..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


العودة   شبكة الشدادين > المنتديات العامة > القسم العام
 
أدوات الموضوع
إضافة رد
  [ 1 ]
قديم 10 Aug 2008, 06:05 PM
مراقب عام

خيال الشدادين غير متصل

مـجـمـوع الأوسـمـة : 9
المشاركة في الاحتفالية السنوية

المشاركة في احتفالية العام التاسع

المراقب المتميز

الإداري المميز

عضو مخلص

الاحتفال بالعام السابع

العضو المميز

المشرف المميز

الحضور المميز


تاريخ التسجيل : Nov 2007
رقم العضوية : 4435
الإقامة : saudi arabia
الهواية : المقناص + الرياضة + الكمبيوتر
المشاركات : 18,558
معدل التقييم : 923
الملف الشخصي للكاتب
إضافة تقييم
الرد على الموضوع
ارسال الموضوع لصديق
طباعه الموضوع
تبليغ عن الموضوع
رسالة من قِـط ْعراقي .........منقول



رسالة من قِـط ْعراقي
( 1 )
كتب القط { سُنبل } الذي لقب نفسه بالناجي بعد انقلاب 9 نيسان رسالة الى عمه فهلوان الذي ترك العراق من أعوام وأعوام .
ميو عليكم ورحمة الله وبركاته
ميو ميو .. آهٍ يا عم ميو ميو
أما بعد فأكتب اليك بعد ما آن الأوان وأنزاح ذاك الطغيان لأحكي لك عمّا جرى عمّا كان . أذكر كيف تركتنا ولم نزل قططا ً صغار بالكاد نبصر النور في دهليزٍ تحت الحمام ، وقتها قررتَ السفر وتنبأت بالخطر وهممت بالرحيل على ظهر شاحنة لحمل القمامة متخفيا ً كأنك تمثال مع كوكبة من قطط العراق ، عاد والداي ليلا ً أبي غضبان وأمي منهكة من البكاء على فراقك فقد كانت ميالة نحوك في مراهقتها ! فتنها ذيلك المنتصب وشاربيك الدقيقين وقفزاتك الرشيقة من برميل زبالة الى آخر ، لكن في شباط الشؤم ووقت الشبق جاءت تلك الأحداث المؤلمة التي فرقت بين القط والقطة ومن دهليز الى خرابة الى برميل حالت الظروف دون لمّ شملكما فاضطرت مرغمة أمي بالارتباط بوالدي زوربا خوفا ً من الضياع أو الالتحاق بمعسكرات البعث ! كانت تحكي حكايتها لنا كل ليلة قبل نومنا حتى حفظناها صما ً .
مرت الأعوام وجاءت سنوات الحرب وحكم الجلاد وصرنا نتحول من مكان الى مكان هاجرين دهليزنا الأول مرتع صبانا ، ولكم اشتقنا الى تلك الأصوات التي كنا نسمعها من الحمام من شعارات ضد الطاغية وأغنيات معادة وفي بعض الليالي كان زوربا الأب يأمرنا بالنوم باكرا ً ليستلقي منتعشا ً يسمع من فوق ما لا يريد أن نسمعه !
استقر بنا الحال يا عماه بعد التنقلات والتسفيرات في تنور مهجور هجرته العائلة لندرة الحطب وغلاء قناني الغاز أو لسبب آخر قد نجهله ، كان مكاناً ساحرا ً ورائحة الخبز أزكمت أنوفنا السوداء . كنا دوما ً نتساءل تُرى لم هجروا هذا المعبد ؟ أهو رحمة بنا ؟ فهل تـُنكب فئة لتعيش أخرى ؟
بدأت أمي تعطينا أول دروسها في كيفية الاختباء والقنص وتجنب الحجارة والنعال ! نعم يا عم صار الناس يحاربونا في قوتنا بل صار بعضهم يتسلى بقتلنا وتعذيبنا { ميو ميو عم ميو ميو } بدأ العنف يدب الى النفوس وصارت عمليات اغتيال القطط وبطرق وحشية متنفسا ً للناس من وجعهم المكتوم الممنوع من الإباحة ! في ليلة واحدة من ليالي بغداد قام مراهق نزق بقتل ثلاثة عتاوي من خيرة شبابنا بعدما حاصرهم في برميل وأدخل النار عليهم !!! فاستشهدوا خنقا ً حرقا ً في واحدة من التجاوزات الخطيرة المهددة لبقاء نوعنا !
ثم ما ذا يا عم ؟ خفت مطاعمنا وقلت سرقاتنا إذ صار الناس يطبخون حتى أحشاء الدجاج وبقايا بقايا الخراف ! كانت أشد معاناتنا ونحن نقف على سياج أحدهم وقد شرع في ذبيحة يقطعها أوصالا ً ويلملم ما يقع على الأرض خشية أن ننال منه في تراجيديا من العذاب والبؤس والحرمان { كل هذا اللحم !!! يا للبشر } أما في الأحياء الفقيرة والمناطق التي سُحقت بالإرهاب والجوع والخوف فكان مرورنا بها ضربا ً من المستحيل كأننا نمر بالمعركة فالكل هناك يضرب من عجوز مقوسة الى شيخ بعصاه الى أطفال ٍ بلا منازل !
ضاقت بنا الحياة وأخواتي مللن الفقر وقد تخصرت بطونهن وذبلت وجناتهن ولا خطيب يدق الباب عليهن ، أبي كان يرجع كل ليلة خالي الوفاض إلا ّ من عظام يدعي أننا لا نرى بقايا اللحم عليها في ظلمة التنور ! وذات ليلة تأخر والدي زوربا عن موعده فقد خرج من الظهيرة عازما ً على أن يُعشينا من أدسم الطعام وإن كلفه ذلك حياته !
ظلت أمنا ترّوح عنا بقصصها المملة وذكرياتها مع الفئران والأسماك وبقايا الطعام ... حتى اخترق صوت والدي مسامعنا بعد نصف الليل وهو يصرخ ويئنّ ويطلب المساعدة !!! أصيب زوربا بصميم كرامته حين دخل علينا مذهولا ً يرتعد ويدور على نفسه فقد قطعوا ... ذيله ... قطعته الأيادي الباغية ! كان يصرخ نحو السماء : ميو ميو أويلي ميو ميو قطعوا ذيلي ... ميو ميو على الدنيا بعد ذيلي السلام
تغيرت ملامح والدي بعد أن نتفت شواربه وتورمت أذناه وهو يدور على نفسه ليلحس جرحه كالمجنون ، لقد تحول والدي للأسف الى أرنب ! وقصته حكاها بعدما استقرت حالته وتناول رأس سمكة كانت أمي أخفتها في خزانتها لساعة العسر !
كان والدي قد شخص القصاب في نهاية الزقاق وما بمحله من معاليق للخراف من عشرة أيام يتربص ويتخفى ويضع خطته للنيل منه ! خطته تقتضي أن يخترق المحل من الباب الجانبي حيث يكون القصاب مشغولا ً بنقل الأشلاء الى البراد ثم يدخل ويقفز الى الخشبة العظيمة ومنها الى المعلاق ، وكان له ما أراد لكن ما لم يكن في الحسبان هو سطح الخشبة الذي كان مشبعا ً بالدهن فانزلق المسكين منها ! هوى الى كفة الميزان وصراخه أفزع القصاب { نيــــــو ........ نيـــــــو } من هول الصدمة نسي والدي صوته الأصلي ميو ميو ! ومن الكفة النازلة بسرعة الى فتحة بجنب البراد لينتظر الأقدار ! يقول والدي أغلق القصاب الباب بعدما نادى على ثلاثة من الشباب ! وأخبرهم بوجودي قرب البراد .... ميو ميو آه ٍ ميو ميو ! اقترب أولهم وخلع نعله المُعاد وهو يصرخ { وينه وينه ؟ } وتناولوني بنعالهم ورفسهم وجعصهم ! لقد ضربت أطنانا ً من الضربات حتى كادت أرواحي التي بين جنباتي تخرج لولا خروج أحدهم أبصرت بالكاد فتحة الباب لملمت نفسي وقررت الخروج وإلا ّ فأنا والموت ، خطوة ونعال !خطوة أخرى نعال آخر ! تناول القصاب طبرا ً من خاصرته ، نصف جسمي كان في الخارج أنه الفرج ... لكنه رمى وشلت يمينه مما رمى { روبن هود خوما روبن هود }نعم أحسست بلسعة خلفي وألم سرى من ذيلي الى ظهري الى رأسي ! صرخت عاليا ً { نيـــــــــو أويلي نيـــــــو } نعم لقد قـُطع ذيلي وفررت مذهولا ً في الأزقة قد تاهت مني الطرقات وتكاثر في رأسي الضجيج ،إن النعال من الأسلحة المحرمة فكيف يضربوننا بها أكمل والدي حكايته بتلك القطط التي مرّ بها وهي تسخر منه ولا تواسيه ! حقا ً يا عم فقد زوربا ذيله ... وفقد هيبته .
وفي الغد سأحاول كتابة رسالة أخرى لأكمل لك بعض بعض ما جرى علينا في غيابك .
وميو عليك ورحمة الله وبركاته
( 2 )
ميو عليك يا عمي وآمل أن تكون قد استلمت رسالتي الأولى حيث أرسلتها لك بالميو الالكتروني من فندق الشيراتون حيث مقر قوات التحالف التي تكن لنا الآن احتراما ً لم نشهده من قبل !
بعد فاجعة والدي وما جرى له مع القصاب اتخذ قرارا ً خطيرا ً وهو فك وتشتيت العائلة ! حيث لم يقدر على تكفلنا ورعايتنا ، وأعطانا فرصة ثلاث أيام كي نختار مخادع أخرى ونتحمل مسؤوليتنا وقد رمى يمين الطلاق على أمي كي يريحها ويريح نفسه ! أصابنا ذهول وانتابنا الخوف من مصير مجهول وعالم يتربص بنا والأمّر من ذلك أنه في تلك الفترة صدر قرار من ما يسمى بـ { مجلس قيادة الثورة } ينص على تصفية قطط وكلاب بغداد حفاظا ً على نظافة العاصمة القط بخمسين فلس والكلب بمئة ! عجيب يا عم من دولة ٌ تسنّ قانون الموت وتشرع الإرهاب وتستأصل مفردات الحياة ! فهل نحن من خرّب جمال العاصمة ؟ أيُ أناس ٍ يحكمون هذا البلد ؟ أم أي مهازل ترتكب باسم الثورة والثوار ؟
كانت الكلاب رغم اختلافنا معها وعداوتنا الأزلية قد قررت أن تتحالف معنا في ذلك الظرف العصيب حيث العدو واحد والجريمة تشمل الجميع وبالفعل فقد تركنا كل خلافاتنا على جنب لنواجه تلك المأساة لنجتاز المحنة ! رأى والدي فرصته في تسليم نفسه لفرق الإعدامات المنتشرة في كل مكان ليتخلص من جحيم عوقه وبالفعل ورغم توسلاتنا وصراخنا قرر تسليم نفسه طوعا ً ! ودّعنا صباحا ً والدموع أنقعت الأرض ، وستظل تلك الأرض أرض التنور تذكر عبراتنا وحزننا ، تبعته بخفيه لأرى كيف يصنع وكيف سيكون حاله ، لم تزل كدماته وأذنه المقلوبة وعرجه في خاطري وهو يقترب من أحدهم ليستسلم وهو يردد تسابيحه ، انتبه الجلاد الى زوربا لكن تجاهله ورفسه ببسطاله! تعجب والدي { ميو نيو يمعود شنو القصة ؟ } دبّ السرور الى صدري فقد عرفت السبب نعم زوربا هو أرنب وليس قط !!! هكذا تصّور الجلاد ولم تمرّ فترة طويلة حتى صاح أحدهم { شيلو ها الأرنب ودوه لحديقة الزوراء !!! } استقر حال زوربا العظيم ذلك القط المهيب مع الأرانب وقد رضي بذلك متخفيا ً يكتم هويته ولعل الله يكتب له فرجا ً بعد حين في مأساة أخرى على معاشر قطط بغداد .
ميو عمي ميو ........ أما حالنا نحن فقد قررت أخواتي نوسة وبوسة وكردوسة أن يصرن من بنات الهوى ويمتهن البغاء ! طلبا ً للقمة العيش أو كنيف يأويهن ولم أكن لأعترض لأني وبصراحة قد شُغلت بنفسي عنهن فخرجن في ليلة ظلماء كل واحدة من زقاق تحت نيران العدو وشبكات حراس الوطن ! ميو يا وطن ! ميو !
لم يبق إلا ّ أنا وأمي فقد خلت الدار من أهلها وراح زمن الخير الى غير رجعة وأمي جالسة مقرفصة على نفسها تغوص في خيال كوني يختزل كل آهاتها وحزن سنيّها وهي تطرق بذيلها الأرض ليطير الرماد المتروك من زمن ! وميو يا زمن يا من حولت القطط الشريفة الى بغايا ترتجف ! ودعتُ أمي والدمع ينزل من عينيها العسليتين وشممت شعرها الناعم لآخر مرة خارجا ً من فتحة التنور الى فضاء بغداد المرعب .
تُرى أي مستقبل رعب ينتظرني وأي قدر لعين يترصد بي ؟ وأنا أشم رائحة الموت في ليل بغداد الحزين وكأن الأرض تحولت الى بحرٍ من الغضب وساعات منع التجول وصفارات حراس سراق الوطن تخترق المسامع ! الساعة تقترب من الفجر أبصرت كلبا ً مقرفصا ً خلف أكوام ٍ من الخشب لفت انتباهي أنينه الرقيق ، لقد أصيب بطلق ناري أسفل فخذه فهرب نازفا ً حتى اختبأ هنا ، أجلسني في حجره وهو يشم شم بي وقدم لي عظمة كانت خلفه لألحس بقايا ما تبقى عليها وأختلط دمعي بريقي من هذه الحال فسبحان مغير الأحوال ! نصحني الكلب بالفرار من بغداد الى الأرياف أو الأهوار حيث طيبة الناس ووفرة الطيور والأسماك ! لكني لا أعرف الطرقات ولا أجيد جري المسافات الطويلة ، هزّ رأسه وقال لا مجال غير الفرار يا قط وأن أدركت ربعي أو وصلت جمعي فبلغهم مني أحر السلام وأجمل العوعوات وقل لهم { أخوكم راح بوله بشط ! }.
ميو يا عم تعبت وسأكمل في رسالة أخرى وميو عليك ورحمة الله وبركاته.
( 3 )
اليوم يا عم سأحاول ختم ميواتي اليك ، ذاك لأن الطريق الى مقر التحالف صار مزعجا ً هذه الأيام من رواده ومملا ً من وجوه بعض الهتافين أمامه بشعارات وطلبات غريبة ، ميو يا عم لا أدري ما ذا تريد الناس ؟ ولا أدري ما أصابهم ؟ ميــــــــــــــو ... المهم :
تركت الكلب وهو يضرب الأخماس بالأسداس راكضا ً نحو المجهول ورائحة البارود تحتضن الأجواء كل الأجواء ! بلد الحروب والمآسي صار هذا البلد ، ومع الوقت تحولنا الى حيوانات نباتية أو نخالية { من أكل النخالة التي هي بقايا الطحين } فتصور المأساة يا عم وأنت ترى قطا ً يعلسُ أوراق الخس أو يعالج تمرة زهدية لا يدري أيأكل النواة أم التمرة ؟ مرة كنت في طريق قرة تبة ورأيت مجموعة قطط خضراء ! وأخرى تصيح ماع ماع بدل من ميو ميو! هذا الزمن أبدل حتى ألواننا وأصواتنا ولا ندري الى أي حلقة سنتطور إذا استمر بنا الحال ؟ مجموعة أخرى تبرعت بأسنانها للمجهود الحربي فقد اكتفت بمص ما يُمص ُ من الغذاء في واحدة ٍ من منجزات بطل التحرير القططي ! واحدة من أخواتي قبضت عليها سرايا فدائيي صدام وأمروها بالرقص ليلة كاملة ثم حكم عليها بالموت نفخا ً ! نعم نفخوها من فيها حتى صارت بالونا ً وربطوها من ذيلها بخيط في إصبع النزق عدي ، ليلتها كان مخمورا ً وبفمه الأعوج سيجار هافانا النفيس وحين انتشى أطفأ سيجارته ببطنها لتطير في الهواء وتفش فشة ً طويلة وتبتعد عنهم مودعة الحياة ! ميو يا عم نحن معاشر القطط عانينا الفضاعات على يد هؤلاء ، وأخواتي الأخريات وفقهن الله وأصبحن هشّك بشّك في نادي ليلي يرتاده هرر وعتواي القيادة الحكيمة .
أما أنا فيا عم ميو عما أنا ! مرّ ثلاثون شباطا ً ولم أدخل الحياة ولم أنل مرادي والمصيبة أن ذيلي أصابه العنن وملامحي صارت كملامح كنغر هزيل وكلما اقتربت من قطة قالت أتركني مخطوبة أو هل تملك برميل زبالة ؟ أو حفرة تحت خرابة ؟ وقد مضى على تقديمي طلب الحصول على برميل من المؤسسة العامة للزبالة أكثر من عقدين ! أقضي ليالي المرهقة بالتفرج على صور مادونا وليلى علوي من بقايا الصحف أو الجلوس خفية تحت مقاعد المقاهي ! ميو يا عم قطـٌ لم يُقـَبلْ قطة في حياته ؟ أي حياة ٍ هذه ؟
يا عم ميو ....
وصلتنا أخبار استعدادات التحالف وتحديات البطل المسعور كنا فرحين فرح الناس الذين نسمعهم في جلساتهم والكل يترقب وقوع هذا الحدث القادم ، العجيب أن هناك قططا ً سوداء غريبة تحلم وتتمنى بقاء الجلاد تلك القطط السمان المتورمة من أكل السمك والغزلان تبكي لما ستؤل اليه الحال ! وصدقت الرؤيا وانقلب الحال وهزم جيش البعث والقطط السوداء بفعل بساطيل الحلفاء حتى صار القط الأسود يصبغ لونه بالأخضر وصار الآخر يشد خاصرته ليوهم الحلفاء بأنه من القطط المظلومة ! مع فجر التاسع من نيسان توجهت الى تنورنا القديم لكني أبصرت النار من بعيد ورغم هلعي وحزني على أمي فرحت إذ عاد الناس يخبزون من جديد ، مع زحمة الناس الهاتفة الثائرة توجهت الى حديقة الزوراء لعلي أستشف أخبار والدي في معتقله القسري ! لقد كُسرت الأبواب بفعل كائن ما ! فطارت الطيور والنسور الهزيلة الجوعى اعتلت الغيوم في رقص سماوي مهيب وكذا الأرانب دبت فيها الحياة وهي تنطنط في شوارع بغداد بعضها كسيح وبعضها يسند بعضا ً الكل خارج من حديقة الأسر وكأنهم جراد منتشر إلا ّ أنا فأخالف الموج داخلا ً مذعورا ً فرحا ً حزينا ً لا يسع الكون تأملاتي ، ميو ميو وهم ميو أصرخ بصوتي المبحوح { زوربا أبي زوربا أين أنت ؟ } لا أحد يقف ويعطيني الجواب فالكل مشغول وعجل ومشتاق لحد الجنون الى الحرية !!! قرود هزيلة وكلاب كسيحة وحمامات ترتجف وصقور بالكاد تطير ، ثم يهدأ المشهد لأجوب ذلك المعتقل الرهيب لقد عاش بنو جنسنا سنين عذابات ها هنا وفي لحظة صمتٍ سمعت خشخشة أحراش يابسة خلفي والتفت ويا ميو لما رأيت كان زوربا العظيم وقد افترش الأرض كسيحا ً قد تغيرت ملامحه وهدته سنين السجن غارقا ً في بحر من وريقات الشجر بالكاد يرفع جفنيه اقتربت منه بذهول وعجل وضممته الى صدري صارخا ً
: أبي زوربا سقط التمثال سقط التمثال !
لكن زوربا قد صار شوربا من أكل الحشيش ولفّ التتن ! وقد خطّ بأظافره على أوراق الكالبتوس مذكراته ليلة بليلة وفي الوريقات القريبة منه خراميش بزون وعبارات غير مقروءة ! آهٍ يا أبي يا زوربا قد اخرّف وفقد ذاكرته ! وصار لا يعرف الميو من النيو من الماع ! ميــــــــــــــــــــــــــو عمّاه ميو حملت ذلك الشيخ الكسيح لأعود به الى بغداد بعد أن تحررت من القطط السوداء وأنا أصف له الحال بينما هو غارق في أندلسياته يغني ويطقطق بأصابعه :
{ مروا بنا من تمشون .... بلجي على حالي تحنون }
ميو يا عم تحررت بغداد وخمدت أصوات الطلقات وألغيت القرارات الجائرة وعادت البراميل تأوي القطط والعتاوي وبدأ زمن جديد في التاسع من نيسان .
فكـّر يا عم ّ بجد بالعودة الينا فنحن بانتظارك على أحر من الميو .
وميو عليك وعلى كل من لاذ بك واستجار بمخدعك ورحمة الله وبركاته .
***
مذكرات القط زوربا العظيم
وتستمر الحكاية .........
حمل سُنبل أباه الى المستشفى الميداني لقوات التحالف لتستقبله الشقراوات ويوسدنه في برميل خاص حيث ربطن ذراعه بماء الباجة المغذي ، وقدّمن له وعلى الفور علبة سردين ساخنة ليتناولها بشراهة ، طلب أخرى وأخرى وطلب قوطية كولا مع قصبة ثم أمرهن بالخروج ليخلد الى النوم الذي فارقه منذ سنين !
هرع سُنبل عائدا ً الى حديقة الحيوانات ليلملم أوراق الكالبتوس التي خط عليها زوربا مذكراته قبل أن تصل اليها أيادي التلف المشبوهة.
في طريق العودة صادف بيتا ً لأحد عتاوي القيادة المخروعة قد خلا من ساكنيه فأخذ إذنا ً من دورية قريبة منه كي يسكنه لحين ميسرة ! دخل وأغلق باب الغرفة وبدأ بترتيب الأوراق وفك شفراتها .......
يقول زوربا العظيم في مذكراته :
بعدما رفض الشرطي قتلي وأمر بتسفيري الى حديقة الزوراء مع أحد الحرس داخل كيس قمامة أسود رفض حارس الحديقة أيضا ً استلامي مشككا ً بأرنبيتي وهمس في أذن الساعي باحتمال أن أكون قطاً متخفيا ً ! وأنا من داخل الكيس أصرخ بميواتي طالبا ً الانتحار ! فقرروا تسفيري الى معتقل القطوانية الرهيب للتحقيق معي.
معتقل القطوانية مكان رهيب مخيف قاس الى حد الموت ، وما أن استلموني حتى أخرجوني رفساً جعصا ً دون أن يعرفوا تهمتي أو هويتي ليحبسوني في تنكة دهن راعي مزنجرة مشبعة برائحة الدهن والتراب بينما جعلتها حرارة الشمس كفرن صمون ، أغلقوا القبغ عليّ ولم يكن أمامي خيار إلاّ الاعتراف والموت بطلق ناري راحم ! لكن مشاهداتي من ثـقب التنكة غيرتْ استراتيجيتي ! فقد رأيت فيما رأيت من فضائع أن ديكا ً جميلا ً باسقا ً اعتقلوه لأنه أزعج أحد الرفاق بصياحه فجر الجمعة فقرروا قطع عرفه وهو يستغيث ويصرخ { بأي عُرفٍ تـُقطع الأعراف ؟} ولم يكتفوا بذلك بل حكم عليه بالحجز سنة مع تدهين دبره بالمحكان كل 6 ساعات حتى لا يقوى على الصياح مرة أخرى ( لا هواية اعترفنا ! ) أما الأفعى المسكينة التي وجدوها في أحد مزارع صباح مرزا فقد حاولت الاختفاء والتنكر بين صوندات المزرعة لكنهم ألقوا القبض عليها وسفروها الى هذا الجحيم حيث كان السجّان يتسلى بها طيلة الوقت ويأمرها بالرقص حتى أصيبت بالدسك في فقراتها وحكم عليها بأن تصير تطوالة بوري في مجرى الماء ! وحماراً حساويا ً مسكينا ً كانت تهمته غريبة ففي أحد أيام الصيف المنصرم حُمّل أسفارا ً وثقلا ً رهيبا ً قد هدّه الجوع والعطش والحر وضرب السياط ، وحين مرّوا به بمزرعةٍ للورد تابعة لسجودة سال لعابه وداهم عطر الورود أنفه وصوت الأحراش أذنه وهو لم يذق الخبز اليابس منذ ثلاثة أيام فالتفت وبغفلة من سائسه ليقضم باقة زرع أمامه خارج سياج المزرعة وقبل أن يعلسها صرخ حرس المزرعة به ! أتهم على أثرها أنه من أعداء البيئة و الطبيعة ! فتحول في المعتقل الى حمار وحشي من أثر السياط
وأ ُمر بقراءة وحفظ كتاب المؤتمر القطري الثامن لحزب البعث !
أدركت أن الموت هنا هو السعادة والخلاص لكنه لن يكون هدية سهلة فجولات التعذيب وصنوف التنكيل تجعلك تفكر ألف مرة قبل البوح باعترافاتك والموت هنا هو ليس الموت القدري الذي كتبه الله بل هو العَـلسُ بعينه ! فقررت أن اكتم هويتي وإلا ّ فانا والعذاب وما لا يُطاق .
***
يقول زوربا ...
مضى عليّ الآن أكثر من 36 ساعة داخل تنكة دهن الراعي ولم أعرف مصيري ، ومن قلق ما أسمعه وأشاهده شاغت أرواحي واستويت الى درجة المَوَعانْ ! نادى أحدهم
: جيبوا التنكة خلي نفهم سالفتو !
أخرجوني وربطوا عيني بشريس لزاك وأحدهم يدور حولي مدققا ً بتفاصيلي يقلبني يمنة .. يسرة .. فوق تحت .. كأنه يبحث عن رقم الشاصي!
: ها يوبة شني هاذ عجل ؟ قط لو أرنب ؟
تسارعتْ دقاتُ قلبي وبدأ الخوف يزحف في جسدي ومناظر التعذيب لا تفارقني ، إذا ً هو دَوري ؟ وعليّ دارت الدوائر ! زمجرَ المحقق بصوته الأعوج
: كَول ياوَلْ من يا عَمام أنت ؟
{ يا عَمام ؟ يا نِعلْ ؟ انعلسنا والعباس ! } كان مصدر الصوت متحركا ً ولم أعرف كيف أجيب ، أأقول قط فيسلخوا جلدي الجميل ؟ أم أقول أرنب وهذا يحتاج لدليل ؟ أم أقول أني سميدعٌ ؟ كلا ّ ولا حاشى لمثلي أن يُقال سميدع ُ ، مرتْ خواطرُ رهيبة في جمجمتي تذكرتُ طوفان نوح وحروب الهكسوس وسلمان المنكوب ، إنّ ظلم البشرية يُحاصرني وأنا أسيرُ هذا المحقق الأرعن من كوكب الأرض المهزوم ، آهٍ يا بشرية يا واضعي قوانين حفظ النوع يا حمورابي يا عزيزة جلال أين أنتم مني ؟ ليت الغراب الذي نعق على العراق عار ٍ عن الريش لا تأويه أوكارُ !
كان لابد من جواب وأي جواب ، جمعتُ قواي ومَصصتُ ريقي لأنطق حروفي .. لكن صفعة الجلاد على رأسي أربكتي أكثر وأكثر
: أحجي يا وَلْ عَبدْ ! شنهو أنت ؟
: نعم نعم سيدي ... أنا ... أنا ... قِطنبْ ! قَرنَبْ ! طرنيبْ ! الله يخلي الريس الله يطول عُمرو ! بالروح بالدم نفديك يا صدام !
: شنهو قرنيب ؟ شنهو طرنيب ؟ .... أجلبوا لي الاسبرتو !!!
تفاءلت فلعلهم سيطهرّون جروحي ! لكنهم ما طهروا جروحي بل دهنوني بالاسبرتو ! فتحولتُ الى كتلة هلامية تشع بالنور البنفسجي الهاديء . أمرهم بفتح عينيّ فاختفت رموشي لاصقة باللاصق ! لأرى وجها ً عفناً كأنه من بقايا سلالات النسانيس المنقرضة ! يا إلهي .. أمثلُ هذا يُحقِقُ مع زوربا العظيم ؟ سيجارته المستوردة بين اصبعيه ، رماها نحوي مرددا ً
{ روح استفاد ! } !
يا ويلي يا ويل زوربا وأم زوربا ! ألأجل هذا خلقنا الله ؟
قهقهاته تتعالى بعد ما دبت النار فيّ لأتحول الى شعلةٍ وهاجة صارخا ً بالأثير بالكون بكل من له ضمير
: يا لظلامات البشر !
هدأتْ النار وتلاشتْ في ثوان وتلاشى معها شعري وعلت رائحة مني ذكرتني بباجة الحاتي ! شعْوَطني اللعين ! فقررتُ البوحَ بِسِري وعلى الدنيا السلام !
: سيدي آني ... آني .... مرت عربة قربَ المُحقق فتوجه نحوها ليسأل السائق
: شويتو البزازين زين ؟ ترة الأسد مال الاستاد يزعل يوبة !
: لا ..لا .. سيدي صلخناها و سلكََََََََناها وشويناها على نار هادية !!!
عاد لي المحقق : أي عجل شرتد تكول ؟؟؟
: آني أرنب ... إني أرنب ... وبدأتُ أنطنط وأحفر الأرض واستقمت على قدميّ عاكفا كفيّ الى صدري
: أرنب بالمغارة أرنب ما يكدر يمشي أرنب مسكين مشوش أرنب نط.. نط
سألني : تاكل جزَرْ ؟ { هو وينة الجزر ؟ }
: بَسْ جزَرْ ؟ حتى فلنجات مسكوفيج آكل ! { صَلخْ ! سَلكْ ! شَويْ ! } ثلاثية القدَرْ هذه تفتح أمامك خيارات وإبداعات لا حصر لها .
: أذناك لم صغيرتان ؟
: واحدة طارت في معركة الشلامجة ! والأخرى بترها فدائيو صدام سهوا ً وكتاب الاعتذار موجود .. أروح أجيبه سيدي ، وراس القائد أرجع .
: ...... ولـَكْ ! زين اسنونك ليش مو طوال ؟
: انضربت بوكس حديد بفضوة عرب !
أحرجني بسؤال عقائدي : كيف ومتى تتزاوج الأرانب !!! هاي شتحطله وتطيب ؟
تصور وسط كل ذلك الجحيم وتلك الصراخات ورائحة الدم والظلم يأتيك مستهتر لا يساوي نَعلا ً ليستخف بك ويسألك عن دقائق الأمور ! أي سَـقـَطةٍ تقيأتها البشرية لتحكمنا ؟
: سيدي أولا ً أنا ممن نذر نفسه للحزب وقد طلقت الحياة فداءا ً للمباديء وأفنيت شبابي في جبهات القتال فداءا ً لعيون الريس! ثم تسألني عن الحب والزواج ؟ هذه مفردات ُ المفلسين ومفرداتنا هي القادسية والأرض الأرض والكيماوي وكل شيء من أجل المعركة !!!
كأن الحمار صدّقني أو لعل الله أراد ذلك فأمر بتغيير تنكتي الى صندوق شاي سيلاني .
***
{ أقبل الليل وناداني حنيني }
{ وسرت ذكراك طيفا ً هام في بحر شجوني }
داخل صندوقٍ أسود لا أعرف ليلي من نهاري لا أعرف قدَرَي ومآلي أحتضن ألمي بصمت موجع ٍ وألحس أطرافي لتسكن أناتي آهٍ أيها الإنسان المتسلط كم من الحب فقدتَ حتى صرت هكذا ؟ تذكرتُ عائلتي وقططي ورفاقي لينهل دمعي ساخنا ً أكفكفه بكفي الجريح . سمعتُ صراخا ًمألوفا ً كان صوت قطة وكأن الرفاق يجروها للمقصلة ! آهٍ يا وجعي كانت ابنتي فلذة كبدي تستغيث !
مع الصباح دخل كردوسٌ من العساكر وبدأت البساطيل تنهال علينا ، رفسوا صندوقي أخترق ضوء الشمس عيني الكمدة بالكاد أفتحها أتعثر في خطواتي أرتجف من هزالي وضعفي ربطوني بجنب بطة بجنب سلحفاة بجنب حمل ٍ وديع والسلسلة تطول وتطول الى آخر المعسكر ، الكل مطرقٌ برأسه الى الأرض وفق الأوامر . جاء حراس سراق الوطن لينتشوا أمامنا كأنهم أعجاز نخل خاوية { يا رب لا تبق لهؤلاء باقية } سيظل معتقل القطوانية وصمة عار في جبين البعثية وستظل تلك الرؤوس المطرقة شامخة كالنخيل رغم هوانها ! وبدأت الملحمة بقراءة الأسماء والأحكام ! محكمة للشعب على الهواء ! بلا محامين بلا حقوق بلا تفاصيل !
السلحفاة ! تُفصل عن درعها وترحل الى معسكر الحرس الخاص
البطة ! يُنتف ريشها وتبقى عارية !
الحمل ! يُرحل الى مختبرات البايولوجي في الشرقاط !
الصرصار ! يُحبس في قنينة قلونيا فارغة لمدة سنة مع مصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة ! دردمَ مع نفسه : { هسه آنه من حُور أموالي أشو مكضيها تسخيت بالبلوعات } !
........ !
........ !
أصبت بالغثيان من هكذا أحكام ومن هكذا حال ! حُكم على مجاميع أخرى بالتلف أو ما يسمى بعرف الدول الإبادة الجماعية
وصلني الدور ونادى بي الجلاد
: مؤبد في سجن الأرانب مع الأشغال الشاقة !
سجدتُ شكرا ً لله على الفرج وانتهاء المحنة وتذكرت فريد شوقي في فلم جعلوني مجرما ً!
فهل انتهت المحنة ! أم أني مازلت في أول الطريق .
التسفير ...
بعد إصدار القرارات الجائرة أعدّوا عربة الآيس كريم لنقلنا ! ومع رشقات السياط أصعدونا بعجالة الواحد تلو الأخر ومن يتلكأ يُرفس ويُجعص ببساطيل الحراس _ النشامى _ ، صرنا 60 نفسا ً من صنوف الأحياء بعدما أغلقوا الباب علينا ، والمأساة أن ابنتي كانت معنا في أول العربة لكن لا تستطيع محادثتي كي لا تكشف سري وهي تراني جالسا ً على قدميّ عاكفا ً كفيّ { فأنا أرنب ! } عجيب أمرنا صار السلام يعني الموت وصارت المصارحة مكلفة جدا ً فظلت المسكينة تجول بنفسها تدور وتدور تحاول كتم وجعها وشوقها وحاجتها إليّ وهي تنزف من جراء حالات الاغتصاب التي تعرضت لها ! كنت أحاورها بعيني وأبعث تنهداتي عبر أنفاسي وأشير الى السماء عبر شباك صغير { الله كريم } .
سارت العربة بنا ونحن نودع مقبرة الموت في القطوانية تاركين خلفنا إرثا ً حزينا ً ومأساةً لا ندري متى ستكتشف ! أهذه مكرمات الرئيس ؟ أهذه أهداف الحزب والثورة والقيادة ؟ تبا ً لها من قيادة وتبا ً لكل من زمّر وطبّل وهتف وكتب لهؤلاء القتلة السَقَطة . في طريق المجهول كانوا ينزلون من أفراد مجموعتنا كلٌ حسب تهمته فمنهم من سيق الى معسكر تدريب الفدائيين ليجربوا عضلاتهم عليه ومنهم من تشرف بمختبرات الموت ومنهم من أرسل هدية الى أحد الرفاق ومنهم من ينتظر ! حين سحبوا ابنتي أمامي صرختْ بهم وحاولتْ أن تخرمشهم لكنها بلا أظافر ! فاستسلمت لقدرها المجهول لتودعني بعينها كاتمة آخر كلماتها ، لم أتمالك نفسي وانفجرت بالبكاء مطرقا ً برأسي الى صدري ليربت الضفدع على ظهري
: همزين احنا مو بزازين عمي جان شيخلصنا !
فقلت في نفسي { اليدري يدري .. ولميدري يكول أرنب } أسكت عمي اسكت .
كانت تهمة الضفدع هي إزعاج القيادة ! حين نقّ ذات ليلة في أحد منتجعات عزت الدوري وحكم عليه ببتر لسانه وهو الآن في الطريق الى المقصبة ! تستمر العربة بالمسير ويقل العدد وتقل الحيلة ويخذلنا الصديق ويشمت العدو حتى جاء دوري وسحبت كرخقة مسح يحملني أحدهم من عنقي ويدخلني الى سجن الحيوانات في الزوراء ! صحت فيهم
: أهـــذه هي الزوراء ؟
استلمني حارس الحديقة وسألهم
: إذن هو أرنب وليس بقط ؟ بس وين شعرة وروموشة ؟
أجبته على الفور : هسة انت رايد اتزوجني بنتك ؟ ديكولك أرنب .. مَتفهم ؟
استلمني المجرم وهو يقلبني ويدردم : أرانب تالي وكت !
قلت له : اسمع آني أرنب بقرار من القيادة ! عندك مانع ؟
أكيد ومؤكد ليس لديه مانع أو اعتراض فهؤلاء الجبناء يبرزون عضلاتهم على المقيدين السجناء فقط أما أمام الرتب الأعلى فهم عبيد يلحسون أحذيتهم ويهبون أعراضهم لإرضائهم ! كم من المهازل رأيت يا زوربا العظيم ؟ وكم من الحزن احتوى قلبك الصغير ؟ اقترب من قفص الأرانب ورمى بي نحوهم .. ولتبدأ حكاية أو قل مأساة جديدة .
الأرانب تحب المعاشرة والتزاوج والتكاثر ! وَدودة ٌ الى حد الملل ، أوُلى لحظاتي كانت حرجة تجمعت الأرانب حولي هذا يشمني وتلك تحتك بي وآخرٌ يحاول شمّ .... ! جُلت ببصري في المكان فشاهدت الحارس يراقبني من وراء نخلة ٍ ينظر كيف أصنع ؟ بادرت الى حضن الأرانب وتقبيل بعضهم والسؤال عن أولاد عمومتنا وأحوال أخولنا منطنطا ً معهم نحو جحرهم ملتفتا ً نحو الحارس مرددا ً
{ هذا الجزر كاتلني يا عمه }
بدأت الأرانب تغازلني بالهمس باللمس بالنظرات باللفتات بالنط العجيب ! تركتهم ودخلت لأخلد الى راحة منسية في جحرهم الرطب نائما ً 17 ساعة فقط ! وحين أيقظني أحدهم صرخت به
{ ميــــــــــو مو هسة نمت ! شتريد ؟ }
حقا ً لم يكن شعوري بتلك الفترة الطويلة من الإرهاق والتعب الذي كنت أعانيه ، كانت لحظات الفجر تبزغ والأرانب مشغولة ما بين مسبح ٍ لله وراكع وساجد والكل يدعو بالفرج والخلاص من هذا الأسر الظالم .
مع الصباح مع أول فجر جديد على تلك الأطلال بدأت الأرانب تستعد لأمر ما ! وفهمت أن زوار الحديقة على وشك الدخول والحيوانات كلها تستعد لتتسلى بالداخلين ! جاء الحارس ومعه عربة عرجاء بصوت غثيث ليرمي كومة أحراش ذابلة من فوق السياج وحين صادفني
قال : نمت زين ؟ أرنب أفندي !
لم أتردد من جوابه : اشبيه السيد الرئيس ؟ وتكول رواتبكم قليلة !
جرّ عربته بسرعة البرق مبتعدا ً عنا الى زنزانات القرود . كان لابد من أكل الأحراش وأكل الحشيش والجت حفاظا ً على النفس المحترمة وتطبعا ً مع حال جديد في بلد الإرهاب الخرافي ، مع أول وجبة حشيش وأوراق خس اضطربت معدتي وأصابني المغص طلبت من أحدهم بطل ببسي ، كراش ، سينالكو ، عصير نِعل ! ولكن لا حانوت لمن تنادي وبالنتيجة أصبت بحالة تريعان دائم ! وحيث كانت الوجبة الصباحية تحوي بعض أوراق الفجل فكانت روائحي تقدس سرّ كل من يتقرب مني ! ثم أذن مؤذنٌ ودخل الناس أفواجا ً أفواجا ، وجوه كئيبة تبحث عن لحظة فرح وأطفال مشردون كأنهم من معسكرات الاعتقال يبحثون عن مرح كاذب ونساء سارحات في خيال ٍ بعيد بعيد ! اقتربتُ من الأسلاك لأكون قريبا ً من الأحداث مضطجعا ً كالنمر فتجمع الأطفال والشباب أمامي مندهشين من شكلي ووضعي نادى بي أحدهم
: أرنوب نطنط حباب !
التفتُ نحوه ببط ولا يزال ألم السياط يدغدغني وقلت له
: وحدك لو بس اتَ ؟
بغفلة مني أدخل أحد الأشقياء إصبعيه وقرصني ! قفزت مخروعا ً وتفاجئوا بصوتي ! ولتلافي الحرج نطنطت ُ وابتعدت عن الأنظار ، كان أحد الشباب يُزاحم فتاة في العشرين يطلب ودّها ويلاحقها كظلها حتى صرخت به أمام الجمع :{ الزكت خوما لزكت ؟ }
ليتقدم أحد المنتفخين نحوه وبدون مقدمات ناوشه بوكس ! فانتبه الناس وتقدموا نحوه وتكاثروا عليه حتى حولوه الى صلصة هاتفا ً بالجمع : ويحكم أي ذنب لي عليكم ؟ فرحَتْ الحيوانات وقهقهت وهي ترى صراع البشر على توافه الأمور وقد تناسوا الخازوق الكبير ! لقد تبين أن كل يوم جديد يحمل مشهدا ً مثل هذا من فصول المقالب أو المآسي ، وكانت الحيوانات تروّح عن كآبتها بالفرجة المجانية .
كانت النمرة البنغالية على وشك الولادة لكنها حزينة وقلقة فقد وصلها خبر ضمّ أولادها الى مزرعة المهووس عدي ! كانت الحيوانات النادرة تعاني من هذه المشكلة فلا يهنئون برضيعهم ولا بسعادة تربية أولادهم . قررت النمرة قتل أولادها قبل أن يُختطفوا ، ومع اقتراب ساعة الولادة والطلق دخلت كتيبة الخطف والمسكينة تتلوى والنمر يحوم حولها لكنهم أطلقوا عليه مخدرا ً ببندقية وسحبوه بعيدا ً عنها ولم تفلح محاولات الأم بعدما وضعت صغيريها بالحفاظ عليهما ولم تجرأ أيضا ً على قتلهما! فخطف الرضيعان وظلت الأم صارخة باكية تشكو لرب العباد من هذه الفاجعة !
كانت الأرانب تواسيها : مياخذون جهالنة ؟ 6 بدرهم !
مع مرور الأيام أدركت أني سأصاب بالاستحمار أو التصوخل لعدم وجود أي أمكانية للتثقف أو زيادة المعرفة ولأن الأرانب لا شُغل لها سوى العلف والتزاوج والتنطنط .
سألت الحارس ذات مرة : هل ممكن أن أحصل على مؤلفات ألبير كامو أو توليستوي !
أجابني بغبائه المعهود : وين يزيّن هذا ؟!


توقيع : خيال الشدادين

رد مع اقتباس
قديم 10 Aug 2008, 06:40 PM [ 2 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2007
رقم العضوية : 4022
الإقامة : saudi arabia
الهواية : كل شيء
مواضيع : 744
الردود : 18733
مجموع المشاركات : 19,477
معدل التقييم : 325بندر النايف is a jewel in the roughبندر النايف is a jewel in the roughبندر النايف is a jewel in the roughبندر النايف is a jewel in the rough

بندر النايف غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 12
المشاركة في الاحتفالية السنوية

الكاتب المميز

التواصل

يوميات رمضانية

المشاركة في احتفال المنتدى

عضو مخلص

وسام أفضل تقديم للسفرة

فعالية أين الكرة؟

التواصل

العضو المميز




أهلا بك يا خيال الشدادين وحياك الله


أخي الكريم لا أدري هو أضحك على أسلوب الرساله الساخر ومرسلها


أو أبكي على ما فيها من حقائق ..


والله ينصر من وقع عليه الظلم


ولكن عندي تعقيب أخي الكريم


على (( ميو عليكم ورحمة الله وبركاته ))

أعتقد والله أعلم بأنها عباره خاطئه


لأن ميو ليس أسم من أسماء الله والسلام هو الإسم الحقيقي فلا أرى تبديل أسم السلام

بـ (( ميو )) فأرجو تغييرها .


وشكرا ..


توقيع : بندر النايف
.
رحـــمكِ الله يا أمي وجعل الجنة مثواكِ
التعديل الأخير تم بواسطة بندر النايف ; 10 Aug 2008 الساعة 07:15 PM
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Aug 2008, 10:14 PM [ 3 ]
عضو متميز


تاريخ التسجيل : Nov 2007
رقم العضوية : 4673
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 403
الردود : 6724
مجموع المشاركات : 7,127
معدل التقييم : 29ابن مهرس2008 is on a distinguished road

ابن مهرس2008 غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 2
عضو مخلص

المشاركة في احتفالية العام التاسع




اخوي خيال

والله الظلم عاقبة سريعه من الله

عز وجل كيف لا والله قد حرم الظلم

على نفسه 0 اللهم ارفع الظلم واحق

الحق 0 يعطيك العافيه ولاهنت


توقيع : ابن مهرس2008
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 15 Aug 2008, 05:13 PM [ 4 ]
مراقب عام


تاريخ التسجيل : Nov 2007
رقم العضوية : 4435
الإقامة : saudi arabia
الهواية : المقناص + الرياضة + الكمبيوتر
مواضيع : 573
الردود : 17985
مجموع المشاركات : 18,558
معدل التقييم : 923خيال الشدادين is a splendid one to beholdخيال الشدادين is a splendid one to beholdخيال الشدادين is a splendid one to beholdخيال الشدادين is a splendid one to beholdخيال الشدادين is a splendid one to beholdخيال الشدادين is a splendid one to beholdخيال الشدادين is a splendid one to beholdخيال الشدادين is a splendid one to behold

خيال الشدادين غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 9
المشاركة في الاحتفالية السنوية

المشاركة في احتفالية العام التاسع

المراقب المتميز

الإداري المميز

عضو مخلص

الاحتفال بالعام السابع

العضو المميز

المشرف المميز

الحضور المميز




أتمنى أن أستمتعتوا بقرأة هذة القصة الشيقة


وشكراااااااااااااااااااااااااااااااااااً


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 16 Aug 2008, 04:36 AM [ 5 ]
عضو متميز


تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1787
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السياحة والسفر التاريخ والآثار حب الطبيعه
مواضيع : 265
الردود : 1260
مجموع المشاركات : 1,525
معدل التقييم : 25الأمير العربي is on a distinguished road

الأمير العربي غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 2
الحضور المميز

العضو المميز




توقعت اول من راح يرد عليها هو حاتم

خخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخ


ارجو ان تتقبل مروري المتواضع


توقيع : الأمير العربي
تخيلـوا لـو يفـزع الجـار للـجـار = في مجتمع غاضـب وحاقـد ومشحـون
وتخيلـوا لـو تلتفـت كـل الانـظـار =للمشهـد اللـي وقفـت دونـه عيـون
وتخيلـوا لمـا رحـى الحـرب تنـدار = مابيـن حكـام العروبـه وصهـيـون
اليـا متـى نستقبـل ذنـوب بأعـذار = واليا متى نستنـزف جـروح بطعـون
نتبـع خطـأ تـيـار ونـصـد تـيـار = نبعـد وعـدوان المسلميـن يـدنـون
لوكان بقلوب العـرب صبـر واصـرار = ماكـان سـووا فيكـم اللـي يسـوون
بهمالـكـم بدلـتـم الـثـار بالـعـار =بعتم تـراب القـدس وانتـم تشوفـون
حنـا كـذا بمعـارض الـراي شطـار = لين أستوى بالمجـد عالـي ومطمـون
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 24 Nov 2008, 11:02 AM [ 6 ]


تاريخ التسجيل : Sep 2008
رقم العضوية : 10610
مواضيع : 3
الردود : 116
مجموع المشاركات : 119
معدل التقييم : 25خيَال الخيل is on a distinguished road

خيَال الخيل غير متصل




أشكرك ياخيال الشدادين


وتشكر على هذا المجهود الطيب والرائع


ودمت بود

توقيع : خيَال الخيل
اللهم أرحمنا ياأرحم الراحمين بالأمطار ياحي ياقيوم
أخوكم (( خيّال الخيل))
الأعلى رد مع اقتباس
إضافة رد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من قول ..منقول الهامـور النقاشات والمواضيع الهادفة 2 15 Jan 2007 04:27 PM
سرى منقول على متن التمنى الإقتصاد والأسهم السعودية والوظائف 3 18 Mar 2006 07:48 PM
ارجوالدخل للاهمية القصوى طبعا كلام منقول منقول أبو رائد الإقتصاد والأسهم السعودية والوظائف 16 03 Mar 2006 05:02 PM
خبر منقول يزعل بقوه خالد الحارثي المنتدى الاسلامي 7 04 Jan 2006 02:36 AM
منقول قظيه ساخنه *أبو فهد* القسم العام 2 03 Sep 2005 04:42 PM
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع

09:00 PM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com