كيفية خلق آدم
قال القرطبى: الصحيح أن آدم مشتق من أديم الأرض، قال سعيد بن جبير: إنما سُمِّى آدم لأنه خُلِقَ من أديم الأرض، وإنما سمى إنسانا لأنه نسى. ذكره ابن سعد فى الطبقات.
وروى السُّدِّى عن أبى مالك وعن أبى صالح عن ابن عباس، وعن مرة الهمدانى عن ابن مسعود فى قصة خلق آدم عليه السلام قال: فبعث الله جبريل عليه السلام إلى الأرض ليأتيه بطين منها، فقالت الأرض: إنى أعوذ بالله منك أن تنقص منى أو تشيننى. فرجع ولم يأخذ وقال: يا رب إنها عاذت بك فأعذتها. فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها، فرجع فقال كما قال جبريل، فبعث الله ملك الموت فعاذت منه فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره، فأخذ من وجه الأرض وخلط ولم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء فلذلك خرج بنو آدم مختلفين - ولذلك سُمِّى آدم لأنه أخذ من أديم الأرض- فصعد به فقال الله تعالى له: (أما رحمت الأرض حين تضرعت إليك) فقال: رأيت أمرك أوجب من قولها، فقال: أنت تصلح لقبض أرواح ولده، فبلَّ التراب حتى عاد طينا لازبًا، (واللازب: هو الذى يلتصق بعضه ببعض) ثم ترك حتى أنتن، فذلك حيث يقول: (من حمأ مسنون) (الحجر:28) قال: منتن، ثم قال للملائكة: (إنى خالق بشرًا من طين (71) فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين) (ص:71-72) فخلقه الله بيده لكيلا يتكبر إبليس عنه يقول: أتتكبر عما عملت بيدى ولم أتكبر أنا عنه! فخلقه بشرًا فكان جسدا من طين أربعين سنة فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه، وكان أشدهم منه فزعا إبليس فكان يمر به فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار تكون له صلصلة فذلك حين يقول: (من صلصال كالفخار) (الرحمن:14). ويقول: لأمر ما خلقت! ودخل من فمه وخرج من دبره، فقال إبليس للملائكة: لا ترهبوا من هذا فإنه أجوف ولئن سلطت عليه لأهلكنه. ويقال: إنه كان إذا مر عليه مع الملائكة يقول: أرأيتم هذا الذى لم تروا شيئا من الخلائق يشبهه إن فضل عليكم وأمرتم بطاعته ما أنتم فاعلون؟ قالوا: نطيع أمر ربنا، فأسر إبليس فى نفسه لئن فضل على فلن أطيعه، ولئن فضلت عليه لأهلكنه، فلما بلغ الحين الذى أريد أن ينفخ فيه الروح قال الله للملائكة: إذا نفخت فيه من روحى فاسجدوا له. فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح فى رأسه عطس، فقالت له الملائكة: قل الحمد لله، فقال الحمد، فقال الله له: رحمك ربك. فلما دخل الروح فى عينيه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخل فى جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن يبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة، ذلك حين يقول (خُلِقَ الإنسان من عَجَل) (الأنبياء:37)، (فسجد الملائكة كلهم أجمعون (30) إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين) (الحجر:30-31) وذكر القصة.
وروى الترمذى عن أبى موسى الأشعرى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحَزَن، والخبيث والطيب). قال أبو عيسى: (هذا حديث حسن صحيح).
والظاهر من القصة السابقة لهذا الحديث أن الصحابة المذكورين فيها أخذوا ذلك من كتب بنى إسرائيل أو من علمائهم الذى أسلموا، وذلك لا يمنع من التسليم بها، وقد اتفق حديث الترمذى معها فى أصلها. اهـ من القرطبى وابن كثير فى قصص الأنبياء له.
وقال الترمذى: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبى صالح، عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عينى كل إنسان منهم أيضا وبيصًا (بريقا) من نور، ثم عرضهم على آدم فقال: أى رب. من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلا فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أى رب. من هذا؟ قال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود، قال: رب وكم جعلت عمره، قال: ستين سنة، قال: أى رب، زده من عمرى أربعين سنة. فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت فقال: أو لم يبق من عمرى أربعون سنة؟ قال: أو لم تعطها ابنك داود؟ قال: فجحد فجحدت ذريته، ونسى آدم فنسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته) ثم قال الترمذى: حسن صحيح. وقد روى من غير وجه عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم. رواه الحاكم فى مستدركه من حديث أبى نعيم الفضل بن دكين، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. اهـ من ابن كثير. هذا، ويقال إن الله تعالى أكمل لآدم ألف سنة ولم ينقص من داود شيئا.