..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


العودة   شبكة الشدادين > المنتديات الأدبية > منتدى القصص والحكايات > كتّاب المنتدى في القصص والرواية الأدبية
 
أدوات الموضوع
إضافة رد
قديم 13 Apr 2006, 12:56 AM [ 41 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




"لن ندعهم يغتصبون أرضنا"، كانت النسوة يرددن وراء الشيخ أبيض اللحية، "نروي ترابنا بدمنا ولا نفرط بذرة منه". وحين بدأ الجند صفر الوجوه أتباع يأجوج ومأجوج بالتساقط، دبر بعضهم مكيدة "نرسل لجنة"، "فيك الخصام وأنت الخصم والحكم"، رد الشيخ أبيض اللحية.. "لا.. اللورد بيل رجل نزيه محايد"، وضحك الشيخ المهيب "لو يد جورج يفاوض لو يد جورج، هكذا قال سعد زغلول ذات يوم" وتابع الشيخ القتال... يده تقترب من رأس الأفعى، تشد على العنق، تكاد الأفعى تلفظ الأنفاس.. لكنها تفح صارخة، تستيغث، فيشدد رجال بيل النكير على الشيخ، يضربونه بقوة على اليد التي تشد على عنق الأفعى... وبيل يلوح براية المهادنة والصلح "تقسيم البلاد إلى ثلاثة أقسام" قسم ليأجوج ومأجوج وقسم لكم وقسم يظل تحت حمايتنا.." وتتعالى الصرخات من جديد رفضاً لحل أشبه بالكارثة.... واحتجاجاً على مكيدة تكاد تنفذ.. رأس الأفعى يفح فرحاً وقد اقتنص الاعتراف الأول بدولة يأجوج...‏

"ترفضون اقتراحنا!؟ تعصون أوامرنا؟ خذوا إذن"، عربد زبانية بلفور، الرجل الذي أعطى مالا يملك.. فانهمرت عربدتهم على الرافضين رصاصاً وقنابل راحت تمزقهم إرباً إرباً.. إحدى تلك الرصاصات أصابت عظم الفخذ من البطحيش فألقته أرضاً يروي دمه التراب...‏

أحد رفاقه حمله نازفاً حتى الثمالة، وضع له الأعشاب التي تقطع النزيف، سقاه الدواء الذي يحفظ اللحمة ما بين الروح والجسد فأبت روحه أن تفارق جسده...‏

بعدئذ، نقل إلى أقرب قرية، أسعفه المجبّر، عالجه الحكيم العربي وهناك ظل شهوراً طريح الفراش.... ثم ما إن بات باستطاعته أن يسير على رجليه حتى كان كل شيء قد انتهى: السدود كلها انهارت، ويأجوج ومأجوج يعيثان فساداً في فلسطين.‏


توقيع : كديميس

"لاتبحثوا عني بين كلماتي فهي لاتشبهني"
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Apr 2006, 12:56 AM [ 42 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




-البطحيش يريدك، همس فتى يافع في أذنه دون أن يعلم كيف، أو من أين جاء.‏

-وهل عاد؟ صرخ صرخة فرح كادت تفشي السر. فعلى البيدر، حوله، كان بضعة رجال وفتيان.. وكانت القافلة على أهبة الاستعداد محملة بالحنطة والشعير... الليلة صيفية قمراء، بدرها يحتضن أشعة الشمس فينسكب فضة على الأرض ويشع ألقاً ساحراً للأبصار آخذاً بالألباب.‏

-أجل... هو حيث تلتقيان عادة... قال الفتى ثم أسرع بالانسحاب. كان عزيز يريد مرافقة القافلة، فقد انتهى الموسم وأخذ عزيز ما يريد من حبوب.. لكنه البطحيش... الرفيق الغائب فكيف لا يطير إليه؟..‏

الكرك حي متشابك البيوت، ضيق الأزقة، متصل الأسطح، حتى ليشكل كتلة واحدة في وجهك يذكرك بقلعة الكرك ذاتها، تلك التي ظلت تتوسط الفيافي قروناً وقروناً مشرفة من علٍ، شامخة أبية، لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها.. في عمق الأعماق من تلك القلعة وفي أبعد زاوية من أحشائها كان البطحيش يتمدد على حصيرة عتيقة، عكازه إلى جانبه، فالفخذ لم يعد كما كان.. والرحلة مضنية من القرية المطلة على البحر إلى هضاب العدو، من جبال السامرة إلى وادي الأردن.. بحيرة طبريا عبرها بزورق صياد، اصطاد له سمك المشط ثم شواه على رمل الشاطئ الشرقي.. "آه يا لطبرية الرائعة!! يا لمياهها الدافئة!!! يا لسمكها الشهي اللذيذ!! "كان البطحيش يسري في الليل ويسير في النهار.. قبل طبريا كان الإنكليز، حماة اليهود وصنائعهم، وبعد طبريا كان الفرنساوي حلفاء الإنكليز وأنصارهم... فكيف يظهر البطحيش؟ هو يعلم أن الفرنساويين يترصدونه. غيابه تلك الفترة لا يعني نسيانهم له... هم أرباب الحقد والانتقام، أينسون حقدهم عليه وحبهم للانتقام منه؟ مع وادي اليرموك سار.. أتان صبور حملته على أوعر الطرق واجتازت أضيق المسالك.... وتحت جنح الظلام، حين يتحول الكرك إلى بعبع يخيف الفرنساوي فلا يقربه جند ولا درك، تسلل البطحيش إلى عمق الأعماق ذاك، إلى عش النسر تلك الزاوية القصية من أحشاء الكرك...‏

عزيز يعرف مسالك الكرك، يعرف دورب عش النسر. جاءته الهمسة فأمر القافلة بالمسير ومثلما انسل البطحيش انسلالاً فعل عزيز ذلك إلى أن وصل إلى العش. بالأحضان استقبله البطحيش، وبالقبل أغرقه عزيز.‏

-حمداً لله على سلامتك!! أي فراغ تركت!! أي خوف عليك خفت!! وانسابا جنباً إلى جنب نهرين من شوق. صاحت ديكة الليل وسكتت شهرزاد عن كلامها المباح ولم تصح ديكتهما ولا سكتا عن الكلام، مباحاً وغير مباح.‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Apr 2006, 12:58 AM [ 43 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




كان عزيز يشتعل قلقاً لمعرفة ما جرى وما يجري على أرض فلسطين... الغموض يلفلف كل شيء... لكن البطحيش بات قادراً على كشف ذلك الغموض: الانتداب البريطاني على فلسطين جاء لغاية واحدة: تقديم فلسطين على طبق من فضة لأبناء يعقوب... بريطانيا وضعت خططاً سرية محكمة وحكامها اليهود ينفذون تلك الخطة: اضطهاد اليهود في أوربا.. طرد هتلر لهم من ألمانيا إنما كله لهدف وحيد: دفعهم للهجرة إلى فلسطين... ولكي يحققوا ذلك بيسر وسهولة يزرعون في أذهانهم أن الرب يهوه يفتح لهم الباب على مصراعيه لتحقيق حلمهم بالعودة إلى أرض الميعاد... أليسوا شعباً بلا أرض؟ إذن ليذهبوا إلى أرض بلا شعب...‏

-لكن، ثمة أناس في فلسطين، فأين يذهبون؟ سأله عزيز وهو يتنهد حسرة.‏

-في نظرهم، هؤلاء مجرد غوييم... أجاب البطحيش الذي بات يعرف الكثير عن اليهود وفلسطين‏

-غو.. ماذا؟ قال بتعجب وقد فاجأته الكلمة.‏

-غوييم... أي... بهائم.. قطعان من السائمة ليست من البشر في شيء...‏

وكادت عينا عزيز تخرجان من محجريهما...‏

-كيف إذن يسكتون عليهم؟ لم لا يفجرون بهم الأرض والسماء؟‏

-هم يحاولون.. وإلا ما الذي فعله الشيخ القسام؟ رجال الثورة؟ الكل هناك يعلن أن البلاد كلها، الشعب كله، على مفترق طرق، إما النصر والحياة وإما الهزيمة والموت...‏

-إذن، لم توقفت الثورة؟ لم لم يستمر القتال؟‏

-حين ينتهي وقود النار هل تسأل لماذا انطفأت؟. بدأ البطحيش بنبرة من أسى، بعدئذ شرح لعزيز كيف تكالبت قوى جبارة على الثورة الوليدة: عصابات اليهود من جانب وجنود الاحتلال من جانب آخر، لا مبالاة الحكام العرب من جهة وسكوت العالم من جهة أخرى، حتى سقط رجالات الثورة واحداً تلو الآخر وانهارت قواها شيئاً فشيئاً. بعدئذ جاءت الضربة القاضية: الكتاب الأبيض الذي أصدره البريطانيون وليس له من غاية سوى خداع العرب وإسكاتهم إلى حين.‏

-كم كان بودي أن أكون معك فأقاتل بجانبك، قال عزيز وهو يتنهد متحسراً على فوات فرصة من فرص العمر.‏

-عزيز، الاستعمار واحد، في سورية، في فلسطين.. الاستعمار واحد، نقاتله هنا فكأننا نقاتله هناك...‏

هز عزيز رأسه مثنياً على الفكرة، ثم اعترف لصديقه أنه طوال غيابه لم يستطع إطلاق رصاصة واحدة، شاكياً له فتور همة الناس وتسليمهم بالأمر الواقع، على أمل أن تعطيهم فرنسا حريتهم واستقلالهم...‏

-الحرية تؤخذ ولا تعطى، قال البطحيش بحرقة وألم... والاستقلال لا ينال إلا على جسر من التضحيات..‏

-نعاود معركتنا إذن؟ سأل عزيز بفرح شديد، وكأن انقطاعه عن مقارعة الاستعمار كان غمه الأكبر..‏

-بالتأكيد... سورية يجب أن تتحرر.. البلدان العربية كلها يجب أن تتحرر... الآن أنا على قناعة تامة أن فلسطين ستضيع لأننا ضعفاء، مجزؤون، مستعمرون.‏

بعد ذلك، تشعب الحديث شعباً شتى ثم لم يتوقف حتى بانت الخيوط الأولى للفجر، لكن قبل أن ترقد أجفانهما كانا قد تعهدا أن يتابعها سيرتهما الأولى: مقارعة للاستعمار لا تهدأ.‏

عاد عزيز إلى دمشق فتبين له للتو أن عليه أن يقارع الاستعمار، ليس في ساحات القتال وميادينه السرية فحسب، بل في بيته ذاته.‏

-أطلت الغياب وأنا بأمس الحاجة إليك، بادرته شمس هامسة وقد خلا لهما الليل والفراش..‏

-أنا أيضاً بأمس الحاجة إليك.. بأحر الشوق إليك، رد عزيز وهو يأخذها بين ذراعيه شاداً ضاماً، لاثماً مقبلاً وكل ما خطر بباله أنها حاجة الجسد وشوق الحب.‏

-لا، لا ما هذا قصدت، غمغمت شمس وهي تتملص من بين يديه. انكمش عزيز متشنجاً وكله استغراب أن لا تكون شمس متحرقة شوقاً للقياه، أن لا ترمي بنفسها بين ذراعيه لتذوب توقاً ورغبة.. "إيه!! أهو السن أطفأ نار الحر!؟ أهو الزمان ولى برغائب الجسد ولهب الروح".. كانت عيناه تخاطبان الحبيبة بهمس خفي لا تسمعه الآذان بل تقرأه العيون عاتبة لائمة.. فالحب في قلب عزيز كان ما يزال راسخ الأركان، ضارباً جذوره عميقاً في تربته البكر.. فكيف لشمس أن لا تستجيب؟ كيف لحبها أن لا ينفجر حمماً وقد التقيا بعد غياب؟ هو يذكر أن أجمل ساعاتهما تلك التي يلتقيان فيها بعد غياب.... أحلى أيامهما أيام لم الشمل... لكأن الفرقة تضرم نار الحب، البعاد يدفعك للالتحام فتعمل على محو المسافات، على الانصهار في بوتقة الحب من جديد...‏

-ماذا؟ زعلت؟ سألته وقد رأت انكماشه وتشنجه.. وحين لم يجب متفحصاً إياها متفكراً، تابعت.. أرجوك، عزيز، حبيبي، لا تؤاخذني.. ثمة أمر خطير يشغلني..‏

-أمر خطير!؟ يشغلك؟ ردد وقد استنفر شيء في داخله فجأة.‏

-أجل.. القومندان رينو!! بدأت لكن دون أن تكمل، كأنها لا تدري كيف تنقل له الخبر.‏

-ماله القومندان رينو؟‏

-جاء لزيارتنا في غيابك... أجابت، كأنما سهّل سؤاله عليها الجواب..‏

-كابيتان جيرار آخر!؟‏

-هذا ما فكرت فيه، لكن يبدو أن الأمر أخطر من ذلك أيضاً.‏

-كيف عرفت؟ ماذا قال؟ بدأ أسئلته لكنها قطعت عليه الطريق مشيرة بيدها أن:‏

مهلاً.‏

كلمة بكلمة ولحظة بلحظة، نقلت شمس لعزيز زيارة القومندان فارتسمت على محياه سيما الخوف.‏

-هكذا إذن!؟ عرف أنني كنت عسكرياً؟‏

-بل عرف كل شيء عن عرس نواف، عن القرية.‏

-وحماة؟‏

-لم يأت على ذكرها، لكن الأمر واضح: زيارته ليست لوجه الله، بل تقربه كله منا ليس لوجه الله.‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Apr 2006, 12:59 AM [ 44 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




-عزيز يعلم أن مخاوف شمس في محلها، فالسر الذي حرصا على إخفائه طوال اثني عشر عاماً مهدد بالإفشاء الآن.. هو يعلم أنه ما من أحد يعرفه، لكن إن أمسك القومندان برأس الخيط، تقصى وبحث، ألا يصل إلى نهاية الخيط؟ لكن... من أعطاه رأس الخيط؟ صبري؟ مستحيل... لورنس؟ أجل... ربما، فالكولونيل صديقه ولعله استدرجه فزلق لسانه بما يكشف شيئاً عن ماضيه. لكن كيف له أن يكشف السر نفسه وهو لا يعرفه؟ اطمأنت نفس عزيز قليلاً، وبنوع من المكابرة، استجمع شجاعته، وبصوت أجش قال:‏

-لا، لا تخافي.. سرنا في بير عميق لا يمكن أن يصل إليه أحد..‏

-ما عدا هذا القومندان.. ردت شمس وهي تزفر زفرة حرى، انه ثعلب مراوغ لا تدري كيف يحفر الأنفاق للتحرك تحت الأرض هنا، هناك، فلا يراه أحد... عزيز... يجب أن نعرف من حديثه عنا.‏

-ما أحسبه إلا لورنس.‏

-إذن، يجب أن نتأكد من لورنس...‏

في الأيام التالية، صار ديدن عزيز أن يذهب إلى لورنس، لكن الأمير غائب... ولا أحد يدري أين؟ ربما هو في البادية، ربما كان في نجد، في بيروت، فالأمير واسع العلاقات، كثير الارتباطات، سندباد رحلات.. لا يحط في مكان إلا ليرحل... يحب الحياة، يحب الجديد، يحب التغيير.. تستهويه الحضارة، تجذبه الكهرباء، أنوار باريس، لندن، لكأنما تعاف نفسه كثبان الرمال ومضارب العربان، داره الواسعة في الحي الذي سمي باسم عائلته تعج بالناس.. عبيد سود، بدو سمر، رجال بيض، خدم، حشم، ضيوف، أقارب، لكن دون أن ينقصهم شيء: الطعام، الشراب، المال، كل شيء يظل متوفراً لهم وكأن الأمير على سدة عرشه.‏

-هو في القاهرة، أسر له أحد عبيده الأقربين، وعجب عزيز. لكن عجبه ازداد أكثر حين عرف السبب. أسمهان تغني هناك وهو يحب أسمهان.‏

-أمن أجل أسمهان يذهب إلى القاهرة؟ لم يملك عزيز إلا أن يتساءل، فقد بدا له الأمر مثيراً للاستغراب. هو يحب الطرب، يستمتع بالغناء لكن أن يتحمل مشقة السفر إلى القاهرة كي يسمع غناء بدا له أكثر من مثير للاستغراب...‏

لورنس يخالفه الرأي، هو يتباهى بحبه لأسمهان وتحمله مشاق السفر إلى القاهرة لسماع صوتها الرخيم الذي، كما يرى، لم يعرف العالم مثيلاً له.‏

-آه!! صرح الأمير لصاحبه: ذاك الذي ظل ينتظره أكثر من عشرة أيام!! لو سمعتها وهي تغني:‏

"أهوى...‏

يا من يقل لي أهوى‏

أسقيه بايدي القهوة.."‏

إذن لحلقت في السماء طرباً ونشوة.. هز عزيز رأسه موافقاً على كلام الأمير، وكل ما يشغل باله أن ينتهي من أخبار الطرب ورحلته إلى أسمهان كي يتفرغ لحديثه عن رينو وما تحدثا عنه هو ورينو.‏

لورنس لا يتذكر تماماً ما تحدثا عنه.. طلب إليه عزيز أن يتذكر، عصر لورنس دماغه عصراً لكنه لم يخرج إلا بصورة مشوشة غامضة:‏

-هو يعلم أنك لست من الرولا.. ثم أراد التأكد مني...‏

-وأكدت له؟ سأله عزيز بدهشة...‏

-كان الحديث عرضياً و.. بدأ الأمير ثم جلس بعد اتكاءة وكأنما تذكر.. أجل.. أجل... هو حلفني إن كنت من الرولا أصلاً أم لا.. ولم أستطع أن أكذب.. لكن لماذا تسأل عزو؟ ألحق الأمير سؤاله إلحاقاً فتلجلج عزيز واضطرب..‏

-لا.. لا.. لا شيء.. رد عزيز باقتضاب مؤثراً الصمت على أن يزلق لسانه بكلمة.. لكن حين خرج كان على يقين أن القومندان يتقصى عنه هو وشمس.. ليس من الآن بل من قبل وأن استقصاءاته دافعها الشك والريبة.‏

-دعنا نرحل، اقترحت شمس وقد عاد عزيز بجواب لورنس المشوش الغامض.‏

-ماذا؟ سأل عزيز فاتحاً عينيه على سعتهما.‏

-نرحل، نترك دمشق إلى حيث لا يجد لنا القومندان أثراً...‏

-وبيتنا؟ أرزاقنا؟ تجارتنا؟.‏

-حياتنا أثمن، عزيز.. وهي مهددة بالخطر!!‏

-إلى هذه الدرجة خائفة.؟‏

-وأكثر عزيز.. أنت تعلم، ميتهم لا يموت.. واستقصاءات القومندان ليست عبثاً.. لابد أن لها غاية: مقتل جيرار. هو ولا شك لغز محير مازالوا يعملون على حله حتى اليوم... وإذا حلوه هلكنا.. أنا وأنت هلكنا. وبدت شمس خائفة أكثر من أي وقت مضى.‏

-يا حيف!! الفارس الملثم يخاف إلى هذا الحد؟ عقب عزيز بنبرة فيها مزيج من معاتبة وتشجيع.‏

-فارس ملثم!!؟ إيه.. سقى الله تلك الأيام!! حين كان الفارس الملثم قلباً كالصوان وزنداً كالفولاذ!! بمفرده، يملك الشجاعة لأن يواجه جيشاً.. هو الذي لا يخاف على نفسه أبداً. لكنه اليوم يخاف على الزوج والحبيب.. الأبناء والبنات..‏

وحده الفرح أنساها الخوف، أنساها الخطر، أنساها القومندان رينو... فقد طلعت الصحف في الصباح التالي بأسماء الناجحين في شهادة البكالوريا وكان اسم الأخضر في رأس القائمة...‏

وللتو لعلعت الزغاريد في أرجاء الدار..‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Apr 2006, 12:59 AM [ 45 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




ثلاثة أيام بثلاث ليالٍ ظلت الدار تعج بالمهنئين والمهنئات. الحلويات توزع، المشروبات تقدم، القهوة تصب والفرحة ملء الدنيا.. شمس تود لو كانوا في المضارب.. عند الشيخ نواف، إذن لذبحت لنجاح الأخضر خرافاً وخرافاً.. لكن في المدينة!!؟ الجدران تسد الآفاق، البيوت تتزاحم، الأزقة تضيق بالناس ويكتفي عزيز بجوقة الفرح، تأتي في المساء، يلعب فتيانها بالسيوف، يرقصون ويهزجون، ومع رقصهم وهزجهم يرقص عزيز، ترقص شمس، تحلق بأجنحة الفرح.. نساء الحارة كلهن يحلقن معها فرحاً فليس في كل يوم ينال أبناء الحارة شهادة البكالوريا. الكتّاب هو غاية المنى، المدارس تعد على أصابع اليد الواحدة في البلاد كلها، الأمية متفشية، فكيف لا تفرح شمس وابنها ينال البكالوريا؟.‏

-ابني.. حبيبي.. رفعت لي رأسي!! كانت تردد كلما رأته عبر الزحام وبعد الزحام، وكان يرد فرحاً وزهواً.‏

-وسأرفع رأسك أكثر!! سأجعلك أم الطبيب!!‏

-أجل.. أريد أن أكون أم الطبيب!! وتغزو رأسها نشوة لم تغزها من قبل كما ترى في عيني روضة فرحاً لا يضاهيه فرح.. ينكتم كلما سمعت بكلمة طبيب...‏

عزيز يكاد يطير فرحاً هو الآخر.. يشعر أنه هو الذي نجح، هو الذي سيصبح طبيباً. شعور لم يعرفه قط!! "أهذا هو الامتداد؟ التجدد؟ الاستمرار؟". هو يشعر أن ابنه يحقق ما كان هو نفسه يحلم بتحقيقه.. يشعر أن الأخضر هو امتداده عبر الزمان، امتداده عبر المكان فكيف لا يفرح؟ بوده لو كان في القرية أيضاً، إذن لأقام الأعراس ولجاء بالطبول والزمور، ولذبح الخراف والجديان!!" آه!! يا للقرية، أمداء واسعة وآفاق شاسعة!! تتواثب فيها وتتقافز، تهتف وتفرح فيردد العالم كله أصداء فرحك!!".‏

مع الفرحة عاد السؤال يدور في المنزل "كيف يصبح الأخضر طبيباً؟ أين يدرس؟" كانت جامعة دمشق ما تزال وليدة كلية الطب فيها ما تزال تحبو، فكيف يحقق الفتى حلمه؟‏

سألت شمس صديقتها نازك فأجابت:‏

-في القاهرة.. يمكنه أن يذهب إلى مصر، يدرس الطب هناك. لكن حسبة بسيطة أجراها عزيز وشمس جعلتهما ينكمشان خوفاً، القاهرة بعيدة وهي بحاجة إلى نفقات ربما لا يستطيع عزيز تحملها، ومضى الأب بفرحه وهمه إلى الدكتور الشهبندر.‏

-عظيم!! هتف الزعيم فرحاً بالنبأ!! ألف مبروك!!‏

-بارك الله فيك ياسيدي!! رد عزيز يشيله جناحان من الزهو والفرح، لكن المشكلة أنه يريد أن يدرس الطب!!‏

-وأين المشكلة؟ سأل الرجل المستنير الذي يجد حلاً لكل مشكلة، في بيروت جامعة أمريكية تدرّس الطب. أنا نفسي درست فيها، وهذه هي بيروت.. رمية حجر!!‏

وبدا لعزيز أن الحل معقول.. كلية دمشق لم ينصحه أحد بها، لكن بيروت قريبة فعلاً والجامعة فيها أمريكية، جهاز التدريس، الإدارة، كل ما فيها كأنك في نيويورك، هكذا قال الدكتور الخبير الذي درس فيها قبل ثلاثين سنة ما يريد الأخضر أن يدرسه اليوم.‏

-والنفقات؟‏

-بيروت رخيصة!! يعيش كأنه هنا.. ثم يمكنني أن أزكيه هناك فيساعدوه!! قال الطبيب وهو يتذكر كيف درس هو نفسه بمساعدة الآخرين دون أن يكلف أهله أي عبء.. أهذه هي الحياة؟ يساعدك الناس لتساعد الناس؟ إنها السنة التي لا يملك أحد لها تبديلاً، وخرج عزيز وهو يكاد يطير فرحاً. لقد وجد الحل...‏

لكن ما إن وصل إلى المنزل حتى وجد في انتظاره حلاً آخر. كان القومندان رينو يتصدر غرفة الضيوف، وكان معه الأخضر، فيما سارعت شمس لاستقباله قرب الباب الخارجي.‏

-لقد عاد.. عزيز... أنا خائفة.. الرجل لن يتركنا سيعكر فرحنا.. فماذا نفعل؟‏

-دعينا أولاً نرَ ما يريد.‏

هدأ عزيز الزوجة التي عاودها الخوف من رجل ربما يستغل المناسبة كي يبحث ويتقصى لكن بكل لطف ودماثة بدأ الرجل الحديث.. مباركاً.. مهنئاً، فرحاً سعيداً حتى بدا وكأنه أكثر فرحاً وسعادة منهما، بعد ذلك توجه إلى الفتى، وبفرنسية رقيقة ناعمة بدت أشبه بنغمات أوتار، راح يحدثه ثم يسأله.. الأخضر يجيب والقومندان فرح بإجاباته. أخيراً توجه إلى شمس.‏

-مدام، لقد وعدتك بمساعدته وأنا عند وعدي.. قال مخاطباً الأم التي كانت طوال ذلك الحديث تنقل ناظريها بين ابنها والقومندان انتقال مشاعرها بين الفرح والخوف. "معقول!؟" تردد السؤال في جمجمتها وهي تفتح عينيها دهشة وتعجباً... كان خوفها من القومندان قد أنساها وعده بالمساعدة فلم تأت على ذكره لعزيز، وكان تفكيرها بالسر الذي يبحث عنه القومندان قد غيَّب عن ذاكرتها كل ما عداه.. لكن ها هوذا يأتي مهنئاً مباركاً وقبل هذا وذاك يؤكد التزامه بالوفاء بالعهد.‏

-أية مساعدة، سيادة القومندان؟ سارع عزيز للتدخل وقد فاجأه قول لم يسمع به من قبل...‏

-هذا الطالب النجيب سيدرس الطب على حساب الحكومة.. أجاب الرجل وهو يربت ظهر الفتى الذي بدا وكأنه على وشك الطيران.‏

-يدرس الطب على حساب الحكومة؟ هتف الأب والأم هتاف التعجب والفرح.‏

هز القومندان رأسه هز التأكيد، مخرجاً من جيبه ورقة ختمت بخاتم الحكومة وكتبت بلغة لا يستطيع فك حروفها عزيز أو شمس...‏

-أجل... قال، وهو يسلم الورقة للطالب النجيب، وهذه منحة باسمه يدرس بموجبها الطب في باريس...‏


[blink]يتبع[/blink]


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Apr 2006, 12:51 PM [ 46 ]
عضوة متميزة

تاريخ التسجيل : Jan 2005
رقم العضوية : 3
الإقامة : kuwait
مواضيع : 772
الردود : 15957
مجموع المشاركات : 16,729
معدل التقييم : 25المستحيلة is on a distinguished road

المستحيلة غير متصل




كديــــــــــــــــــــــــــــــميس
الف شكر انقاء رائع اعدك بالقراءة.. ...



توقيع : المستحيلة



الأعلى رد مع اقتباس
قديم 30 Apr 2006, 01:02 AM [ 47 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




6-

"يا إلهي!! أي اختراع رائع هذا الذي يسمونه البريد!!" كانت شمس لا تفتأ تكرر مذ جاءتها أول رسالة من الأخضر تطمئنها على وصوله بالسلامة إلى باريس. وكلما أبدت إعجابها بذلك الاختراع الرائع كان عزيز يزداد ضحكاً. "البريد موجود منذ القدم وليس هو اختراعاً جديداً.. أيام الخلفاء الأمويين، العباسيين، كان هناك بريد وموظفو بريد!!" "صحيح، لكنهم كانوا ينقلون مراسلات الدولة بين الولايات والعاصمة، الأطراف والمركز... وليس كهذا البريد الذي ينقل رسائل الناس كلهم إلى الناس كلهم وبسرعة لا تقل عن سرعة الحمام الزاجل" "هه!! أمسكتك!! الحمام الزاجل!! بعظمة لسانك قلت هذا!! بسرعة الحمام الزاجل، وماذا كان يفعل الحمام الزاجل؟". على هذا النحو كان الزوجان يتناقشان. عزيز يصر على أنه ليس هناك من جديد بل كله قديم يتطور شيئاً فشيئاً وشمس مفتونة باختراعات جديدة تفرزها الحضارة كل يوم: بدءاً من البريد وحتى الطيارة، السيارة، الهاتف، الحاكي، الإذاعة، الكهرباء، والقائمة تطول وتطول.‏

"من يصدق؟ هذه الرسالة خطتها يد الأخضر قبل خمسة عشر يوماً؟ خلال نصف شهر فقط قطعت تلك المسافات الطويلة.. عبرت بلدان أوربا كلها لتصل إلينا هنا في دمشق!!".‏

شمس مفتونة بما يتفتق عنه العقل البشري، عن ابتكارات كان يحلم بها الإنسان... بساط الريح، المرآة السحرية، افتح يا سمسم، كلها أحلام كانت تراود الإنسان مذ عرف الأحلام، ثم هاهي ذي كلها تتحقق.. بهذا الشكل أو ذاك تتحقق. شمس تسمع الأخبار، الأحاديث، الأغاني من مذياع لا يزيد حجمه عن سحارة بندورة... حسبها أن تدير قرصاً صغيراً ليأتيها صوت المذياع الذي يتكلم من لندن "هنا، هيئة الإذاعة البريطانية ثم ينقل أخبار العالم" تشامبرلين طار إلى باريس ليلتقي بنظيره الفرنسي.. هتلر يستعرض قواته العسكرية الهائلة.." وإذا أرادت أن تشف أذنيها بصوت سيد درويش أو عبده الحمولي وضعت أسطوانة على الحاكي ثم أدارت إبرة.. "إبرة تخرج صوتاً رخيماً وموسيقا عذبة، كيف؟ يا إلهي!! فقط لو أعرف كيف؟" ولم يكن باستطاعة عزيز أن يشرح لها كيف.. نازك، صديقتها حاولت، لكن وقفت في النهاية عاجزة إزاء استفساراتها الكثيرة فاكتفت بأن زجرتها ضاحكة "تريدين العنب أم قتل الناطور؟" هي تريد العنب، صحيح لكن الإنسان خلق وكله فضول وحب استطلاع... حين ركّبوا لها الهاتف في المنزل، بلغ فضولها أشده. وطوال أيام ظلت ولا شاغل لها إلا أن تدير مقبضه، ترفع السماعة ليأتي صوت السنترال "نعم.. من تريدين!؟ أي رقم تطلبين؟" وتطلب أم فريد، جارتها أم قعود، زوجها في المحل.. متعجبة، مندهشة، تتحدث وكأنها لا تصدق أنها تتحدث، لا تصدق أنها تسمع. وحين باحت بعجبها ودهشتها تلك، تنطع عزيز للشرح "افرضي عندنا قط، رأسه في البيت وذيله في المحل، إن دعست أنا على ذنبه ماذا يحصل؟" "يموء، يصرخ"، ردت شمس "عليك نور"، تابع عزيز شبه هاتف "يطلق صوتاً، وهكذا الهاتف: قط يدعسون على ذنبه هناك فتسمعين صوته هنا" "لو أسمع صوت الأخضر فقط!! لو يحدثني من فرنسا!!" راحت شمس تتمنى "لا، أنت طماعة، شمس" رد عزيز مداعباً "حسبك أن رسائله تأتيك بانتظام فتعلمين كل شاردة وواردة". شمس تعلم أنها طماعة، أحلامها كبيرة.. دائماً، لا تفتأ تنتقل من حلم إلى حلم، وكأنها تجسد البشرية التي ما فتئت مذ وجدت تحلم، تطلق لعنانها الخيال، فتتخيل الأفضل، تحلم بالأحسن ليعمل العقل بعد ذلك على تحقيق الأفضل والأحسن...


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 30 Apr 2006, 01:03 AM [ 48 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




-ما هذه خالتي؟ سألت روضة الخالة شمساً وهي تجلس إلى جانبها، قرب المدفأة.‏

-رسالة الأخضر الجديدة، تدخلت بدور ابنة الرابعة عشرة غامزة ضاحكة... تقرأها ولا تشبع منها أبداً، مثل بعض الناس...‏

-اذهبي.. اذهبي.. هاتي لنا إبريق شاي... زجرتها أمها بنبرة المداعبة، فقد كانت نار المدفأة تغري بشرب الشاي. خرجت بدور دون تردد "عطشان الشاي يرويك.. بردان الشاي يدفيك" كان الكل يقول ذلك، مردداً الدعاية في الإذاعة البريطانية، وكان شباط البارد يدفع المرء للبحث عما يدفئه.‏

-ماذا يقول؟ ما أخباره؟ سألت روضة على استحياء وهي تشير بإصبعها إلى الرسالة، وكأنها لا تعرف عنها شيئاً..‏

-بخير.. صحته جيدة.. دراسته ممتازة يقول انه أنهى دورة اللغة.. صار يتقن الفرنسية مثل الفرنسيين.. بدأت شمس بزهو يبرق في عينيها، ويد تحرك الرسالة يمنة ويسرة متشممة رائحتها كلما اقتربت من وجهها.. فيما كانت عينا روضة تلاحقان الرسالة وكأنما هما مشدودتان إليها بخيط سري..‏

-يخلي لك إياه خالة... الأخضر شاطر.. ذكي.. علقت الفتاة بنبرة الهمس وكأنما تخجل أن ترفع صوتها..‏

-طوال عمره هكذا.. في الشهر العاشر بدأ يتكلم وفي الثاني عشر كان يمشي.. عند الكتّاب كان أبرع التلاميذ وحين أدخلناه المدرسة هنا أدخلوه مباشرة في الصف الثالث.‏

-أعلم.. خالة.. هو حكى لي ذلك..‏

-صحيح!؟ كان يحكي لك؟ سألتها شمس وقد داخلها استغراب مفاجئ.‏

-أحياناً، عندما كنا صغيرين.. كنا نلتقي.. وكنا نلعب معاً..‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 30 Apr 2006, 01:03 AM [ 49 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




شمس تتذكر أن روضة كانت تأتي كثيراً إلى المنزل.. بدور أصغر منها بسنتين والأخضر أكبر منها بثلاث، بين بدور والأخضر، كانت روضة تجد ضالتها من لعب ولهو، تسلية وتفريج. أخواتها في المنزل يصبنها بالضجر، كلهن بنات، لا يعرفن غير الزعيق والصراخ.. وأمهن لا تنفك تلاحقهن "دعي هذا" "افعلي ذاك"، "اذهبي هناك" "تعالي هنا" فلماذا لا تهرب؟ في منزل الخالة شمس لا أحد يلاحقها، لا أحد يأمرها، بل الكل لطيفون دمثون، يعاملونها بكياسة.. الأخضر أكثرهم لطفاً وكياسة.. هو يجيب على أسئلتها، يلبي رغباتها، فيما بدور تعطيها كل ما لديها من ألعاب، تلعبان معاً كلما وجدتا الفرصة. في الصيف ينضم إليهما الأخضر، يلاعبهما الاستغماية، تختبئان عليه في بيت المؤونة، تصعدان إلى العلية لكنه سرعان ما يكتشف مكانهما، يمسك بهما ليأتي دوره هو في الاختباء. ذات مرة كانت تختبئ في خزانة الثياب وكانت تحسب أنها في مأمن، تستند على باب الخزانة وتصيخ السمع. لم يكن هناك صوت، لكن فجأة فتح باب الخزانة ووجدت نفسها تهوي في أثره.. زعقت لكن سرعان ما انكتمت زعقتها وقد صار فمها على صدر الأخضر ورأسها بين يديه، ثم انقلبا معاً على الأرض وقد احتضن كل منهما الآخر، أهو خوف عليه؟ أم رغبة في الالتصاق به؟ روضة لا تتذكر، كل ما تتذكر أنها كانت لحظة عجيبة، أحست فيها أنها تمتلك الدنيا كلها بيديها وهي تحتضن الأخضر، تحس بدفء جسده لصق جسدها، بدفء أنفاسه قرب وجهها، فيما لمعت أمنية خفية في رأسها "ليتنا نظل هكذا فلا نفترق أبداً"، لكن بمثل تلك السهولة، هيهات أن تتحقق الأماني. بدور بالمرصاد جاءت فنهضا عن الأرض ينفضان ثيابهما ويضحكان. لكن منذ تلك اللحظة صار الأخضر بالنسبة لها ينبوع الدفء الذي لا تريد أن تنهل إلا منه. كانت في العاشرة يومذاك، ومنذ العاشرة صار الأخضر حلمها الجميل يرفرف معها في فضاء غرفتها كلما همت بالنوم، وتفتح أجفانها على طيفه كلما استيقظت.. معاً ترعرعا، هي والطيف، معاً كبرا هي والحلم... متباعدين حيناً متقاربين حيناً آخر... كانا ينموان.. طفلين، فمراهقين.. ثم ما إن خط الشعر شاربيه حتى جاء السفر..‏

على حين غرة جاء.. هو طموح.. يريد أن يصبح طبيباً، حدثها مذ كان صغيراً عن حلمه ذاك، لكنها لم تكن تظنه سوى حلم.. إذ كيف يمكن لفتى رقيق، ناحل العود، غض الإهاب، أزغب الشاربين أن يصبح طبيباً؟ كانت كثيراً ما تتساءل "الطبيب ينبغي أن يكون رجلاً قوى البنية عريض المنكبين، جهم الوجه، مقطب الجبين، كث الشاربين، أبيض الشعر، وأنى للأخضر مثل هذه الصفات؟".


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 30 Apr 2006, 01:04 AM [ 50 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




لهذا ربما، كانت مطمئنة أن حلمه لن يتحقق أبداً وأن الأحلام غالباً ما تظل أحلاماً... ولهذا ربما، لم تكن تعترض على أحلامه، بل لم تكن تناقشها.. فذات يوم سيجد نفسه أمامها، هي روضة الحلوة المحبة، ولن يجد له خياراً سواها. لكن هاهو ذا الحلم تحقق.. على حين غرة، خرج عفريت من قمقم، وقال لعلاء الدين "شبيك لبيك، عبدك بين يديك.. اطلب وتمنّ، "وتمنى علاء الدين أن يذهب إلى فرنسا يدرس فيها الطب، فحمله العفريت إلى هناك أمام سمعها وبصرها وهي لا تملك إلا أن تقف مذهولة تكاد لا تصدق ما ترى.‏

-ضعي حطباً، بدور.. قالت الأم لابنتها وقد أحست بالنار تهمد.. كانت الفتاة قد جاءت بالابريق، وضعته على مدفأة الحطب ثم دارت على عقبيها، هامة بالخروج.‏

-تأمرين.. يماً.. ردت البنت بلهجة أمها البدوية التي كانت تداعبها بها أحياناً، ثم عادت تقرفص إلى جانب المدفأة تلقمها قطعاً حطبية عبر فوهة لا تشبع.‏

-قرأتها لك بدور، أليس كذلك، سألت الأم روضة التي كانت تتطلع إلى الرسالة وتشرد حيث لا تدري شمس.‏

-ثلاث مرات، أسرعت بدور للرد ضاحكة وهي تغادر الغرفة من جديد.‏

-لا تصدقيها، خالة، مرة واحدة قرأتها لي.. ردت روضة بنبرة التملص..‏

-وماذا في ذلك؟ مرة.. مرتين، ثلاثاً.. أنا أعلم أنه ابن حارتك ورفيق طفولتك.. وهو غال عليك.. فماذا إن كنت تهتمين بأخباره؟‏

"رفيق طفولة فقط؟ غال علي وحسب؟ آه يا خالة لو تعلمين ما أكن له في قلبي!؟" بدأت أفكار تعبر دماغها، لكن سرعان ما نفضت رأسها وهي ترى إلى الخالة تتأملها..‏

-لا شيء.. أكيد.. هو ابن حارتي.. ولم تستطع أن تكمل. كانت عينا شمس تحدقان إليها متغلغلتين في العمق وعلى نحو بدا لها كأنها تحاول أن تكشف الغطاء عن كل ما تخبئه هناك في العمق.‏

فجأة تذكرت شمس يوم رأتهما معاً متجاذبين متقاربين يكاد واحدهما يحشر نفسه في الآخر...‏

-هو ابن حارتك فقط؟ عقبت شمس مبتسمة وقد خطر لها أن تدخل معها في لعبة استغماية، فتقلب الأدوار...‏

وأطرقت الفتاة أرضاً فيما تحولت وجنتاها إلى بركتي دم "ماذا أقول؟ كيف يمكن للساني البوح بما في نفسي؟". شمس تعرف معنى هذه الإطراقة، تعرف معنى ذلك الاحمرار، تتذكر يوم خلعت ثياب الفارس الملثم وعادت فتاة إلى جناح الحريم.. كانت وجنتاها تحمران كلما فكرت بعزيز أو تحدثت عن عزيز!!" ايه فوز!! أتذكرين يوم كنت تسألينني عن حبي له فلا أدري ما أقول!!؟ أنا الفارس الملثم الذي خاض المعارك وواجه الرجال وبارز الفرسان كنت أتعثر وأتلجلج كلما أردت ذكره أو هممت بالبوح بما في النفس!؟".‏

-الشاي، خالة، هتفت الفتاة فجأة، وقد فار الإبريق على النار..‏

أسرعت شمس تبعد الإبريق عن المدفأة.. وهي تضحك.‏

-هذه المدفأة كالتنور!! سرعان ما يغلي عليها الشاي.. إلى جانب المدفأة راحت تصب الشاي، وهي تتذكر مواقد النار التي كانوا يشعلونها هناك في المضارب.. حيث الحطب أعواد سرعان ما تشتعل وسرعان ما تنطفئ، ليتحول الموقد إلى رماد. هنا.. الحطب من أشجار الغوطة، يقطعونها قطعاً متساوية جميلة، وفي المدفأة تتوهج ناراً وجمراً، هو خير علاج لبرد الشتاء.‏

-لكن خالة، أنا لم أفهم.. هل هو سعيد هناك؟ سألت الفتاة على حين غرة وهي تنظر من جديد إلى الرسالة.‏

-بالتأكيد.. ولم لا يكون سعيداً؟ ردت الأم وقد أحست بظلال شك توشح سؤال الفتاة.. فتى يحقق طموحاته ويحول أحلامه إلى واقع، كيف لا يكون سعيداً؟ ألم تسمعي ما قال: سألت الأم وهي ترفع الرسالة أمام عينيها قارئة فقرة من فقراتها.‏

-كل شيء هنا جميل يا أماه!! المدينة، الطبيعة، الغابات، الناس.. ولم تستطع روضة أن تتابع ما تقوله شمس. إذ سرعان ما شرد خيالها إلى الفتيات هناك "هن من يقصد بالتأكيد... فتيات باريس باهرات الحسن والجمال.. الكل يؤكدون ذلك فهل سيقع في شراكهن؟" لكن الأم قطعت عليها شرودها وهي تقدم لها الرسالة.‏

-انظري.. بنفسك.. ألا يبدو سعيداً من كتابته؟ خطه، أحرفه نفسها ألا تدل على مقدار راحته وسعادته؟‏


الأعلى رد مع اقتباس
إضافة رد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تأملات على الطريق دق تحية قدامك مهرسية مرافئ البوح 10 02 Feb 2011 10:22 AM
تأملات على الطريق مجدي الشدادي القسم العام 4 12 Feb 2010 10:10 AM
الطريق خوي الذيب قصائد مختارة 10 08 Jan 2007 10:47 PM
وجه الطريق دايم الشوق قصائد مختارة 18 12 Apr 2006 02:22 PM
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

08:45 AM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com