. أن يموت مقبلاً أم أن يموت مدبرًا؟!

أيهما أشرف..أن يموت هاربًا ام ان يموت شهيدًا؟!

إن الإنسان لا يختار ميعاد موته، ولكنه يستطيع أن يختار طريقة موته، الشجاعة لا تُقصِّر الأعمار.. كما أن الفرار والهرب والجبن لا تطيلها أبدًا، والذي يعيش مجاهدًا في سبيل الله يموت مجاهدًا في سبيل الله وإن مات على فراشه..

روى الإمام مسلم عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سأل الله الشهادة بصدق، بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه"..
اجتياح فارس:

لقد عادت الفرقة التترية بعد مطاردة "محمد بن خوارزم شاه" على شاطئ بحر قزوين إلى بلاد "مازندران" (في إيران)، ودخلوها بسهولة عجيبة لا لقوتهم، ولكن لضعف نفسيات أهلها في ذلك الوقت، وعندما دخلوها فعلوا بها ما فعلوه في غيرها، فقتلوا وعذبوا وسَبَوا ونهبوا وأحرقوا البلاد.

ثم اتجهوا من "مازندران" إلى الري (مدينة إيرانية كبيرة)، وسبحان الله !! وكأن الله عز وجل قد أراد أن يتم الذلة لمحمد بن خوارزم شاه حتى بعد وفاته، فإن التتار وهم في طريقهم من مازندران إلى الري وجدوا في طريقهم والدته ونساءه..

ومعهم الأموال الغزيرة والذخائر النفيسة التي لم يُسمَع بمثلها، فأخذوا كل ذلك سبيًا وغنيمة، وأرسلوه من فورهم إلى جنكيز خان المتمركز في سمرقند آنذاك..

ثم وصل التتار إلى الري فملكوها ونهبوها، وسبوا الحريم واسترقوا الأطفال، وفعلوا الأفعال التي لم يسمع بمثلها، ثم فعلوا مثل ذلك في المدن والقرى المحيطة حتى دخلوا مدينة قزوين (من المدن الإيرانية أيضًا) واقتتلوا مع أهلها في داخل البلد، وقتلوا من أهل قزوين المسلمين ما يزيد على أربعين ألفًا..!!

ولا حول ولا قوة إلا بالله..

اجتياح أذربيجان:

اتجه التتار إلى غرب بحر قزوين حيث إقليم أذربيجان المسلم.. مر التتار في طريقهم على مدينة تبريز (كانت مدينة أذربيجانية في ذلك الوقت بينما هي الآن شمال إيران)، فقرر زعيم أذربيجان "أوزبك بن البهلوان" وكان يستقر في مدينة تبريز أن يصالح التتار على الأموال والثياب والدواب، ولم يفكر مطلقًا في حربهم، لأنه كان لا يفيق من شرب الخمر ليلاً أو نهارًا، ورضي التتار منه بذلك، ولم يدخلوا تبريز لأن الشتاء القارس كان قد حل، وتبريز في منطقة باردة جدًا، فاتجه التتار إلى الساحل الغربي لبحر قزوين، وبدءوا في اجتياح الناحية الشرقية لأذربيجان متجهين ناحية الشمال..

اجتياح أرمينيا وجورجيا:

هذان الإقليمان يقعان في غرب وشمال أذربيجان، وقد اتجهوا إليهما قبل الانتهاء من مدن أذربيجان، لأنهم سمعوا بتجمع قبائل "الكرج" لهم، وقبائل الكرج هي قبائل وثنية ونصرانية تقطن في منطقة جورجيا الروسية، وكان بينهم وبين المسلمين قتال دائم، وقد علموا أن الخطر يقترب منهم فتجمعوا في مدينة تفليس (في جورجيا الآن)، وحدث قتال طويل بينهم وبين التتار انتهى بانتصار التتار، وامتلاك أرمينيا وجورجيا، وقُتِلَ من الكرج ما لا يحصى في هذه الموقعة..

ماذا فعل جنكيز خان في سنة 617هـ بعد مطاردة "محمد بن خوارزم شاه" ؟

بعد أن اطمأن جنكيز خان إلى هروب "محمد بن خوارزم شاه" زعيم البلاد في اتجاه الغرب، وانتقاله من مدينة إلى أخرى هربًا من الفرقة التترية المطاردة له، بدأ جنكيز خان يبسط سيطرته على المناطق المحيطة بسمرقند، وعلى الأقاليم الإسلامية الضخمة الواقعة في جنوب سمرقند وشمالها..

وجد جنكيز خان أن أعظم الأقاليم في هذه المناطق: إقليم خوارزم، وإقليم خراسان..

أما إقليم خراسان فإقليم شاسع به مدن عظيمة كثيرة مثل: بلخ ومرو ونيسابور وهراة وغزنة وغيرها (وهو الآن في شرق إيران وشمال أفغانستان"..

وأما إقليم خوازرم فهو الإقليم الذي كان نواةً للدولة الخوارزمية، واشتهر بالقلاع الحصينة والثروة العددية، والمهارة القتالية، وهو يقع إلى الشمال الغربي من سمرقند ويمر به نهر جيحون (وهو الآن في دولتي أوزبكستان وتركمستان" ولكن جنكيز خان أراد القيام بحرب معنوية تؤثر في نفسيات المسلمين قبل اجتياح هذه الأقاليم العملاقة، فقرر البدء بعمليات إبادة وتدمير تبث الرعب في قلوب المسلمين في الإقليمين الكبيرين خوارزم وخراسان، فأخرج جنكيز خان من جيشه ثلاث فرق:

فرقة لتدمير إقليم "فرغانة" (في أوزبكستان الآن)

وفرقة لتدمير مدينة "ترمذ" (في تركمستان الآن)

وفرقة لتدمير قلعة "كلابة" وهي من أحصن قلاع المسلمين على نهر جيحون.

وقد قامت الفرق الثلاث بدورها التدميري، كما أراد جنكيز خان، فاستولت على كل هذه المناطق، وأعملت فيها القتل والأسر، والسبي، والنهب، والتخريب، والحرق، كما هي عادة التتار، ووصلت الرسالة التترية إلى كل الشعوب المحيطة:

إن التتار لا يرتوون إلا بالدماء ولا يسعدون إلا بالخراب والتدمير، وأنهم لا يهزمون، فعمت الرهبة منهم أرجاء المعمورة، ولا حول ولا قوة إلا بالله..

وعندما عادت هذه الجيوش من مهمتها القبيحة بدأ جنكيز خان يعد للمهمة الأقبح.. بدأ يعد لاجتياح إقليمي خراسان وخوارزم..


اجتياح خراسان:

1ـ مدينة بلخ وما حولها (شمال أفغانستان الآن):


هذه المدينة تقع جنوب مدينة ترمذ التي دمرها التتار منذ أيام قلائل، ولا شك أن أخبار مدينة ترمذ قد وصلت إليهم، وكان في قلوب أهل هذه البلدة رعب شديد من التتار، وعندما وصلت جيوش التتار إليهم طلبوا منهم الأمان، وعلى غير عادة التتار فقد قبلوا أن يعطوهم الأمان، ولم يتعرضوا لهم بالسلب أو النهب، وكان ذلك مكرًا وخبثًا بأهل بلخ فقط طلب جنكيز خان من أهل بلخ أن يعاونوه في فتح مدينة مسلمة أخرى هي مدينة "مرو" وبالفعل جاء أهل بلخ لمحاربة أهل مرو، والجميع من المسلمين، ولكن الهزيمة النفسية الرهيبة التي كان يعاني منها أهل بلخ نتيجة الأعمال البشعة التي تمت في مدينة (ترمذ) المجاورة جعلتهم ينصاعون للأوامر جنكيز خان، حتى وإن كانوا سيتقلون إخوانهم..!! وبذلك يكون جنكيز خان قد وفَّر قواته لمعارك أخرى، وضرب المسلمين بعضهم ببعض..

2ـ اجتياح الطالقان:

اتجهت فرقة من التتار من سمرقند إلى منطقة الطالقان (شمال شرق أفغانستان بالقرب من طاجيكستان) وقد صعب عليهم فتحها لمناعة حصونها، فأرسلوا إلى جنكيزخان؛ فجاء إليها وحاصرها شهورًا حتى تم فتحها، وقتلوا رجالها، وسبوا نساءها وأطفالها، ونهبوا أموالها ومتاعها كما كانت عادتهم..

3ـ مأساة مرو:

ومرو مدينة كبيرة جدًا في ذلك الوقت، وتقع الآن في دولة تركمانستان المسلمة، وقد ذهب إليها جيش كبير من التتار على رأسه بعض أولاد جنكيزخان، واستعانوا في هذه الموقعة بأهل بلخ المسلمين كما ذكرنا من قبل، وقد تجمع خارج مدينة مرو جيش من المسلمين يزيد على مائتي ألف رجل، وهو جيش كبير جدًا بقياسات ذلك الزمان، وكانت موقعة رهيبة بين الطرفين على أبواب مرو، وحدثت المأساة العظيمة، ودارت الدائرة على المسلمين، وانطلق التتار يذبحون في الجيش المسلم حتى قتلوا معظمه، وأسروا الباقي، ولم يسلم إلا أقل القليل، ونهبت الأموال والأسلحة والدواب من الجيش..

وقعت الهزيمة المُرَّة بالجيش المسلم، وفُتح الطريق لمدينة مرو ذات الأسوار العظيمة، وكان بها من السكان ما يزيد على سبعمائة ألف مسلم من الرجال والنساء والأطفال..

وحاصر التتار المدينة الكبيرة، وقد دَبَّ الرعب في قلوب أهلها بعد أن فني جيشهم أمام أعينهم، ولم يفتحوا الأبواب للتتار مدة أربعة أيام، وفي اليوم الخامس أرسل قائد جيش التتار (ابن جنكيز خان) رسالة إلى قائد مدينة مرو يقول فيها: "لا تهلك نفسك وأهل البلد، واخرج إلينا نجعلك أمير هذه البلدة ونرحل عنك"..

فصدَّق أمير البلاد ما قاله زعيم التتار، أو أوهم نفسه بالتصديق وخرج إلى قائد التتار، فاستقبله قائد التتار استقبالاً حافلاً، واحترمه وقرَّبه، ثم قال له في خبث: "أَخرجْ لي أصحابك ومقرَّبيك ورؤساء القوم حتى ننظر من يصلح لخدمتنا فنعطيه العطايا، ونقطع له الإقطاعات، ويكون معنا"، فأرسل الأمير المخدوع إلى معاونيه وكبار وزرائه وجنده لحضور الاجتماع المهم مع ابن جنكيز خان شخصيًا، وخرج الوفد الكبير إلى التتار، ولما تمكن التتار منهم قبضوا عليهم جميعًا وقيدوهم بالحبال..


ثم طلبوا منهم أن يكتبوا قائمتين طويلتين:

ـ أما القائمة الأولى: فتضم أسماء كبار التجار وأصحاب الأموال في مدينة مرو.

ـ وأما القائمة الثانية: فتضم أسماء أصحاب الحرف والصناع المهرة، ثم أمر ابن جنكيز خان أن يأتي التتار بأهل البلد أجمعين، فخرجوا جميعًا من البلد حتى لم يبقَ فيها واحد، ثم جاء بكرسي من ذهب قعد عليه ابن جنكيز خان ثم أصدر الأوامر الآتية:

ـ الأمر الأول: أن يأتوا بأمير البلاد وكبار القادة والرؤساء فيُقتَلوا جميعًا أمام عامة أهل البلد !! وبالفعل جاءوا بالوفد الكبير وبدءوا في قتله واحدًا واحدًا بالسيف، والناس ينظرون ويبكون..

ـ الأمر الثاني: إخراج أصحاب الحرف والصناع المهرة, وإرسالهم إلى منغوليا للاستفادة من خبراتهم الصناعية هناك..

ـ الأمر الثالث: إخراج أصحاب الأموال وتعذيبهم حتى يخبروا عن كل مالهم، ففعلوا ذلك، ومنهم من كان يموت من شدة الضرب ولا يجد ما يكفي لافتداء نفسه..

ـ الأمر الرابع: دخول المدينة وتفتيش البيوت بحثًا عن المال والمتاع النفيس، حتى إنهم نبشوا قبر السلطان "سنجر" أملاً في وجود أموال أو ذهبت معه في قبره، واستمر هذا البحث ثلاثة أيام..

ـ الأمر الخامس: أمر ابن جنكيز خان لعنه الله ولعن أباه أن يُقتَل أهل البلاد أجمعون..


وبدأ التتار يقتلون كل سكان مرو.. يقتلون الرجال.. والنساء.. والأطفال.. !!

قالوا: إن المدينة استعصت علينا وقاومت، ومن قاوم فهذا مصيره..

يقول ابن الأثير رحمه الله: "وأمر ابن جنكيز خان بعد أن قتلوا جميعًا أن يقوم التتار بإحصاء القتلى، فكانوا نحو سبعمائة ألف قتيلٍ، فإنا لله وإنا إليه راجعون"..


4ـ اجتياح نيسابور:

وهي مدينة كبيرة أخرى من مدن إقليم خراسان (وهي تقع الآن في الشمال الشرقي لدولة إيران)، واتجه إليها التتار بعد أن تركوا خلفهم مدينة مرو، وقد خربت تمامًا، وهناك حاصروا مدينة نيسابور لمدة خمسة أيام، ومع أنه كان بالمدينة جمع لا بأس به من الجنود المسلمين، إلا أن أخبار مرو كانت قد وصلت إلى نيسابور، فدَبَّ الرعب والهلع في أوصال المسلمين، وما استطاعوا أن يقاوموا التتار، ودخل التتار المدينة، وأخرجوا كل أهلها إلى الصحراء، وجاء من أخبر ابن جنكيز خان أن بعضًا من سكان مدينة مرو قد سلِم من القتل، وذلك أنهم ضُرِبوا بالسيف ضربات غير قاتلة، وظنهم التتار قد ماتوا فتركوهم؛ ولذا فقد أمر ابن جنكيز خان في مدينة نيسابور أن يقتل كل رجال البلد بلا استثناء، وأن تقطع رؤوسهم لكي يتأكدوا من قتلهم، ثم قام اللعين بسبي كل نساء المسلمين في مدينة نيسابور، وأقاموا في المدينة خمسة عشر يومًا يفتشون الديار عن الأموال والنفائس، ثم تركوا نيسابور بعد ذلك أثرًا بعد عين، ولا حول ولا قوة إلا بالله..

5ـ اجتياح هراة:

وهي من أحصن البلاد الإسلامية، وكانت مدينة كبيرة جدًا كذلك، وتقع في الشمال الغربي لأفغانستان، وتوجه إليها ابن جنكيز خان بقواته البشعة، ولم تسلم المدينة من المصير الذي قابلته مدينتا مرو ونيسابور، فقُتل فيها كل الرجال، وسُبيت كل النساء، وخُربت المدينة كلها وأحرقت.. وإن كان أميرها وكان يدعى: "ملك خان" قد استطاع الهروب بفرقة من جيشه في اتجاه غزنة في جنوب أفغانستان، وكذا كان الملوك والرؤساء في ذلك الزمن يُوفَّقون إلى الهروب، بينما تسقط شعوبهم في براثن التتار..

وبسقوط هراة يكون إقليم خراسان قد سقط بكامله في أيدي التتار، ولم يُبقوا فيه على مدينة واحدة، وتمت كل هذه الأحداث في عام واحد هو العام السابع عشر بعد الستمائة الهجرة.. وهذا من أعجب الأمور التي مرَّت بالأرض على الإطلاق..!!


اجتياح خوارزم:

وخوارزم هي مركز عائلة خوارزم شاه، وبها تجمُّع ضخم جدًا من المسلمين بأسًا وقوة، وهي تقع الآن على الحدود بين أوزبكستان وتركمانستان، وتقع مباشرة على نهر جيحون، وكانت تمثل للمسلمين قيمة اقتصادية واستراتيجية وسياسة وكبيرة..

ولأهمية هذه البلدة فقد وجه إليها جنكيز أعظم جيوشه وأكبرها، وقد قام هذا الجيش بحصار المدينة لمدة خمسة أشهر كاملة دون أن يستطيع فتحها، فطلبوا المدد من جنكيز خان، فأمدهم بخلق كثير، وزحفوا على البلد زحفًا متتابعًا، وضغطوا عليه من أكثر من موضع حتى استطاعوا أن يحدثوا ثغرة في الأسوار ثم دخلوا إلى المدينة، ودار قتال رهيب بين التتار والمسلمين، وفني من الفريقين عدد كبير جدًا وحلَّت الهزيمة الساحقة بالمسلمين، ودار القتل على أشده فيهم, وبدأ المسلمون في الهروب والاختفاء في السراديب والخنادق والديار؛ فقام التتار بعمل بشع إذ قاموا بهدم سدٍّ ضخم كان مبنيًا على نهر جيحون، فأغرق المدينة بكاملها، ولم يسلم من المدينة أحد ألبتة، فمن نجا من القتل قُتِل تحت الهدم أو أُغرِق بالماء، وأصبحت المدينة العظيمة خرابًا، وتركها التتار، وقد اختفت من على وجه الأرض، وأصبح مكانها ماء نهر جيحون، ومن َمرَّ على المدينة الضخمة بعد ذلك لا يستطيع أن يرى أثرًا لحياة سابقة، ولا حول ولا قوة إلا بالله..

وكانت هذه الأحداث الدامية أيضًا في عام 617هـ..


التتار يتوجهون إلى وسط وجنوب أفغانستان:

بتدمير إقليمي خراسان وخوارزم يكون التتار قد سيطروا على المناطق الشمالية ومناطق الوسط من دولة خوارزم الكبرى، ووصلوا في تقدمهم إلى الغرب إلى قريب من نهاية هذه الدولة (على حدود العراق)، ولكنهم لم يقتربوا بعد من جنوب دولة خوارزم، وجنوب دولة خوارزم كان تحت سيطرة "جلال الدين بن محمد بن خوارزم شاه"، وهو ابن الزعيم الخوارزمي الكبير "محمد بن خوارزم شاه" والذي فَرَّ منذ شهور قليلة أمام التتار، وهرب إلى جزيرة ببحر قزوين حيث مات هناك..

وجنوب دولة خوارزم كان يشمل وسط وجنوب أفغانستان وباكستان، وكان يفصل بينه وبين الهند نهر السند، وكان جلال الدين زعيم الجنوب يتخذ من مدينة "غزنة" مقرًا له (مدينة غزنة في أفغانستان الآن وتقع على بعد حوالي مائة وخمسين كم جنوب مدينة كابول الأفغانية، وهي مدينة حصينة تقع في وسط جبال باروباميزوس الأفغانية).

وعندما انتهى جنكيز خان من أمر الزعيم الرئيسي للبلاد "محمد بن خوارزم شاه" وأسقط دولته بدأ يفكر في غزو وسط أفغانستان وجنوبها لقتال الابن "جلال الدين"؛ فوجه إلى "غزنة" جيشًا كثيفًا من التتار..

وجمع "جلال الدين" جيشًا كبيرًا من بلاده، وانضم إليه أحد ملوك الأتراك المسلمين اسمه "سيف الدين بغراق" وكان شجاعًا مقدامًا صاحب رأي ومكيدة في الحروب، وكان معه ثلاثون ألف مقاتل، ثم انضم إليه أيضًا ستون ألفًا من الجنود الخوارزمية الذين فروا من المدن المختلفة في وسط وشمال دولة خوارزم بعد سقوطها، كما انضم إليه أيضًا "ملك خان" أمير مدينة هراة بفرقة من جيشه، وذلك بعد أن أسقط جنكيز خان مدينته، وبذلك بلغ جيش جلال الدين عددًا كبيرًا، ثم خرج جلال الدين بجيشه إلى منطقة بجوار مدينة غزنة تدعى "بلق" وهي منطقة وعرة وسط الجبال العظيمة، وانتظر جيش التتار في هذا المكان الحصين، ثم جاء جيش التتار، ودارت معركة من أشرس المواقع في هذه المنطقة استمرت ثلاثة أيام..

ثم أنزل الله عز وجل نصره على المسلمين، وانهزم التتار للمرة الأولى في بلاد المسلمين، وكَثُرَ فيهم القتل، وفرَّ الباقون منهم إلى ملكهم جنكيز خان، والذي كان يتمركز في "الطالقان" في شمال شرق أفغانستان..

وارتفعت معنويات المسلمين جدًا، فقد وقر في قلوب الكثيرين قبل هذه الموقعة أن التتار لا يُهزمون، ولكن ها هو اتحاد الجيوش الإسلامية في غزنة يؤتي ثماره..

واطمأنَّ جلال الدين إلى جيشه، فأرسل إلى جنكيز خان في الطالقان يدعوه إلى قتال جديد، وشعر جنكيز خان بالقلق لأول مرة، فجهَّز جيشًا أكبر، وأرسله مع أحد أبنائه لقتال المسلمين، وتجهز الجيشان والتقى الجيشان في مدينة "كابول" الأفغانية..

ودارت موقعة كابول الكبيرة، وكان القتال عنيفًا جدًا.. أشد ضراوة من موقعة غزنة.. وثبت المسلمون، وحققوا نصرًا غاليًا على التتار، بل وأنقذوا عشرات الآلاف من الأسرى المسلمين من أيدي التتار..

وفوق ارتفاع المعنويات، وقتل عدد كبير من جنود التتار، وإنقاذ الأسر المسلمين، فقد أخذ المسلمون غنائم كثيرة نفيسة من جيش التتار، ولكن سبحان الله بدلاً من أن تكون هذه نعمة على جيش المسلمين، أصبحت هذه الغنائم نقمة شديدة وهلكة محققة..!!

روى البخاري ومسلم عن عمرو بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... فواللهِ ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تُبسطَ عليكم الدنيا كم بُسِطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم"..

لقد كانت قلوب المسلمين في هذه الحقبة من الزمان مريضة بمرض الدنيا العُضَال، إلا من رحم الله عز وجل لقد كانت حروبهم حروبًا مادية قومية.. حروب مصالح وأهواء.. ولم تكن في سبيل الله..

لقد كان انتصارهم مرة وثانية لحب البقاء، والرغبة في الملك، والخوف من الأسر أو القتل.. فكانت لهم جولة أو جولتان، لكن ظهرت خبايا النفوس عند كثرة الأموال والغنائم..

لقد وقع المسلمون في الفتنة..!!

اختلف المسلمون على تقسيم الغنيمة..!!

قام "سيف الدين بغراق" أمير الترك، وقام أمير آخر هو "ملك خان" أمير مدينة هراة.. قام كل منهما يطلب نصيبه في الغنائم.. فحدث الاختلاف.. وارتفعت الأصوات.. ثم بعد ذلك ارتفعت السيوف..!!

وسقط من المسلمين قتلى على أيدي المسلمين، وكان ممن سقط أَخٌ لسيف الدين بغراق، فغضب سيف الدين بغراق وقرر الانسحاب من جيش جلال الدين، ومعه ثلاثون الألف مقاتل الذين كانوا تحت قيادته !! وحدث ارتباك كبير في جيش المسلمين، وحاول جلال الدين أن يحلَّ المشكلة، وأسرع إلى سيف الدين بغراق يرجوه أن يعود إلى صف المسلمين، ولكنَّ سيف الدين بغراق أَصَرَّ على الانسحاب، فانكسر جيش المسلمين انكسارًا هائلاً.. لقد انكسر ماديًا، وكذلك انكسر معنويًا..

وبينما هم كذلك إذ جاء جنكيز خان بنفسه على رأس جيوشه فدَبَّ الرعب والهلع في جيش المسلمين، فقد قلت أعدادهم وتحطمت معنوياتهم، ورأى جلال الدين أن جيشه قد ضعف جدًا.. فماذا فعل ؟!

لقد أخذ جيشه وبدأ يتجه جنوبًا للهروب من جيش جنكيز خان أو على الأقل لتجنب الحرب في هذه الظروف..

ولكن جنكيز خان كان مصرًا على اللقاء فأسرع خلف جلال الدين.. !! وبدأ جلال الدين يفعل مثلما فعل أبوه من قبل..!! لقد بدأ ينتقل من مدينة إلى مدينة متوجهًا إلى الجنوب حتى وصل إلى نهر السند، وهناك دارت معركة رهيبة بين الطرفين بكل معاني الكلمة.. حتى إن المشاهدين لها قالوا: إن كل ما مضى من الحروب كان لعبًا بالنسبة إلى هذا القتال، واستمر اللقاء الدامي ثلاثة أيام متصلة، واستحَرَّ القتل في الفريقين، وكان ممن قتل في صفوف المسلمين الأمير "ملك خان" والذي كان قد تصارع من قبل مع سيف الدين بغراق على الغنائم، وها هو لم يظفر من الدنيا بشيء، بل ها هي الدنيا قد قتلته، ولم يتجاوز لحظة موته بدقيقة واحدة.. ولكن شتَّان بين من يموت وهو ناصر للمسلمين بكل طاقته، ومن يموت وقد تسبب بصراعه في فتنة أدَّت إلى هزيمة مرة..

وفي اليوم الرابع انفصلت الجيوش لكثرة القتل، وبدأ كل طرف يعيد حساباته، ويرتب أوراقه، ويضمد جراحه, ويعد عدته.. وبينما هم في هذه الهدنة المؤقتة إذ جاءت السفن إلى نهر السند؛ فقرر جلال الدين الهروب فيها ومعه خاصته إلى بلاد الهند، وتركوا التتار على الناحية الغربية من نهر السند..

ولكن.. هل ترك المسلمون التتار وحدهم في هذا الأرض ؟

كلا.. إنما تركوهم مع بلاد المسلمين، ومدن المسلمين، وقرى المسلمين تركوهم مع المدنيين دون حماية عسكرية، وجيوش التتار لا تفرق بين مدني وعسكري بالإضافة إلى الحقد الشديد في قلب جنكيز خان نتيجة كثرة القتلى من التتار في الأيام الأخيرة؛ فانقلب جنكيز خان على بلاد المسلمين يصب عليها جام غضبه.. ويفعل بها ما اعتاد التتار أن يفعلوه وأكثر..

وكانت أشد المدن معاناة هي مدينة "غزنة" والتي انتصر عندها المسلمون منذ أيام أو شهور عندما كانوا متحدين، دخل جنكيز خان المدينة الكبيرة عاصمة جلال الدين بن خوارزم؛ فقتل كل رجالها بلا استثناء وسبى كل الحريم بلا استثناء، وأحرق كل الديار بلا استثناء..!! وتركها كما يقول ابن الأثير: خاوية على عروشها، كأن لم تَغْنَ بالأمس..!!

وكان في جملة الذين أمسك بهم جنكيز خان من أهل المدن أطفال جلال الدين بن خوارزم، وقد أمر جنكيز خان بذبحهم جميعًا، وهكذا ذاق جلال الدين من نفس المرارة التي ذاقها الملايين من شعبه..

روى البيهقي بسند صحيح، رواته ثقات إلا أنه من مراسيل أبي قلابة رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كن كما شئت، كما تدين تدان"..

وبذلك حقق جنكيز خان حلمًا غاليًا ما كان يتوقع أن يكون بهذه السهولة، وهذا الحلم هو احتلال "أفغانستان"..!!

وبذلك يكون التتار قد وصلوا من الصين إلى كازاخستان ثم أوزبكستان ثم تركمستان ثم أفغانستان ثم إيران ثم أذربيجان ثم أرمينيا ثم جورجيا وقد اقتربوا جدًا من العراق..

كل هذا في سنة واحدة، في سنة 617هـ..

وفي سنة 618 هـ عاد التتار إلى أذربيجان المسلم من جديد، ودخلوا مدينة "مراغة" المسلمة، ووضعوا السيف في أهلها، فقُتل منهم ما يخرج عن الحدِّ والإحصاء، ونهبوا كل ما صلح لهم وكل ما استطاعوا حمله، أما ما كانوا يعجزون عن حمله فكانوا يحرقونه كله، ولقد كانوا يأتون بالحرير الثمين كأمثال التلال فيضرمون فيه النار..


التهديد بغزو شمال العراق:

وبدأ التتار يفكرون في غزو مدينة "أربيل" في شمال العراق ودب الرعب في مدينة أربيل، وكذلك في مدينة الموصل في غرب أربيل، وفكر بعض أهلها في الجلاء عنها للهروب من طريق التتار، وخشي الخليفة العباسي "الناصر لدين الله" أن يعدل التتار عن مدينة أربيل لطبيعتها الجبلية، فيتجهوا إلى بغدد بدلاً منها، فبدأ يفيق من السبات العميق الذي أصابه في السنوات السابقة، وبدأ يستنفر الناس لملاقاة التتار في أربيل إذا وصلوا إليها، وأُعلِنت حالة الاستنفار العام في كل المدن العراقية، وبدأ جيش الخلافة العباسية في التجهز..

ترى كم من الرجال استطاع الخليفة أن يجمع ؟

لقد جمع الخليفة العباسي "الناصر لدين الله" ثمانمائة رجل فقط!!

ولا ندري كيف سينصر الخليفةُ دينَ الله -كما يوحي بذلك اسمه- بثمانمائة رجل؟!

أين الجيش القوي؟! وأين الحماية للخلافة؟! وأين التربية العسكرية وأين الروح الجهادية؟! لم يكن الناصر لدين الله خليفة، وإنما كان "صورة" خليفة.. أو شبح خليفة..

ولم يستطع قائد الجيش"مظفر الدين" طبعًا أن يلتقي بالتتار بهذا العدد الهزيل.. ولكن انسحب بالجيش، ومع ذلك سبحان الله فقد شعر التتار أن هذه خدعة، وأن هذه هي مقدمة العسكر فليس من المعقول أن جيش الخلافة العباسية المرهوبة لا يزيد عن ثمانمائة جندي فقط.. ولذلك قرروا تجنب المعركة وانسحبوا بجيوشهم..

وانسحاب جيوش التتار يحتاج من إلى وقفة وتحليل.. فقد كان الرعب يملأ التتار من إمكانيات الخلافة العباسية التي كانت ملء سمع وبصر الدنيا، كانت تزهو على غيرها من الأمم بتاريخ طويل، وأمجاد عظيمة، ولا شك أن دولة لقيطة مثل دولة التتار ليس لها على وجه الأرض إلا بضع سنوات ستحسب ألف حساب لدولة هائلة يمتد تاريخها إلى أكثر من خمسمائة سنة؛ ولذا فالتتار كانوا يقدرون إمكانيات العراق بأكثر من الحقيقة بكثير، ومن ثَمَّ فقد آثروا ألا يدخلوا مع الخلافة في صدام مباشر، واستبدلوا بذلك ما يعرف "بحرب الاستنزاف" وذلك عن طريق الحصار الطويل المستمر، وأيضًا عن طريق عقد الأحلاف والاتفاقيات مع الدول والإمارات المجاورة لتسهيل الحرب ضد العراق في الوقت المناسب..

لذلك فقد انسحب التتار بإرادتهم ليطول بذلك عمر العراق عدة سنوات أخرى..


اجتياح همدان وأردويل:

وهما من مدن إيران حاليًا، وقد حاصر التتار همدان ، ثم دار القتال بعد ذلك مع أهلها بعد أن انقطع عنهم الطعام، ووقعت مقتلة عظيمة في الطرفين، لكن في النهاية انتصر التتار، واجتاحوا البلد، وسفكوا دماء أهلها وأحرقوا ديارها، ثم تجاوزوها إلى أردويل فملكوها وقتلوا من فيها وخربوا وأحرقوا..

على أبواب تبريز:

واتجه التتار إلى تبريز المدينة الإيرانية الكبيرة، ولكنهم لم يستطيعوا دخولها لأن أهلها بقيادة "شمس الدين الطغرائي" رفعوا راية الجهاد في سبيل الله، فأُلقِي الرعب في قلوب التتار على الرغم من كثرتهم، وقلة أهل تبريز..

لقد نُصِر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعب مسيرة شهر، وكذلك يُنصَر بالرعب كلُّ من سار على طريقه صلى الله عليه سلم..

لقد فعل الجهاد فعله المتوقع.. بل إن القوم لم يجاهدوا، ولكنهم -فقط- عقدوا النية الصادقة، وأعدوا الإعداد المستطاع، فتحقق الوعد الرباني الذي لا خُلْفَ له وهو وقوع الرهبة في قلوب أعداء الأمة.. وهذا درس لا يُنسى..

"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يُوفَّ إليكم وأنتم لا تظلمون"(الأنفال : 60)..

فكانت هذه صورة مشرقة في وسط هذا الركام المظلم..

ورحم الله شمس الدين الطغرائي الذي جدَّد الدين في هذه المدينة المسلمة تبريز..


اجتياح بيلقان:

وهي من مدن إيران حاليًا، وللأسف فإنها لم تفعل مثل فعل تبريز، ودخل التتار البلدة في رمضان 618هـ، ووضعوا فيها السيف، فلم يبُقوا على صغير ولا كبير ولا امرأة، حتى إنهم كما يقول بن الأثير: كانوا يشقون بطون الحبالى ويقتلون الأجنة، وكانوا يرتكبون الفاحشة مع النساء ثم يقتلونهن، ولما فرغوا من البشر في المدينة نهبوا وخرَّبوا وأحرقوا كعادتهم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..

على أبواب كنجة:

وسار التتار إلى مدينة كنجة المسلمة، وفعل أهلها مثلما فعل أهل تبريز، وفعل مثلما فعلوا مع أهل تبريز..

لقد أعلن أهل كنجة الجهاد وأعدوا العدة المستطاعة، فما دخل تتري واحد مدينتهم بل تركوها إلى غيرها..


اجتياح داغستان والشيشان:

وتقعان في شمال أذربيجان على ساحل بحر قزوين من ناحية البحر الغربية، وهما من البلاد المسلمة الواقعة تحت الاحتلال الروسي الآن، نسأل الله لهما التحرير الكامل، قد قام التتار كعادتهم بتدمير كل شئ في هذه البلاد، وقتلوا معظم من وجدوه في طريقهم وكانت أشد المدن معاناة من التتار هي مدينة شماخي المسلمة (في داغستان الآن)..

اجتاح الجنوب الغربي من روسيا:

استمر التتار في صعودهم في اتجاه الشمال، وبعد الانتهاء من الشيشان وصلوا إلى حوض نهر الفولجا الروسي، واستمروا في قتال أهل هذه المناطق، وكانوا جميعًا من النصارى، وأثخنوا فيهم القتل، وارتكبوا معهم من الفظائع ما كانوا يرتكبونه مع المسلمين..

وبذلك انتهت سنة 618هـ وقد وصل التتار إلى أرض الروس، وأصبحت كل البلاد ما بين شرق الصين وجنوب غرب روسيا ملكًا لهم..


تقييم الموقف في سنة 619هـ:

في هذه السنة استمرت العمليات التترية في منطقة أرض الروس، وأكد التتار سيطرتهم على المناطق الإسلامية الشاسعة ما بين الصين والعراق، فثبتوا أقدامهم في كل بقاع الدولة الخوارزمية, وهذا يشمل الآن أسماء الدول الآتية من الشرق إلى الغرب:

ـ
كازاخستان.

ـ قيرغيزستان.

ـ طاجيكستان.

ـ أوزبكستان.

ـ تركمانستان.

ـ باكستان. (باستثناء المناطق الجنوبية فيها، والمعروفة بإقليم كرمان)..

ـ أفغانستان.

ـ معظم إيران. (باستثناء الحدود الغربية لها مع العراق والتي يسكنها الإسماعيلية.

ـ أذربيجان.

ـ أرمينيا.

ـ جورجيا.

ـ الجنوب الغربي لروسيا.


توقيع : شيهانة المرقاب
أنآ ترى ..( بنت آلرجآل ) .. آلمنآعيـر ..
.. .. من خلقتي مآجيت درب آلمعيبـــه ..
أبوي وصآني على .. (آلعز و آلخير) ..
.. .. ( مهرة أصيلة ) .. وآلطهر له نصيبــه ..
( رعبوبةٍ ) .. لآ أقبلت مثل آلتبآشيـر ..
.. .. ولآ أقفيت ..( شيهانة ) بـ رآس آلرقيبـه
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 24 Sep 2012, 01:01 PM [ 62 ]


تاريخ التسجيل : Dec 2010
رقم العضوية : 34238
الإقامة : saudi arabia
الهواية : التمرد ... & ... التناحة
مواضيع : 743
الردود : 18700
مجموع المشاركات : 19,443
معدل التقييم : 2011شيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond repute

شيهانة المرقاب غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 12
المشاركة في الاحتفالية السنوية

يوميات الأعضاء

المشرفة المتميزة

المشرفة المميزة

دقة الملاحظة

وسام المسابقات والفعاليات

المشاركة في احتفال المنتدى

وسام أفضل تقديم للسفرة

وسام المسابقات والفعاليات

العضو المميز


رد: الدولة العباسية


ظهور جلال الدين بن محمد خوارزم :
لقد ظهر جلال الدين بن محمد خوارزم على مسرح الأحداث بين سنتي 621هـ و622هـ فجأة وكان قد فَرَّ قبل ذلك إلى الهند منذ خمس سنوات (617هـ) ذلك أنه لم يستطع إكمال حياته في الهند، فقد كانت العلاقات أصلاً سيئة مع ملوك لهند، ثم إنه وجد أن التتار قد تركوا منطقة فارس نسبيًا، وأن جنكيز خان قد عاد إلى بلاده لمعالجة بعض الأمور هناك، وترك زعيمًا غيره على جيوش التتار، وأن أخاه غياث الدين قد سيطر على معظم أجزاء فارس..

وجد جلال الدين أن الظروف الآن مواتية للعودة إلى مملكة خوارزم للبحث عن الملك الضائع،ولكنه للأسف لم يدقق النظر، ولم يُشخِّص المرض الذي أصاب الأمة الإسلامية في ذلك الوقت.. ولم يدرك أن الفُرقة والتشتت والاستهانة بدماء المخالفين من المسلمين كانت من الأسباب الرئيسية لهذه الحالة المخزية التي وصلت إليها أمة الإسلام..

لم يدرك جلال الدين هذه الأمور، ومن ثم فإنه بدلاً من أن يبذل مجهودًا لتجميع الأطراف المتناحرة والأقاليم المتصارعة، دخل إلى مملكة خوارزم وهو يجهز نفسه ليكون طرفًا جديدًا في الصراع الإسلامي ـ الإسلامي!!

وبدأ جلال الدين في غزو إقليم فارس من جنوبه إلى الشمال محاربًا أخاه غياث الدين، حتى وصل إلى غرب إيران، وأصبح قريبًا من الخلافة العباسية، وكانت العلاقات القديمة بين مملكة خوارزم والخلافة العباسية متوترة جدًا، ووجد جلال الدين في نفسه قوة، ووجد في الخلافة العباسية ضعفًا فأعلن الحرب على الخلافة العباسية.. (هذا وجيوش التتار قابعة في شرق إيران) ولا عجب فقد كان جُلُّ الزعماء في تلك الآونة مصابين بالحَوَل السياسي، ودخل جلال الدين بجيشه إلى البصرة، وحاصرها لمدة شهرين، ثم تركها واتجه شمالاً ليمر قريبًا من بغداد عاصمة الخلافة العباسية،وخاف الناصر لدين الله الخليفة العباسي على نفسه فحَصَّن المدينة وجهز الجيوش لدفع جلال الدين، ولكن لم يكتف بذلك بل ارتكب فغلاً شنيعًا مقززًا، إذ أنه أرسل إلى التتار يستعين بهم على حرب جلال الدين..

لقد كان الخليفة العباسي الناصر لدين الله كالمستجير من الرمضاء بالنار..

ومع استعانة الخليفة بالتتار إلا أن التتار كانوا مشغولين ببسط سيطرتهم على المناطق الشاسعة التي احتلوها، فلم يحدث بينهم وبين جلال الدين قتال إلا في أواخر سنة 622هـ، واستثمر جلال الدين هذه الفترة في بسط سيطرته على المناطق المحيطة ببغداد، ثم شمال العراق ثم منطقة شمال فارس، وبدأ يدخل في أذربيجان وما حولها من أقاليم إسلامية..

وكانت حروبه حروبًا شرسة مُفسدة، مع أن البلاد المغنومة كلها بلاد إسلامية.. فكان يفعل بهم الأفاعيل من قتل وسبي ونهب وتخريب.. وكأنه تعلم من حروبه مع التتار كيف يقسو قلبه بدلاً من أن يتعلم كيف يرحم الذين عُذِّبوا منذ شهور وسنوات على أيدي التتار..

وبذلك بلغ سلطان جلال الدين من جنوب فارس إلى الشمال الغربي لبحر قزوين، وهي وإن كانت منطقة كبيرة إلا أنها مليئة بالقلاقل والاضطرابات، بالإضافة إلى العداءات التي أورثها جلال الدين قلوب كل الأمراء في الأقاليم المحيطة بسلطانه بمن فيهم الخليفة العباسي الناصر لدين الله، وسياسة العداوات والمكائد والاضطرابات هي السياسة التي ورثها جلال الدين عن أبيه محمد بن خوارزم، ولم تأتِ إلا بالويلات على الأمة..

وفي آخر سنة 622هـ توفي الخليفة الظالم الفاسد الناصر لدين الله، بعد أن حكم البلاد سبعة وأربعين عامًا متتالية، وكان قبيح السيرة في رعيته، فقد خرَّب العراق، وظلم أهله، أخذ أموالهم وأملاكهم، وطفَّف لهم في المكاييل، وفرض عليهم الرسوم الجائرة والأحكام الظالمة، وفوق كل ذلك ارتكب الذنب العظيم الذي تصغر بجواره كل ذنوبه وهو مراسلة التتار، ومحاولة التعاون معهم ضد المسلمين..

أحداث سنتي 623 ـ 624هـ:

تولى الظاهر بأمر الله ابن الناصر لدين الله الخلافة العباسية، وكان على النقيض من أبيه تمامًا، فقد كان رجلاً صالحًا، تقيًا أظهر من العدل والإحسان ما لم يَسبق إلا عند القليل، لدرجة أن ابن الأثير قال: "إنه لو قيل: إنه لم يلِ الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز مثلُه لكان القائل صادقًا"، فرفع الضرائب الباهظة، وأعاد للناس حقوقهم، وأخرج المظلومين من السجون، وتصدَّق على الفقراء، حتى قيل في حقه: إنه كان غريبًا في هذا الزمان الفاسد ولقد قال فيه ابن الأثير -وكان معاصرًا له- كلمة عجيبة، لقد قال: "إني أخاف أن تقصر مدة خلافته؛ لأن زماننا وأهله لا يستحقون خلافته"..

سبحان الله.. لقد صدق حَدْسُ ابن الأثير، وتوفي الخليفة الظاهر بأمر الله سريعًا! ولم يحكم المسلمين إلا تسعة شهور وبضعة أيام فقط، ومع ذلك فكما يذكر الرواة: رخصت الأسعار جدًا في فترة حكمه، وتحسن الاقتصاد في العراق..

وتولى الحكم بعد الظاهر بأمر الله المستنصر بالله، والذي ظل في كرسي الحكم حتى سنة 640هـ، أي حوالي سبعة عشر عامًا..

وفي هذه الأثناء كان جلال الدين مستمرًا في حروبه في المنطقة ليس مع التتار، ولكن مع المسلمين، واستولى على بعض المدن والأقاليم، وكان من أبشع ما فعل هو حصاره لأهل "خلاط" أو "أخلاط" وهي مدينة مسلمة (في شرق تركيا الآن)، فقد قتل منهم خلقًا كثيرًا، وامتدت أيدي الجنود الخوارزميين إلى كل شئ في البلد بالسلب والنهب حتى سبوا الحريم المسلمات..

ثم حدث أمر مهم جدًا ومحوري في سنة 624هـ وهو وفاة القائد التتري المجرم السفاح جنكيز خان عن عمر يناهز اثنتين وسبعين سنة، ملأها بالقتل والذبح وسفك الدماء والسلب والنهب, وبنى خلال فترة حكمه مملكة واسعة من كوريا في الشرق إلى فارس في الغرب.. بُنِيَت هذه المملكة على جماجم البشر، وعلى أشلائهم ودمائهم.. (ومعظمهم من المسلمين !) ولكن اللوم كل اللوم على من وصل إلى حالة من الضعف مكَّنت مثل هذا الفاسد من أن يفعل في بلاد المسلمين ما يشاء..

وبموت جنكيز خان هدأت الأمور نسبيًا في هذه المنطقة، واحتفظ التتار بما ملكوه من بلاد المسلمين إلى وسط إيران تقريبًا بينما كان جلال الدين يبسط سيطرته على المناطق الغربية من إيران والمناطق الغربية من بحر قزوين وكأنَّ كل طرف قد رضي بما يملك, وآثر الاحتفاظ بما يعتقد أنه حق له..

الفترة من 624 هـ إلى 627 هـ:

هذه هي فترة الهدوء النسبي الذي أعقب وفاة جنكيز خان..

أين كان المسلمون في هذه الفترة ؟!

لقد كانوا على عهدهم من الخلاف والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق.. لم يستغل المسلمون مصيبة التتار في زعيمهم الكبير جنكيزخان ليجمعوا صفهم ويحرروا بلادهم، بل شغلوا أنفسهم بحرب بعضهم البعض، وبظلم بعضهم البعض..

فقد تجددت الخلافات بين جلال الدين وأخيه غياث الدين وتفاقمت، حتى تعاون غياث الدين مع أعداء جلال الدين في حروبه..

ليس هذا فقط، بل كانت المنطقة بأسرها تموج بالاضطرابات والفتن، ليس في منطقة العراق وفارس فقط، بل في كل ديار المسلمين، فالحروب بين أمراء الشام ومصر كانت مستمرة، ولم تتحد كلمتهم أبدًا، مع أن معظمهم من نفس العائلة الأيوبية بل وأحيانًا من الإخوة الأشقاء، ونتج عن ذلك أمر مريع في سن 626هـ، وهو تسليم بيت المقدس (الذي حرره صلاح الدين الأيوبي قبل ذلك) إلى الصليبيين صلحًا..!! أي أن المسلمين في الشام اتفقوا على إعطاء بيت المقدس للصليبيين في مقابل أن يترك الصليبيون بعض الإمارات في الشام للمسلمين.

ونعوذ بالله من الضعف بعد القوة، ومن الذلة بعد العزة، ومن الخذلان بعد النصر..

ثم إن جلال الدين استمر في حروبه البشعة في المنطقة، وكان من مما فعل أن حاصر مدينة "خلاط" مرة ثانية بعد أن تمردت عليه, وأطال عليها الحصار حتى اضطر أهل البلد إلى أكل لحوم الخيل والحمير، ثم أكلوا الكلاب والقطط.. بل والفئران..!!

ثم سقطت المدينة في يد جلال الدين، فخربها وأكثر فيها القتل وسبي الحريم، واسترقَّ الأولاد, ثم باع الجميع.. وكما يقول ابن الأثير:
"إن هذا لم يُسمَعْ بمثله, لاجَرَمَ أن الله عز وجل لن يمهله !!"..

وعند رؤية مثل هذه الأحداث في كل بلاد المسلمين، ندرك لماذا فعل التتار ذلك بهذه البلاد مع ضخامتها وأعدادها وثرواتها، ولا جرم أن هذه سنة مُطَّرِدة في الكون.. فإنه من كانت هذه حاله فلابد أن يُسَلط عليه طواغيت الأرض, فالله عزوجلَّ لا ينصر إلا من ينصره..
(إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده".. (آل عمران: 160)..


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 24 Sep 2012, 01:02 PM [ 63 ]


تاريخ التسجيل : Dec 2010
رقم العضوية : 34238
الإقامة : saudi arabia
الهواية : التمرد ... & ... التناحة
مواضيع : 743
الردود : 18700
مجموع المشاركات : 19,443
معدل التقييم : 2011شيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond repute

شيهانة المرقاب غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 12
المشاركة في الاحتفالية السنوية

يوميات الأعضاء

المشرفة المتميزة

المشرفة المميزة

دقة الملاحظة

وسام المسابقات والفعاليات

المشاركة في احتفال المنتدى

وسام أفضل تقديم للسفرة

وسام المسابقات والفعاليات

العضو المميز


رد: الدولة العباسية


أتت سنة 628هـ تحمل هجمة تترية بشعة جديدة على الأمة الإسلامية.. وقد تضافرت عوامل شتى جعلت هذا الاجتياح الجديد على مستوى الاجتياح الأول نفسه الذي حدث سنة 617هـ إلى سنة 620هـ، أو لعله أبشع وأسرع..

من هذه العوامل:

1ـ استقرار ملك التتار في منغوليا بعد وفاة جنكيزخان، فقد تولى قيادة التتار الزعيم الجديد "أوجتاي" وأخذ ينظم أمور مملكته في معقلها بمنغوليا والصين، وذلك سنة 624هـ إلى سنة 627ـ.

بعد أن تم له ذلك بدأ يفكر من جديد في اجتياح العالم الإسلامي واستكمال الحروب بعد ذلك في منطقة روسيا، ومحاولة استكمال الفتوح في داخل أوروبا، ويبدو أن اجتياح الخلافة العباسية ذاتها وإسقاط بغداد لم يكن من أهداف هذه الحملة؛ لأنها تجاوزتها إلى أوروبا، دون الوقوف أمامها كثيرًا..

وذلك إما لشدة حصانتها وكثافة سكانها، وإما لتجنب إثارة كل المسلمين في العراق والشام ومصر إذا أُسقِطت الخلافة العباسية، والتي كانت تمثل رمزا مهمًا للمسلمين على ضعفها.. فأراد التتار أن يجعلوها الخطوة الأخيرة في فتوحاتهم.. وهذا هو عين الذكاء..

كلف الخاقان الكبير "أوجتاي" أحد أبرز قادته بالقيام بمهمة الاجتياح التتري الثاني، وهو القائد "شورماجان" والذي جمع جيشًا هائلاً من التتر، وتقدم صوب العالم الإسلامي من جديد..


2ـ شهد هذا العام أيضًا 628هـ استمرار حالة الفرقة البشعة التي كانت في الأمة الإسلامية، واهتمام كل زعيم بحدود مملكته، وإن صَغُرَت، وحتى إن بعض الممالك الإسلامية لم تكن إلا مدينة واحدة وما حولها من القرى، ولم يكتفِ الزعماء المسلمون بالفرقة بل كانوا يتصارعون فيما بينهم، ويكيد بعضهم لبعض، ولم يكن أحدهم يأمن أخاه مطلقًا، ولم تكن فكرة الوحدة مطروحة أصلاً..

3ـ حملت هذه السنة ـ أيضًا ـ النهاية المأساوية الفاضحة لجلال الدين بن خوارزم شاه..

4ـ نتيجة العوامل السابقة، ونتيجة سوء التربية، وغياب الفهم الصحيح للإسلام، والتمسك بالدنيا إلى أقصى درجة وعدم وضوح الرؤية عند الناس.. فعادوا لا يعلمون العدو من الصديق، ونتيجة الحروب التترية السابقة، والتاريخ الأسود في كل مدينة وقرية مر عليها التتار.. نتيجة كل هذه العوامل فقد دبَّت الهزيمة النفسية الرهيبة داخل قلوب المسلمين، فما استطاعوا أن يحملوا سيفًا، ولا أن يركبوا خيلاً، بل ذهب عن أذهانهم أصلاً التفكير في المقاومة.. وهذا ولا شك سهَّل جدًا من مهمة التتار الذين وجدوا أبوابًا مفتوحة، ورقابًا جاهزة للقطع..!!

يروي ابن الأثير في الكامل في أحداث سنة 628هـ بعض الصور التي استمع إليها بأذنه من بعض الذين كتبت لهم نجاة أثناء حملات التتار على المدن الإسلامية فيقول:

كان التتري يدخل القرية بمفرده، وبها الجمع الكثير من الناس؛ فيبدأ بقتلهم واحدًا تلوَ الآخر، ولا يتجاسر أحد المسلمين أن يرفع يده نحو الفارس بهجوم أو دفاع..!!

أخذ تتري رجلاً من المسلمين، ولم يكن مع التتري ما يقتله به، فقال له: ضع رأسك على الأرض ولا تبرح، فوضع رأسه على الأرض، ومضى التتري فأحضر سيفًا ثم قتله..

وكان هذا وضع المسلمين في ذلك الوقت.. هزيمة نفسية مُرَّة.. واجتياح تتري رهيب..

ماذا فعل شورماجان بعد موت جلال الدين؟

لقد ضم شورماجان شمال إقليم فارس (شمال إيران حاليًا) إلى الإمبراطورية التترية، وذلك في سنة 629هـ، ثم زحف بعد ذلك على إقليم أذربيجان فضمه إلى أملاكه..

وبتلك الانتصارات التترية، إلى جانب موت جلال الدين، اكتمل سقوط إقليم فارس كله في يد التتار باستثناء الشريط الغربي الضيق الذي تسيطر عليه طائفة الإسماعيلية الشيعية..

ثم بدا لشورماجان أن يستقر في هذه المناطق ولا يُكمل زحفه إلا بعد ترسيخ قدمه، وتثبيت جيشه، ودراسة المناطق المحيطة.. وما إلى ذلك من أمور تدعم السلطان التتري في هذه المنطقة..

ظل شورماجان يُرسِّخ حكم التتر في هذه المناطق لمدة خمس سنوات كاملة من سنة 629هـ، إلى سنة 634هـ، وأثناء هذه السنوات الخمس لم تخرج عليه ثورة مسلمة!! ولم يتحرك لقتاله جيش مسلم!! مع أن جيوش المسلمين تملأ المناطق المجاورة لفارس وأذربيجان، وذلك في العراق والموصل ومصر والحجاز وغيرها..

لكن الكل كان يشعر أن هذا الأمر يُهم أهل فارس وأذربيجان وليس مصيبة عامة على عموم المسلمين..!!


الاجتياح التتري في الفترة من سنة 634هـ إلى 649هـ:

بعد هذه السنوات الخمس في إقليمي فارس وأذربيجان بدأ شورماجان في سنة 634هـ في الالتفاف حول بحر قزوين من ناحية الغرب لينطلق شمالاً لاستكمال فتوحاته، وبسرعة استطاع أن يسيطر على أقاليم أرمينيا وجورجيا (مملكة الكرج النصرانية) والشيشان وداغستان.

ثم بدأ جيش آخر من جيوش التتار بزعامة "باتو بن جاجي" في قيادة الحملات التترية شمال بحر قزوين, وذلك في السنة نفسها 634هـ وأخذ في قمع القبائل التركية النازلة في حوض نهو الفولجا، ثم 635هـ، وخلال عامين فقط (635هـ ـ 636هـ) احتل التتار دولة روسيا بكاملها..

وفي سنة 639هـ مات الخاقان الكبير ملك التتار "أوجتاي" فاضطر الأمير "باتو بن جاجي" أن يوقف الحملات، ويستخلف أحد قواده على المناطق المفتوحة، ويعود إلى "قراقورم" عاصمة التتار في منغوليا للمشاركة في اختيار الخاقان التتري الجديد..


وقفة للتحليل (سنة 639هـ وما بعدها):

أولاً: وصلت حدود دولة التتار في هذه السنة من كوريا شرقًا إلى بولندا غربًا، ومن سيبيريا شمالاً إلى بحر الصين جنوبًا وهو اتساع رهيب في وقت محدود.. وأصبحت قوة التتار في ذلك الوقت هي القوة الأولى في العالم بلا منازع..

ثانيًا: تولى قيادة التتار بعد "أوجتاي" ابنه "كيوك بن أوجتاي" وقد كان لهذا الخاقان الجديد الرأي في تثبيت الأقدام في البلاد المفتوحة بدلاً من إضافة بلاد جديدة قد لا يقوى التتار على حفظ النظام فيها، والسيطرة على شعوبها وجيوشها, ومن ثم فقد توقفت الفتوحات التترية في عهد هذا الخاقان, وإن ظل التتار يحافظون على أملاكهم الواسعة.

ثالثًا: ابتلع التتار في فتوحاتهم السابقة النصف الشرقي للأمة الإسلامية, وضموا معظم الأقاليم الإسلامية في آسيا إلى دولتهم، وقضوا على كل مظاهر الحضارة في هذه المناطق، كما قضوا تمامًا على أي نوع من المقاومة في هذه المناطق الواسعة, وظل الوضع كذلك لسنوات كثيرة لاحقة..

رابعًا: ظَلَّ القسم الأوسط من العالم الإسلامي والذي يبدأ من العراق إلى مصر مُفرَّقًا مشتتًا لا يكتفي فقط بمشاهدة الجيوش التترية وهي تسقط معظم ممالك العالم في وقتهم، وإنما انشغل أهله بالصراعات الداخلية فيما بينهم، وازداد تفككهم بصورة كبيرة..

كذلك كان القسم الغربي من العالم الإسلامي الذي يضم ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وغرب إفريقيا.. كان هذا القسم مفككًا تمامًا بعد سقوط دولة الموحدين..

خامسًا: ذاق الأوروبيون النصارى من ويلات التتار كما ذاق المسلمون من قبل، وذُبِحَ منهم الآلاف أو الملايين، ودُمرت كنائسهم، وأُحرقت مدنهم، بل هُدِّدوا تهديدًا حقيقيًا أن يصل التتار إلى عقر دار الكاثوليكية النصرانية في روما..

سادسًا: ومع أن النصارى رأوا أفعال التتار إلا أن ملوك النصارى في أوروبا الغربية (فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وألمانيا) كانوا يرون أن هذه مرحلة مؤقتة سوف تقف عند فترة من الفترات، أما حروب النصارى الصليبيين ضد المسلمين فهي حروب دائمة لا تنتهي.. ومن ثَمَّ فقد كان ملوك الصليبيين على استعداد كامل للتعاون مع التتار رغم كل الأعداد الهائلة التي قُتِلت منهم بدلاً من التعاون مع المسلمين..

أما لماذا يعتقد الصليبيون أن حرب المسلمين دائمة, وحرب التتار مؤقتة؟ فإن ذلك يرجع إلى أن حروب الصليبيين مع المسلمين هي حروب عقيدة، والعَدَاء بين المسلمين والصليبيين يقوم على أساس ديني، والصراع بينهما أبديٌّ، والنصارى لن يُنهوا القتال إلا بدخول إحدى الطائفتين في دين الأخرى، كما يقول الله عز وجل في كتابه: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم" (البقرة: 120)..

سابعًا: أخذت عقائد الجيش التتري في التغيير بعد الحملات التي وجهوها إلى أوروبا، فقد تزوج عدد كبير من قادة المغول من فتيات نصرانيات، وبذلك بدأت الديانة النصرانية تتغلغل نسبيًا في البلاط المغولي، وهذا ساعد أكثر على إمكانية التعاون بين التتار والصليبيين..

ثامنًا: استمرت الحروب الصليبية الأوروبية على المسلمين في مصر والشام، وكانت مصر والشام في ذلك الوقت تحت حكم الأيوبيين، ولكن كانت هذه هي آخر أيام الأيوبيين، وقد دار الصراع بينهم وبين بعضهم، وأصبح المسلمون بين شِقَّي الرَّحَى: بين التتار من ناحية، والصليبيين من ناحية أخرى..

تاسعًا: في سنة 640هـ توفي المستنصر بالله الخليفة العباسي، وتولى الخلافة ابنه المستعصم بالله، وكان يبلغ من العمر آنذاك ثلاثين عامًا، وهو وإن كان قد اشتُهِر بكثرة تلاوة القرآن، وبالنظر في التفسير والفقه، وكثرة أعمال الخير، إلا أنه لم يكن يفقه كثيرًا، ولا قليلاً في السياسة!! ولم يكن له علم بالرجال، فاتخذ بطانة فاسدة، وازداد ضعف الخلافة عما كانت عليه، فهو آخر الخلفاء العباسيين, وهو الذي ستسقط بغداد في عهده بعد ذلك..

عاشرًا: لم يبقَ فاصل بين التتار والخلافة العباسية في العراق إلا شريط ضيق في غرب إقليم فارس (غرب إيران الآن).. وهو على قدر من الأهمية وإن كان ضيقًا إذ كانت تعيش فيه طائفة الإسماعيلية الخطرة، وكانوا أهل حرب وقتال، ولهم قلاع وحصون، فضلاً عن طبيعة المكان الجبلية، وكانوا على خلاف دائم مع الخلافة العباسية، وكراهية شديدة للمذهب السني، وكانوا يتعاونون مع أعداء الإسلام كثيرًا، فَمَرَّةً يراسلون التتار، ومرة يراسلون الصليبيين، وكان التتار يدركون وجودهم، ومع ذلك فهم لا يطمئنون لهم، فالتتار ما كانوا يرغبون في بقاء قوة ذات قيمة في أي مكان على ظهر الأرض..

بين 639 هـ و 649 هـ:

بعد تولية "كيوك بن أوجتاي" خاقان التتار الجديد قرر أن يوقف الحملات التوسعية، ويتفرغ لتثبيت الأقدام في أجزاء مملكته المختلفة، وقد ظل "كيوك" يحكم من سنة 639هـ إلى سنة 646هـ، وفي هذه السنوات السبع لم يدخل التتار بلادًا جديدة إلا فيما ندر، وكانت فترة هدوء نسبي في المناطق المجاورة لمملكة التتار، وإن كانت المناطق المنكوبة بالتتار ما زالت تعاني من ظلم وبشاعة الاحتلال التتري..

وبعد وفاة خاقان التتار "كيوك" تولَّت أرملته حكم التتار، وذلك ابتداءً من سنة646هـ ولمدة ثلاث سنوات..

ولم يستطع التتار قبول أرملة "كيوك" ملكة عليهم، ومن ثم اجتمع المجلس الوطني للتتار والمسمى "بالقوريلتاي" وذلك في سنة 649هـ، وقرروا اختيار خاقان جديد للتتار، وكان اختيار منكوخان زعيمًا لمملكة التتار بداية تحول كبير في سياسة التتار، وبداية تغيير جذري في المناطق المحيطة بالتتار، فقد كانت لديه سياسة توسعية شبيهة بسياسة جنكيزخان المؤسس الأول لدولة التتار، وشبيهة أيضًا بسياسة أوجتاي الذي فُتِحَت أوروبا في عهده، ومن ثَمَّ بدأ "منكو خان" يفكر من جديد في إسقاط الخلافة العباسية، وما بعدها من بلاد المسلمين..



الأعلى رد مع اقتباس
قديم 24 Sep 2012, 01:03 PM [ 64 ]


تاريخ التسجيل : Dec 2010
رقم العضوية : 34238
الإقامة : saudi arabia
الهواية : التمرد ... & ... التناحة
مواضيع : 743
الردود : 18700
مجموع المشاركات : 19,443
معدل التقييم : 2011شيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond repute

شيهانة المرقاب غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 12
المشاركة في الاحتفالية السنوية

يوميات الأعضاء

المشرفة المتميزة

المشرفة المميزة

دقة الملاحظة

وسام المسابقات والفعاليات

المشاركة في احتفال المنتدى

وسام أفضل تقديم للسفرة

وسام المسابقات والفعاليات

العضو المميز


رد: الدولة العباسية


الفرقة والتشتت والتشرذم بين ممالك المسلمين:

يقول المولى تبارك وتعالى في كتابه الكريم: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين" {الأنفال : 46}..

لقد جعل الله عزوجل الفشل قرينًا للتنازع.. والمسلمون كانوا في تنازع مستمر، وخلاف دائم، وعندما كانت تحدث بعض فترات الهدنة في الحروب مع التتار، كان المسلمون يُغيرون على بعضهم، ويأسرون بعضهم، ويقتلون بعضهم..!! وقد عُلِمَ يقينًا أن من كانت هذه صفتهم، فلا يكتب لهم النصر أبدًا..

روى الإمام مسلم رحمه الله عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ".... وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد، إني قضيت قضاءً فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم مَن بأقطارها ـ أو قال: من بين أقطارها ـ حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا" ..

فالمسلمون كانوا في تلك الآونة يهلك بعضهم بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا.. فلا عجب إن غلب عليهم جيش التتار أو غير التتار..

الترف:

من المعلوم أن الترف انصراف عن المهمة الرئيسية للإنسان واتجاه نحو الملذات، وجمع المال، والتفاخر بالملك، وما ذُكِر أبدًا ترفٌ بخير، وكثرة المال ابتلاء من الله، فإما أن يحسن الإنسان بإنفاقه وصرفه في وجوه الخير، وطاعة الله، وإما في غير ما أمر الله، وقد ذُكر الترف في ثمانية مواضع في كتاب الله، تنصب كلها على الكافرين، والمجرمين، والفاسقين..

يقول الله تعالى: [فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين] {هود : 116}.

[وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرنها تدميرًا] {الإسراء : 16}..

[لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون] ]{الأنبياء: 13}.

[وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون] (المؤمنون : 33)..

[حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجئرون] (المؤمنون : 64)..

[وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون].](سبأ : 34)..

[وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا ءاباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون].. (الزخرف : 23)..

[وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك مترفين].. (الواقعة : 41ـ45)..

ومآل الترف إلى الفساد، وضياع السلطة وانهيار الدولة، وزوال الأمة، وقد زال الأمويون عندما أصابهم الترف، ودالت دولة بني العباس عندما حَلَّ فيها الترف، وسقطت الأندلس بيد النصارى، وضاعت نهائيًا بعد أن انصرف السكان إلى الترف..(2)

ترك الجهاد في سبيل الله:

وكنتيجة طبيعية للانغماس في الدنيا، والترف الزائد عن الحد ترك المسلمون الجهاد، فلم يفقه المسلمون أيام التتار ـ كما لم يفقه كثير من المسلمين في زماننا الآن ـ أن السبيل الأساسي لاستعادة حقوق المسلمين المنهوبة هو الجهاد..

روى أبو داود وأحمد رحمه الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تبايعتم بالعينة (نوع من الربا)، وأخذتم أذناب البقر (العمل في الرعي المواشي)، ورضيتم بالزرع (أي رضيتم بالاشتغال بالزراعة، والمقصود عملتم في أعمال الدنيا أيًّا كانت في وقت الجهاد المتعين)، وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم"..

لقد عمل أهل بغداد في الزراعة والتجارة والكتابة والصناعة بل وفي العلم والتعلم، وتركوا الجهاد في سبيل الله، فكان النتيجة الذل، وسقوط بغداد وقتل الخليفة المستعصم بالله بطريقة مخزية ما حدثت مع خليفة قبله، وما سمعنا بها مع أي من ملوك أو أمراء الأرض.. مسلمين أو غير مسلمين.. فقد أمر هولاكو أن يُقتَلَ الخليفة العباسي المستعصم بالله رفسًا بالأقدام..!!

وبالفعل وُضِع الخليفة العباسي على الأرض ، وبدأ التتار يرفسونه بأقدامهم، حتى فارقت روحه جسده..


إهمال الإعداد المادي للحروب:

لقد اجتهد التتار في إعداد كل ما يمكنهم من النصر، سواء في ذلك الجنود أو السلاح أو تجهيز الطرق أو وضع الخطة أو الاهتمام بالأحلاف أو الحرب النفسية والخطط البديلة..

لقد كان إعدادًا متميزًا حقًا..

كل ذلك بينما كان المسلمون يعيشون في وادٍ آخر..!!

أُهمِلَت الجيوش الإسلامية وانحدر مستواها، ولم يهتم حاكم بتحديث سلاحه أو تدريب جنده.. لم توضع الخطة المناسبة ولم توجد المخابرات الدقيقة.. لقد تهاون المسلمون جدًا في إعدادهم، ورُتبت أولوياتهم بصورة مخزية، فبينما كانت الملايين تنفق على القصور وعلى الرخام وعلى الحدائق لم يُنفق شيء على الإعداد العسكري والعلمي والاقتصادي للبلاد وبينما قل ظهور النماذج المتفوقة في المجالات العلمية والقيادية والإدارية كثر ظهور المطربين والمطربات، والراقصين والراقصات، واللاهين واللاهيات!!

ولابد أن تهزم أمة كان إعدادها بهذه الصورة.. فأُمَّة الإسلام بغير إعداد لا تقوم..وليس معنى أن يرتبط الناس بربهم ويعتمدوا عليه أن يهملوا المقومات المادية، والتجهيز البشري.. لابد أن يفقه المسلمون هذا الدرس جيدًا..


الخطأ الذي ارتكبه محمد بن خوارزم شاه في قطع العلاقات بينه وبين الأقطار الإسلامية:

يقول ابن الأثير رحمه الله: "وكان محمد بن خوارزم شاه قد استولى على البلاد، وقتل ملوكها، وأفناهم، وبقي هو وحده سلطان البلاد جميعها، فلما انهزم من التتار لم يبق في البلاد من يمنعهم، ولا من يحميها"..

في هذا النص تفسير واضح جلي لمدى المأساة التي كان يعيشها المسلمون في ذلك الوقت.. لقد كان محمد بن خوارزم شاه جيدًا في ذاته في إدارته، لكنه قطع كل العلاقات بينه وبين من حوله من الأقطار الإسلامية، لم يتعاون معها أبدًا، بل على العكس قاتلها الواحدة تلو الأخرى.. وكان يقتل ملوك هذه الأقطار ويضمها إلى مملكته، ولا شك أن هذا خلف أحقادًا كبيرة في قلوب سكان هذه البلاد، وهذا ليس من الحكمة في شيء انظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان يفتح البلاد، كان يولي زعماء هذه البلاد عليها ويحفظ لهم مكانتهم، ويُبقي لهم ملكهم، فيضمن بذلك ولاءهم وحب الناس له، فأبقى على حكم البحرين ملكها المنذر بن ساوى، وأبقى على حكم عمان ملكيها: جيفر وعباد، بل أبقى على اليمن واليها باذان بن سامان الفارسي عندما أسلم، وهكذا..

هذه سياسة وحكمة في آنٍ واحد معًا، هذا مَزْج جميل بين الحزم بين الحب.. هذا أسلوب راقٍ في الإدارة..

أما هنا في قصتنا فقد افتقد الزعيم محمد بن خوارزم شاه هذا الجمع الحكيم بين الحب والحزم.. وأصبح حاكمًا بقوته لا بحب الناس له، فلما احتاج إلى الناس لم يجدهم، ولما احتاج إلى الأعوان افتقر إليهم.. فلم تكن الصراعات بين الخلافة العباسية والدولة الخوارزمية فقط، بل قامت الدولة الخوارزمية نفسها على صراعات داخلية وخارجية، ومكائد كثيرة، ومؤامرات عديدة فلم تتوحد القلوب في هذه البلاد، ومن ثم لم تتوحد الصفوف ولم يحدث النصر.. وما كان النصر أن يتحقق والأمة على هذا النحو..


[إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيان مرصوص].. {الصف: 4}..

وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إذ يقول فيما رواه النسائي وأحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه: "عليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية".. أي يأكل الغنم القاصية..

حب الدنيا وكراهية الموت:

روى أبو داود عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله علي وسلم: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل.. ولينزعنَّ اللهُ من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ اللهُ في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت"..

لقد سيطر حب الدنيا على القلوب، وكره المسلمون الموت في سبيل الله، فأصبحوا كالغثاء الذي يحمله السيل.. إذا توجه السيل شرقًا شرَّقوا معه، وإذا توجه السيل غربًا غرَّبوا معه، لا رأي ولا هدف ولا طموح، ونزع الله عز وجل مهابة المسلمين من قلوب التتار، فما عادوا يكترثون بالأعداد الغفيرة، وألقى في قلوب المسلمين الوهن والضعف والخور حتى كانت أقدام المائة من المسلمين لا تقوى على حملهم إذا واجهوا تتريًا واحدًا!! ولا حول ولا قوة إلا بالله..
موالاة أعداء الأمة:

لقد سقط الكثير من زعماء المسلمين أيام التتار في مستنقع الموالاة لأعداء الأمة، وكان منطقهم في ذلك أنهم يجنبون أنفسهم أساسًا، ثم يجنبون شعوبهم بعد ذلك ويلات الحروب.. فارتكبوا خطأ شرعيًا وعقليًا شنيعًا.. بل ارتكبوا أخطاءً مركبة.. فتجنُّب الجهاد مع الحاجة إليه خطأ، وتربية الشعب على الخنوع لأعدائه خطأ آخر، وموالاة العدو واعتباره صديقًا, والثقة في كلامه وفي عهوده خطأ ثالث..

وربنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه بوضوح: [يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين] {المائدة : 51}..

وهذا التحذير خطير من رب العالمين..وكم هو أحمق أو ضعيف الإيمان من يستمع إلى هذا التحذير ثم لا يلتفت إليه..

لقد أسرع أمراء المسلمين بعقد الاتفاقيات المهينة والمخزية مع التتار لتسهيل ضرب بلاد المسلمين..

ولم يعقد منكوخان هذه المعاهدات بنفسه؛ لأنه استهان جدًا بهؤلاء الأمراء، فقد كان كل واحد منهم لا يملك سوى بضعة كيلومترات، ومع ذلك يسمِّي نفسه أميرًا، بل ويلقب نفسه بالألقاب الفاخرة مثل: المعظم والأشرف والعزيز والسعيد وغير ذلك..


وكَّل منكوخان أخاه هولاكو في عقد هذه الاتفاقيات المخزية.. فجاء أمراء المسلمين الضعفاء يسارعون في التتار الأقوياء.. [فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسرُّوا في أنفسهم نادمين] {المائدة: 52}..

فجاء إلى هولاكو بدرُ الدين لؤلؤ، أمير الموصل ليتحالف معه.

وجاء سلطانا السلاجقة وهما: كيكاوس الثاني وقلج أرسلان الرابع ليتحالفا أيضًا مع هولاكو، وكانا في مكان حساس جدًا، فهما في شمال العراق (تركيا الآن) وتحالفهما يؤدي إلى حصار العراق من الشمال، وقد كان أسلوب كيكاوس الثاني في التزلف إلى التتار مخزيًا إلى الدرجة التي صدمت التتار أنفسهم!!

ورضخ أيضًَا الناصر يوسف أمير حلب ودمشق، ومع كونه حفيد الناصر صلاح الدين الأيوبي رحمه الله بل شبيهه في الاسم واللقب.. إلا أنه لم يكن يشبهه في شيء من الأخلاق أو الروح، بل كان مَهِينًا إلى الدرجة التي أرسل فيها ابنه العزيز لا ليقدم إلى هولاكو فروض الطاعة فقط، بل ليبقى معه في جيشه كأحد أمرائه..!!

وكذلك جاء الأشرف الأيوبي أمير حمص ليقدم ولاءه لزعيم التتار..

لقد كانت هذه التحالفات في منتهى الخطورة.. فهي بالإضافة إلى مهانتها وحقارتها قد زادت جدًا من قوة التتار الذين أصبحوا يحاصرون العراق من كل مكان، ويعرفون أخبار البلاد من داخلها، وفوق ذلك فإن هذه التحالفات أدت إلى إحباط شديد عند الشعوب التي رأت حاكمها على هذه الصورة المخزية؛ فضعفت الهمم، وفترت العزائم، وانعدمت الثقة في القادة، ومن ثَمَّ لم يعد لهم طاقة بالوقوف في وجه التتار..

لقد كانت هذه الاتفاقيات جريمة بكل المقاييس..!!


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 24 Sep 2012, 01:04 PM [ 65 ]


تاريخ التسجيل : Dec 2010
رقم العضوية : 34238
الإقامة : saudi arabia
الهواية : التمرد ... & ... التناحة
مواضيع : 743
الردود : 18700
مجموع المشاركات : 19,443
معدل التقييم : 2011شيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond repute

شيهانة المرقاب غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 12
المشاركة في الاحتفالية السنوية

يوميات الأعضاء

المشرفة المتميزة

المشرفة المميزة

دقة الملاحظة

وسام المسابقات والفعاليات

المشاركة في احتفال المنتدى

وسام أفضل تقديم للسفرة

وسام المسابقات والفعاليات

العضو المميز


رد: الدولة العباسية


المراجع من مشاركة رقم 59 الى 64

(1) د. راغب السرجاني: قصة التتار من البداية إلى عين جالوت - الطبعة الأولى 1427 - 2006 مؤسسة اقرأ .

(2) محمود شاكر: الدولة العباسية جـ 5 ص 8 ، 9 .


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 24 Sep 2012, 01:06 PM [ 66 ]


تاريخ التسجيل : Dec 2010
رقم العضوية : 34238
الإقامة : saudi arabia
الهواية : التمرد ... & ... التناحة
مواضيع : 743
الردود : 18700
مجموع المشاركات : 19,443
معدل التقييم : 2011شيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond repute

شيهانة المرقاب غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 12
المشاركة في الاحتفالية السنوية

يوميات الأعضاء

المشرفة المتميزة

المشرفة المميزة

دقة الملاحظة

وسام المسابقات والفعاليات

المشاركة في احتفال المنتدى

وسام أفضل تقديم للسفرة

وسام المسابقات والفعاليات

العضو المميز


رد: الدولة العباسية


مقدمة
قيام دولة المماليك وإشراقة أمل:

بعد سقوط دمشق في أيدي التتار في أواخر صفر سنة 658 هـ , وذلك بعد سنتين تماما من سقوط بغداد , قرر "كتبغا " أن يحتل فلسطين, وباحتلالها يكون التتار قد أسقطوا العراق بكامله ,وأجزاء كبيرة من تركيا , وأسقطوا أيضا سوريا بكاملها وكذلك لبنان وفلسطين , وقد حدث كل ذلك في عامين فقط ووصل التتار في فلسطين إلى غزة , وأصبحوا على مسافة تقل عن خمسة وثلاثين كيلو مترا فقط من سيناء , وبات معلوما للجميع أن الخطوة التالية المباشرة للتتار هي احتلال مصر.

وهذا أمر لا يحتاج إلى كبير ذكاء!!.. فالمتتبع لخط سير التتار سيدرك على وجه اليقين أن مصر ستكون هدفاً رئيسياً لهم، وذلك لعدة أسباب منها:

ـ أولاً: سياسة التتار التوسعية واضحة، وهم لا ينتهون من بلد إلا ويبحثون عن الذي يليه، ومصر هي التي تلي فلسطين مباشرة..

ـ ثانياً: لم يبقَ في العالم الإسلامي بأسره قوة تستطيع أن تهدد أمن التتار إلا مصر، فقد سقطت كل الممالك والحصون والمدن الإسلامية تقريباً، وبقيت هذه المحطة الأخيرة..

ـ ثالثاً: مصر ذات موقع استراتيجي في غاية الأهمية، فهي تتوسط العالم القديم، وخطوط التجارة عبر مصر لا تخفى على أحد..

ـ رابعاً: مصر بوابة أفريقيا، ولو سقطت مصر لفتح التتار شمال أفريقيا بكامله، وشمال أفريقيا لم يكن يمثل أي قوة في ذلك الوقت، لأن وصول التتار إلى الشام كان متزامناً مع سقوط دولة الموحدين بالمغرب سقوطاً كاملاً، وتفكك الشمال الأفريقي المسلم إلى ممالك متعددة صغيرة، ولو سقطت مصر فلا شك أن كل هذه الممالك ستسقط بأقل مجهود..

ـ خامساً: الكثافة السكانية الكبيرة في مصر، فقد كان سكانها يبلغون أضعاف سكان المناطق الإسلامية الأخرى..

ـ سادساً: الحمية الدينية والصحوة الإسلامية عند أهل مصر عالية.. بل عالية جداً.. ويخشى التتار أنه لو تولى أحد الصالحين المجاهدين قيادة هذا البلد كثيف العدد، شديد الحمية، المحب للإسلام، والغيور على حرمات الدين، أن تتغير الأوضاع، وتتبدل الأحوال، ويهتز وضع التتار في المنطقة بأسرها..

لهذه الأسباب ـ وقد يكون لغيرها أيضاً ـ كان التتار يعدون العدة للانتقال من فلسطين إلى مصر، ومع متابعة سرعة انتقال التتار من بلد إلى بلد، فإن المراقبين للأحداث لابد أن يدركوا أن تحرك التتار إلى مصر سيكون قريباً، بل قريباً جداً، حتى لا يعطي التتار الفرصة لمصر للتجهز للحرب الحتمية القادمة..


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 24 Sep 2012, 01:07 PM [ 67 ]


تاريخ التسجيل : Dec 2010
رقم العضوية : 34238
الإقامة : saudi arabia
الهواية : التمرد ... & ... التناحة
مواضيع : 743
الردود : 18700
مجموع المشاركات : 19,443
معدل التقييم : 2011شيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond repute

شيهانة المرقاب غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 12
المشاركة في الاحتفالية السنوية

يوميات الأعضاء

المشرفة المتميزة

المشرفة المميزة

دقة الملاحظة

وسام المسابقات والفعاليات

المشاركة في احتفال المنتدى

وسام أفضل تقديم للسفرة

وسام المسابقات والفعاليات

العضو المميز


رد: الدولة العباسية


الدولة الأيوبية :
لقد أسس البطل الإسلامي العظيم صلاح الدين الأيوبي دولة الأيوبيين في سنة 569 هـ وظل يحكم هذه الدولة عشرين سنة إلى إلى سنة 589 هـ , ووحد في هذه الفترة مصر والشام , وتزعم الجهاد ضد الممالك الصليبية باقتدار , وحقق عليهم انتصارات هائلة , والتى من أشهرها موقعة حطين الخالدة في ربيع الثاني سنة 583 هـ , وفتح بيت المقدس بعد حطين بثلاثة شهور فقط في رجب من السنة نفسها , وترك صلاح الدين الأيوبي –رحمه الله – دولة قوية عظيمة تبسط سيطرتها على مصر والشام والحجاز و اليمن وأعالي العراق , وأجزاء من تركيا وأجزاء من ليبيا والنوبة, وحصر الصليبيين في ساحل ضيق على البحر المتوسط في الشام.

لكن سبحان الله بوفاة صلاح الدين –رحمه الله – تقلص دور الجهاد ضد الصليبيين , وفُتِنَ المسلمون بالدولة الكبيرة ,وكثرت الأموال , وانفتحت الدنيا , واتسعت البلاد ,وكان من جرَّاء هذه العوامل وغيرها أن حدثت انقسامات شديدة في الدولة الأيوبية ,وتفككت بعد وفاة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله.

واستمر الصراع بين أمراء الأيوبيين نحو ستين سنةً متصلةً منذ موت صلاح الدين الأيوبي في سنة 589 هـ , وإلى انتهاء الدولة الأيوبية في سنة 648 هـ , ولم يكن هذا الصراع صراع كلام وسباب وشقاق فقط , بل كان يصل إلى حدِّ التقاتل بالسيوف و إراقة الدماء المسلمة , وأدَّى ذلك بالطبع إلى الفُرْقَةِ الشديدة , والتشرذم المقيت بل كان يصل الخلاف وانعدام الرؤية أحيانا إلى درجة التعاون مع الصليبيين ضد المسلمين !! أو التعاون مع التتار ضد المسلمين !! وكل هذا من جرَّاء الوقوع تحت فتنة الدنيا الرهيبة التي طالما حذَّر منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم –

روى ابن ماجة والطبراني وابن حبان بإسناد صحيح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه – قال: قال رسول الله –صلَّى الله عليه وسلم -:" من كانت الدنيا همَّه فرَّق اللهُ عليه أمره , وجعل فقره بين عينيه , ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له , ومن كانت الآخرة نيته جمع اللهُ له في أمره , وجعل غناه في قلبه , وأتته الدنيا وهي راغمة "

لقد جعل صلاح الدين الأيوبي –رحمه الله – الجهاد نُصْبَ عينيه, وجعل له هدفا واحدا هو قتال الصلييبين , وإعلاء كلمة الدين فجمع الله عليه أمره , وجعل غناه في قلبه , وأتته الدنيا – فعلا – وهي راغمة.

أما معظم السلاطين الذين جاءوا من بعده فقد جعلوا الدنيا أكبر همهم , فتفرق عليهم الأمر تماما , فما عادوا يدركون الصواب من الخطأ , ولا الحقَّ من الباطل , فتارةً مع المسلمين وتارةً مع الصليبيين , وتارةً مع التتار , فجعل الله – عز وجل- فقرهم بين أعينهم , فمنهم من مات ذليلا ,ومنهم من مات فقيرا , ومنهم من مات طريدا , ومنهم من مات حبيسا.



الأعلى رد مع اقتباس
قديم 24 Sep 2012, 01:08 PM [ 68 ]


تاريخ التسجيل : Dec 2010
رقم العضوية : 34238
الإقامة : saudi arabia
الهواية : التمرد ... & ... التناحة
مواضيع : 743
الردود : 18700
مجموع المشاركات : 19,443
معدل التقييم : 2011شيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond repute

شيهانة المرقاب غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 12
المشاركة في الاحتفالية السنوية

يوميات الأعضاء

المشرفة المتميزة

المشرفة المميزة

دقة الملاحظة

وسام المسابقات والفعاليات

المشاركة في احتفال المنتدى

وسام أفضل تقديم للسفرة

وسام المسابقات والفعاليات

العضو المميز


رد: الدولة العباسية


الملك الصالح نجم الدين أيوب:

يُعَدُّ الملك الصالح نجم الدين أيوب الذي تولى عرش مصر سنة 637 هـ من أفضل السلاطين الأيوبيين بعد صلاح الدين ,

وللأسف فإن كثيرًا من المسلمين لا يعرفون شيئا عن هذا السلطان العظيم حتى في مصر , والتى كانت مقر حكمه الرئيسي.

فبعد أن تولى حكم مصر سنة 637 هـ , وكالعادة الجارية في تلك الأيام استعد الأمراء الأيوبيون في الشام للقتال معه على خلافة مصر , وحدثت بينهم حروب ومناوشات , ووصل الأمر إلى مداه في سنة 641 هـ , عندما توحدت قوى الأيوبيين المتناثرة في الشام , وتحالفت مع الصليبيين لحرب الملك الصالح أيوب وذلك في مقابل أن يتنازل أمراء الشام الأيوبيون عن بيت المقدس للصليبيين.. !!.

وبعد أن توحدت قوى أمراء الشام الأيوبيين مع الصليبيين في جيش كبير , وبدأ الزحف في اتجاه مصر , أعدَّ الملك الصالح جيشه , ووضع على قيادته أكفأ قادته وهو ركن الدين بيبرس واستعد للمواجهة , وكان الجيش المصري قليلا وضعيفا إذا قورن بالأعداد الكبيرة لجيوش الشام و الصليبيين , ولذلك استعان الملك الصالح بالجنود الخوارزمية الذين كانوا قد فرُّوا من قبل من منطقة خوارزم بعد الاجتياح التتري لها.

وكان هؤلاء الجنود الخوارزمية جنودا مرتزقة بمعنى أنهم يتعاونون مع من يدفع أكثر , ويعرضون خدماتهم العسكرية في مقابل المال , فاستعان بهم الملك الصالح أيوب بالأجرة , ودارت موقعة كبيرة بين جيش الملك الصالح أيوب وبين قوى التحالف الأيوبية الصليبية , وعرفت هذه الموقعة باسم موقعة غزة في سنة 642 هـ , وقد وقعت بالقرب من مدينة غزة الفلسطينية – نسأل الله – عز وجل – أن يحررها , وأن يحرر فلسطين كلها إن شاء الله – وانتصر فيها الملك الصالح انتصارا باهرا, وقتل من الصليبيين أعدادا كبيرة وصلت إلى ثلاثين ألف مقاتل , وأُسِرَتْ مجموعةٌ كبيرةٌ من أمرائهم وملوكهم ؛ وكذلك أسرت مجموعة من أمراء الأيوبيين , واستغل الصالح أيوب الفرصة و اتجه إلى بيت المقدس الذي كان الأيوبيون في الشام قد تنازلوا عنه للصليبيين , فاقتحم حصون الصليبيين , وحرَّر المدينة المباركة بجيشه المدعَّم بالخوارزمية في سنة 643 هـ , وبذلك حرر بيت المقدس نهائيا , ولم يستطيع جيشه نصراني أن يدخله أبدا لمدة سبعة قرون كاملة , إلى أن دخلته الجيوش البريطانية في الحرب العالمية الأولى في يوم 16 نوفمبر سنة 1917 م , وذلك بالخيانة المعروفة لمصطفى كمال أتاتورك نسأل الله أن يعيد الأقصى من جديد إلى الإسلام والمسلمين.

ثم إن الملك الصالح أيوب أكمل طريقه في اتجاه الشمال , ودخل دمشق , وَوَحَّد مصر والشام من جديد , بل اتجه إلى تحرير بعض المدن الإسلامية الواقعة تحت السيطرة الصليبية , فحرَّر بالفعل طبرية وعسقلان وغيرهما.

غير أنه حدث تطورٌ خطيرٌ جدًّا في جيش الصالح أيوب –رحمه الله- حيث انشقت عن جيشه فرقة الخوارزمية المأجورة..! ! وذلك بعد ان استمالها أحد الأمراء الأيوبيين بالشام مقابل دفع مال أكثر من الذي يدفعه لهم الصالح أيوب , ولم تكتف هذه الفرقة بالخروج بل حاربت الصالح أيوب نفسه , ولم يثبت معه في هذه الحرب إلا جيشه الأساسي الذي أتى به من مصر , وعلى رأسه قائده المحنك ركن الدين بيبرس.

وخرج الصالح أيوب من هذه الحرب المؤسفة وقد أدرك أنه لابد أن يعتمد على الجيش الذي يدين له بالولاء لشخصه لا لماله.. فبدأ في الاعتماد على طائفة جديد من الجنود بدلا من الخوارزمية وكانت هذه الطائفة هي: "المماليك "



الأعلى رد مع اقتباس
قديم 24 Sep 2012, 01:09 PM [ 69 ]


تاريخ التسجيل : Dec 2010
رقم العضوية : 34238
الإقامة : saudi arabia
الهواية : التمرد ... & ... التناحة
مواضيع : 743
الردود : 18700
مجموع المشاركات : 19,443
معدل التقييم : 2011شيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond repute

شيهانة المرقاب غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 12
المشاركة في الاحتفالية السنوية

يوميات الأعضاء

المشرفة المتميزة

المشرفة المميزة

دقة الملاحظة

وسام المسابقات والفعاليات

المشاركة في احتفال المنتدى

وسام أفضل تقديم للسفرة

وسام المسابقات والفعاليات

العضو المميز


رد: الدولة العباسية


من هم المماليك :
المماليك في اللغة العربية هم العبيد أو الرقيق , وبخاصة هم الذين سُبُوا ولم يُسْبَ آباؤُهم ولا أمهاتهم , ومفرد المماليك مملوك وهو العبد الذي يُباع ويُشترَى.. (العبد الذي سُبيَ أبواه يُعرَف بالعبد القن وليس المملوك)

وقد كان أمراء الدولة الأيوبية بوجه خاص يعتمدون على المماليك الذين يمتلكونهم في تدعيم قوتهم , ويستخدمونهم في حروبهم ,لكن كانت أعدادهم محدودة إلى حدٍّ ما , إلى أن جاء الملك الصالح أيوب , وحدثت فتنة خروج الخوارزمية من جيشه , فاضْطُرَّ –رحمه الله – إلى الإكثار من المماليك , حتى يقود جيشه ويعتمد عليهم , وبذلك تزايدت أعداد المماليك جدا.


مصادر المماليك:

كان المصدر الرئيسي للمماليك إما بالأسر في الحروب , أو الشراء من أسواق النخاسة.. ومن أكثر المناطق التى كان يجلب منها المماليك بلاد ما وراء النهر , والنهر المقصود هو نهر جيحون, وهو الذي يجرى شمال تركمانستان وأفغانستان , ويفصل بينهما وبين أوزبكستان وطاجيكستان , و كانت الأعراق التي تعيش خلف هذا النهر أعراق تركية في الأغلب, وكانت هذه المناطق مسرحا دائما للقتال وعدم الاستقرار , ولذلك كَثُرَ الأسرى القادمون من هذه المناطق , وكثرت أسواق الرقيق هناك , ومن أشهر مدن الرقيق في ذلك الوقت كانت " سمرقند" و"فرغانة " و"خوارزم" وغيرها.. لذلك كان الأصل التركي هو الغالب على المماليك , وإن كان لا يمنع أن هناك مماليك من أصول أرمينية , ومن أصول مغولية , كما كان هناك مماليك من أصول أوروبية , وكان هؤلاء الأوربيون يُعرَفون بالصقالبة وكانوا يستقدمون من شرق أوروبا بوجه خاص.

كل هذا كان يحدث على مدار عشرات أو مئات السنين, ولكن الأمر الذي استحدثه الملك الصالح أيوب – وتبعه بعد ذلك سلاطين دولة المماليك – أنه كان لا يأتي إلا بالمماليك الصغار في السن , أي في مرحلة الطفولة المبكرة , وكان غالبهم من بلاد غير مسلمة , وإن كان يحدث أحيانا أن يؤسر بعض الأطفال المسلمين غير الناطقين بالعربية , فلا يُعرَفون ولا يُعرَف أصلُهم أو دينهم , فيعاملون معاملة الرقيق.


تربية المماليك:

وكان الصالح أيوب ـ ومن تبعه من الأمراء ـ لا يتعاملون مع المماليك كرقيق.. بل على العكس من ذلك تماماً.. فقد كانوا يقربونهم جداً منهم لدرجة تكاد تقترب من درجة أبنائهم.. ولم تكن الرابطة التي تربط بين المالك والمملوك هي رابطة السيد والعبد أبداً، بل رابطة المعلم والتلميذ، أو رابطة الأب والابن، أو رابطة كبير العائلة وأبناء عائلته.. وهذه كلها روابط تعتمد على الحب في الأساس، لا على القهر أو المادة.. حتى إنهم كانوا يطلقون على السيد الذي يشتريهم لقب "الأستاذ" وليس لقب "السيد"..

ويشرح لنا المقريزي رحمه الله كيف كان يتربى المملوك الصغير الذي يُشتَرى وهو ما زال في طفولته المبكرة، فيقول:

"إن أولى المراحل في حياة المملوك هي أن يتعلم اللغة العربية قراءة وكتابة، ثم بعد ذلك يُدفَع إلى من يعلمه القرآن الكريم، ثم يبدأ في تعلم مباديء الفقه الإسلامي، وآداب الشريعة الإسلامية.. ويُهتم جداً بتدريبه على الصلاة، وكذلك على الأذكار النبوية، ويُراقَب المملوك مراقبة شديدة من مؤدبيه ومعلميه، فإذا ارتكب خطأً يمس الآداب الإسلامية نُبِّهَ[ إلى ذلك، ثم عوقب"..

لهذه التربية المتميزة كان أطفال المماليك ينشأون عادة وهم يعظمون أمر الدين الإسلامي تعظيمًا شديدًا، وتتكون لديهم خلفية واسعة عن الفقه الإسلامي، وتظل مكانة العلم والعلماء عالية جداً جداً عند المماليك طيلة حياتهم، وهذا ما يفسر النهضة العلمية الراقية التي حدثت في زمان المماليك، وكيف كانوا يقدرون العلماء حتى ولو خالفوهم في الرأي.. ولذلك ظهر في زمان دولة المماليك الكثير من علماء المسلمين الأفذاذ من أمثال: العز بن عبد السلام والنووي وابن تيمية وابن قيم الجوزية وابن حجر العسقلاني وابن كثير والمقريزي وابن جماعة وابن قدامة المقدسي رحمهم الله جميعاً، وظهرت أيضاً غيرهم أعداد هائلة من العلماء يصعب جداً حصرُهم..

ثم إذا وصل المملوك بعد ذلك إلى سن البلوغ جاء معلمو الفروسية ومدربو القتال فيعلمونهم فنون الحرب والقتال وركوب الخيل والرمي بالسهام والضرب بالسيوف، حتى يصلوا إلى مستويات عالية من المهارة القتالية، والقوة البدنية، والقدرة على تحمل المشاق والصعاب..

ثم يتدربون بعد ذلك على أمور القيادة والإدارة ووضع الخطط الحربية، وحل المشكلات العسكرية، والتصرف في الأمور الصعبة، فينشأ المملوك وهو متفوق تماماً في المجال العسكري والإداري، وذلك بالإضافة إلى حمية دينية كبيرة، وغيرة إسلامية واضحة.. وهذا كله - بلا شك - كان يثبت أقدام المماليك تماماً في أرض القتال..

وكل ما سبق يشير إلى دور من أعظم أدوار المربين والآباء والدعاة، وهو الاهتمام الدقيق بالنشءِ الصغير، فهو عادة ما يكون سهل التشكيل، ليس في عقله أفكار منحرفة، ولا عقائد فاسدة، كما أنه يتمتع بالحمية والقوة والنشاط، وكل ذلك يؤهله لتأدية الواجبات الصعبة والمهام الضخمة على أفضل ما يكون الأداء..


وفي كل هذه المراحل من التربية كان السيد الذي اشتراهم يتابع كل هذه الخطوات بدقة، بل أحياناً كان السلطان الصالح أيوب - رحمه الله - يطمئنُّ بنفسه على طعامهم وشرابهم وراحتهم، وكان كثيراً ما يجلس للأكل معهم، ويكثر من التبسط إليهم، وكان المماليك يحبونه حباً كبيراً حقيقياً، ويدينون له بالولاء التام..

وهكذا دائماً.. إذا كان القائد يخالط شعبه، ويشعر بهم، ويفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم، ويتألم لألمهم، فإنهم -ولاشك - يحبونه ويعظمونه، ولا شك أيضاً أنهم يثقون به، وإذا أمرهم بجهاد استجابوا سريعاً، وإذا كلفهم أمراً تسابقوا لتنفيذه، وبذلوا أرواحهم لتحقيقه.. أما إذا كان القائد في حالة انفصال عن شعبه، وكان يعيش حياته المترفة بعيداً عن رعيته.. يتمتع بكل ملذات الحياة وهم في كدحهم يعانون ويتألمون، فإنهم لا يشعرون ناحيته بأي انتماء.. بل إنهم قد يفقدون الانتماء إلى أوطانهم نفسها.. ويصبح الإصلاح والبناء في هذه الحالة ضرباً من المستحيل..


وكان المملوك إذا أظهر نبوغاً عسكرياً ودينياً فإنه يترقى في المناصب من رتبة إلى رتبة، فيصبح هو قائداً لغيره من المماليك، ثم إذا نبغ أكثر أُعطِي بعض الإقطاعات في الدولة فيمتلكها، فتدر عليه أرباحاً وفيرة، وقد يُعطَى إقطاعاتٍ كبيرة، بل قد يصل إلى درجة أمير، وهم أمراء الأقاليم المختلفة، وأمراء الفرق في الجيش وهكذا..

وكان المماليك في الاسم ينتسبون عادة إلى السيد الذي اشتراهم.. فالمماليك الذين اشتراهم الملك الصالح يعرفون بالصالحية، والذين اشتراهم الملك الكامل يعرفون بالكاملية وهكذا..

وقد زاد عدد المماليك الصالحية، وقوي نفوذهم وشأنهم في عهد الملك الصالح أيوب، حتى بنى لنفسه قصراً على النيل، وبنى للمماليك قلعة إلى جواره تماماً.. وكان القصر والقلعة في منطقة الروضة بالقاهرة، وكان النيل يعرف بالبحر، ولذلك اشتُهِرَت تسمية المماليك الصالحية "بالمماليك البحرية" (لأنهم يسكنون بجوار البحر).

وهكذا وطَّد الملك الصالح أيوب ملكه بالاستعانة بالمماليك الذين وصلوا إلى أرقى المناصب في جيشه وفي دولته، وتولى قيادة الجيش في عهده أحد المماليك البارزين اسمه "فارس الدين أقطاي"، وكان الذي يليه في الدرجة هو ركن الدين بيبرس، فهما بذلك من المماليك البحرية..



الأعلى رد مع اقتباس
قديم 24 Sep 2012, 01:09 PM [ 70 ]


تاريخ التسجيل : Dec 2010
رقم العضوية : 34238
الإقامة : saudi arabia
الهواية : التمرد ... & ... التناحة
مواضيع : 743
الردود : 18700
مجموع المشاركات : 19,443
معدل التقييم : 2011شيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond reputeشيهانة المرقاب has a reputation beyond repute

شيهانة المرقاب غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 12
المشاركة في الاحتفالية السنوية

يوميات الأعضاء

المشرفة المتميزة

المشرفة المميزة

دقة الملاحظة

وسام المسابقات والفعاليات

المشاركة في احتفال المنتدى

وسام أفضل تقديم للسفرة

وسام المسابقات والفعاليات

العضو المميز


رد: الدولة العباسية



حملة لويس التاسع :
في سنة 647 هـ مرض " الملك الصالح " مرضا شديدا وكان مصابا بمرض السل , وبالإضافة إلى كبر سنه فإن هذا جعله طريح الفراش فى القاهرة , وفي هذه الأثناء وقبلها كان ملك فرنسا "لويس التاسع " يريد أن يستغل فرصة الاجتياح التتري لشرق العالم الإسلامي , فيقوم هو باجتياح العالم الإسلامي من ناحية مصر والشام.

ووقع اختياره على مدينة دمياط المصرية ليبدأ بها حملته؛ لأنها كانت أهم ميناء في الحوض الشرقي للبحر المتوسط في ذلك الزمن , وبذلك بدأت الحملة التى تعرف فى التاريخ بالحملة الصليبية السابعة.

نزل الملك " لويس التاسع " بجيشه إلى دمياط في يوم 20 من صفر سنة 647 هـ , وللأسف الشديد ظنت الحامية المدافعة عن المدينة أن سلطانهم المريض الملك الصالح أيوب قد مات , فانسحبوا انسحابا غير مبرر , ووقعت دمياط في أيدي الصليبيين بسهولة.

علم بذلك الملك الصالح – رحمه الله – فاشتد حزنه, وعاقب المسئولين عن جريمة سقوط دمياط , وتوقع أن النصارى الصليبيين سيتجهون إلى القاهرة عبر النيل لغزو العاصمة ؛ لذلك فقد قرر بحكمته أن يرتب اللقاء في الطريق بين القاهرة ودمياط , واختار لذلك مدينة المنصورة.

وبالفعل أمر الملك الصالح –رحمه الله – بأن يُحْمَل إلى مدينة المنصورة , فحُمل إليها رغم مرضه الشديد , وبدأ فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس يضعان الخطة المناسبة للقاء النصارى في المنصورة.



الأعلى رد مع اقتباس
إضافة رد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع

11:07 AM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com