وهي من ربات الشجاعة والفروسية ، خرجت مع أخيها ضرار بن الأزور إلى الشام وأظهرت في المواقع التي دارت
رحاها بين المُسلمين الروم بسالة فائقة خلد التاريخ اسمها في سجل الأبطال البواسل، فأسر أخوها ضرار في إحدى
الموقعات فحزنت لأسره حُزناً شديداً.
ألا مُخـبـر بـعـــد الــفراق يخبرنـــا ● ● ●فِمن ذا الذي يا قوم أشغــلكم عنا
فـلو كُـنــت أدري أنـه آخــر اللقـــا ● ● ●لكـُـنا وقفنــا للــوداع وودعنــــا
ألا يا غُـراب البـيـن هـل أنت مُخـبري ● ● ● فَهـل بقــدوم الغائــبين تُبشرنـــا
لقــد كـانـت الأيـام تزهــو لقربــهم ● ● ● وكُنا بِهــم نزهو وكانوا كما كُنا
ألا قاتـل الله الـنـــوى مــا أمــرّه ● ● ●وأقبــحه ماذا يُريــد الـنوى مــنا
ذكــرت لـيلـي الجـمــع كـنا سـويـة ● ● ● ففـرقنا ريــب الزمـان وشتتــــنا
لئــن رجعوا يـومـاً إلـى دار عـزهــم ● ● ● لثمنــا خفافــاً للمطــايـا وقبلنــــا
ولـم أنـس إذ قــالوا ضـرار مقيــد ● ● ● تركنـاه فــي دار العــدو ويممــنا
فمـا هـذه الأيـام إلاّ مـعـارة ● ● ●وما نحن إلاّ بمـثل لفظ بلا معنى
أرى القلب لا يختار في الناس غيرهم ● ● ●إذا ما ذكرهم ذاكر قلبي المضنى
سلام على الأحباب في كل ساعـــة ● ● ●وإن بعدوا عنا وإن منعوا منـــــا
وقالت أيضاً :
أبعد أخي تلذ الغمض عينــي ● ● ● فكيف ينام مقروح الجفــــون
سأبكي ما حييت على شقيـق ● ● ● أعز علي من عيني اليميــــن
فلو أني لحقت به قتيــــلاً ● ● ● لهان عليّ إذ هو غير. هــــون
وكنت إلى السلو أرى طريقا ● ● ●وأعلق منه بالحبل المتــــــين
وإنا معشر من مات منــــاً ● ● ● فليس يموت موت المستكيـن
وإنـي إن يقـال مضى ضرار ● ● ●لبـاكـية بـمـنـسـجم هــتون
وقالـوا لـم بكـاك فقـلت مهلاً ● ● ●أما أبكي وقد قطعو ا وتيني
ومن موقعاتها( في أجنادين وهي قرية تقع شرقي القدس في فلسطين ) أن خالد بن الوليد نظر إلى فارس طويل وهو
لا يبين منه إلا الحدق والفروسية ، تلوح من شمائله، وعليه ثياب سود وقد تظاهر بها من فوق لامته ، وقد حزم وسطه
بعمامة خضراء وسحبها على صدره، وقد سبق أمام الناس كأنه نار. فقال خالد: ليت شعري من هذا الفارس؟ وأيم الله إنه
لفارس شجاع. ثم لحقه والناس وكان هذا الفارس أسبق إلى المُشركين .فحمل على عساكر الروم كأنه النار المُحرقة،
فزعزع كتائبهم وحطم مواكبهم ثم غاب في وسطهم فما كانت إلا جولة الجائل حتى خرج وسنانه ملطخ بالدماء من الروم
وقد قتل رجالاً وجندل أبطالاً وقد عرّض نفسه للهلاك ثم اخترق القوم غير مُكترث بهم ولا خائف وعطف على كراديس الروم.
فقلق عليه المُسلمون وقال رافع بن عميرة: ليس هذا الفارس إلاّ خالد بن الوليد ، ثم أشرف عليهم خالد ،
فقال رافع : من الفارس الذي تقدم أمامك فلقد بذل نفسه ومهجته ؟ ،فقال خالد: والله أنني أشد إنكاراً منكم له، ولقد أعجبني ما ظهر منه
ومن شمائله، فقال رافع : أيها الأمير إنه منغمس في عسكر الروم يطعن يميناً وشمالاً ، فقال خالد: معاشر المسلمين احملوا بأجمعكم وساعدوا
المحامي عن دين الله، فأطلقوا الأعنة وقوموا الأسنة والتصق بعضهم ببعض وخالد أمامهم ونظر إلى الفارس فوجده كأنه شعلة من نار والخيل
في إثره، وكلما لحقت به الروم لوى عليهم وجندل فحمل خالد ومن معه ، ووصل الفارس المذكور إلى جيش المسلمين ، فتأملوه فرأوه وقد تخضب
بالدماء، فصاح خالد والمسلمون: لله درك من فارس .. بذل مهجته في سبيل الله وأظهر شجاعته على الأعداء .. اكشف لنا عن لثامك، فمال عنهم ولم
يخاطبهم وانغمس في الروم ، فتصايحت به الروم من كل جانب وكذلك المسلمون وقالوا: أيها الرجل الكريم أميرك يخاطبك وأنت تعرض عنه، اكشف
عن اسمك وحسبك لتزداد تعظيماً . فلم يرد عليهم جواباً ، فلما بعد عن خالد سار إليه بنفسه وقال له: ويحك لقد شغلت قلوب الناس وقلبي بفعلك ، من أنت ؟
فلما ألح خالد خاطبه الفارس من تحت لثامه بلسان التأنيث وقال: إنني يا أمير لم أعرض عنك إلاّ حياءً منك لأنك أمير جليل وأنا من ذوات الخدور وبنات الستور،
فقال لها: من أنت ؟ فقالت: خولة بنت الأزور وإني كنت مع بنات العرب وقد أتاني الساعي بأن ضراراً أسير فركبت وفعلت ما فعلت، قال خالد: نحمل بأجمعنا
ونرجوا من الله أن نصل إلى أخيك فنفكه.
قال عامر بن الطفيل: كنت عن يمين خالد بن الوليد حين حملوا وحملت خولة أمامه وحمل المسلمون
وعظم على الروم ما نزل بهم من خولة بنت الأزور ،
وقالوا: إن كان القوم كلهم مثل هذا الفارس فما لنا بهم طاقة.
وجعلت خولة تجول يميناً وشمالاً وهي لا تطلب إلاّ أخاها وهي لا ترى له أثراً، ولا وقفت له على
خبر إلى وقت الظهر. وافترق القوم بعضهم عن بعض
وقد أظهر الله المسلمين على أعدائهم وقتلوا منهم عدداً عظيماً.
في هذه السيرة البطولية عرضت نماذج مشهورة ومذكورة في الكتب عن خولة بنت الأزور
وكيف شاركت في المعارك الإسلامية الكبيرة في فتوح بلاد الشام .والحقيقة تقال أن المعلومات المتوفرة عنها قليلة
ولعل السبب واضح ،حيث عاشت مثل غيرها من بنات البادية العربية
عيشة متواضعة وبسيطة لم تتيسر لها وسائل التدوين والتسجيل المتناسق والمتكامل مثلما قد يتيسر
لغيرها من المشاهير.ونخلص من هذا البحث القصير إلى أن خولة بنت الأزورتعد نموذجاً إنسانياً
حضر صولاتها وجولاتها في ميادين الفروسية