..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


العودة   شبكة الشدادين > المنتديات الأدبية > منتدى القصص والحكايات
 
أدوات الموضوع
إضافة رد
قديم 10 Feb 2006, 08:09 PM [ 21 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




لم يشعر بالوحدة الانفرادية طوال الوقت الذي كانت فيه إلزا حنونة معه, لكن برودتها تجاهه تزايدت خلال الأيام الأخيرة, فأصبح هو أكثر كآبة.‏

ثم طفق يعمل فجأة. فطلب صفائح حديدية وشبكة سلكية وعوازل وكومة من المواد الكهروتكنيكية, وأمر بجلبها جميعها إلى غرفة منفصلة, وأغلق على نفسه هناك يوماً كاملاً.‏

في الصباح التالي عادت إلزا إلى حنانها من جديد, وامتلأت حباً نحوه, لكن بدا أن هذا أيضاً لم يسره. اقترح عليها أن يتنزها في الجبال كي يتسلى, فهما لم يخرجا من المنزل منذ مدة طويلة. وافقت إلزا في هذه المرة عن طيب خاطر.‏

سارا بعيداً, وتوقفا للراحة في بـيت صغير أبـيض نظيف.‏

جلبت لهما العجوز المضيافة والكثيرة الكلام والفضولية حليباً, ثم قالت بعد أن استعلمت من أين هما:‏

- هاكما من أين أنتما! يقولون إنه ظهر هناك الآن شخص ما اسمه شتيرنر. لم يتركوا شيئاً لم يقولوه عنه عندنا! إنه مع زوجته الآن أغنى الناس في العالم, لكن مصدر هذه الثروة غامض! كم من البشر مات بسببه؟ كم منهم أفلس؟ وكم سال من الدم والدموع ...‏

قرع الباب ودخل إلى الغرفة فوراً دون انتظار الجواب خادم قدم من الفيلا وهو يلهث.‏

- المعذرة يا سيد شتيرنر, لقد أمرت بإيصال كل البرقيات المستعجلة دونما إبطاء.‏

ثم أعطاه البرقية وهو يمسح العرق عن جبـينه.‏

- ها هي ذي, استلمناها لتونا.‏

أسقطت العجوز المنشفة من يديها بسبب الاضطراب, وارتجفت وهي تنظر إلى شتيرنر بخوف.‏

فض شتيرنر البرقية وقرأها, ثم نهض فجأة وعبس وقال للخادم:‏

- يمكنك أن تذهب يا هان!‏

وبعد أن رمى قطعة ذهبية نحو العجوز المصعوقة, مدَّ يده إلى إلزا قائلاً:‏

- لنذهب, علينا أن نتجهز للسفر دون إبطاء.‏

نظرت العجوز في إثرهما طويلاً, ثم تناولتْ القطعة الذهبية بأطراف أناملها حذرة, وصلـَّت بهمس, ثم رمت القطعة النقدية في البالوعة.‏

- نقود ملعونة!‏

سألت إلزا بقلق:‏

- ماذا حدث يا لودفيغ؟ هل يعقل أننا سنعود إلى هناك من جديد يا حبـيبي؟ بهذه السرعة!‏

وألقت نظرة حزينة على السماء والساحل والبحر, كما لو أنها تودعها.‏

- وجودي ضروري, لقد أبرق زاوير بأن أعدائي استغلوا غيابي, وبدؤوا الصراع من جديد.‏

أصبح وجه لودفيغ قاسياً فجأة, وحرر يده من تحت يد إلزا بخشونة بالغة جعلتها ترتدُّ خائفة. ثم صرخ بغضب وهو يهز قبضته.‏

- المبلغ إلى مكانه, لعنكم الله!‏

ما إن سمع فالك الكلمة المألوفة حتى استلقى بطاعة على الطريق ووضع خطمه على قائمتيه.‏

عند وصول شتيرنر إلى البـيت وجد أن الوضع أكثر جدية مما توقع, فقد توحد عشرات الصيارفة المفلسين, وشكلوا مصارف جديدة تنافست بنجاح مع مصرف إلزا غليوك, وتمكنوا ليس فقط من اجتذاب قسم من الزبائن المصرفيين, وإنما افتدوا عدة معامل ومصانع ضخمة كانت توجد تحت سيطرة شتيرنر المالية. إضافة إلى ذلك فقد أعدت الحكومة قانوناً عن "المؤسسات المصرفية" موجهاً بوضوح ضد شتيرنر.‏


توقيع : كديميس

"لاتبحثوا عني بين كلماتي فهي لاتشبهني"
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Feb 2006, 08:10 PM [ 22 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




نسي شتيرنر إلزا, وانهمك مجدداً في الصراع أياماً كاملة دون أن يخرج من غرفته, لكن في هذه المرة تمكن شتيرنر من التغلب على خصومه بسرعة, ووضع يديه على المصارف المنافسة مجدداً, ولم يعد هناك أي حديث عن إصدار قوانين تحد من حرية عمليات شتيرنر. وأكثر من ذلك, فقد صدرت مجموعة من القوانين الجديدة التي تُشَرِّع الأنظمة الجديدة التي أدخلها شتيرنر إلى الممارسة المصرفية.‏

وحلت من جديد فترة من الهدوء النسبي لديه, فتقابل مع إلزا على نحو متكرر, واستأنف أعماله العلمية. زار "حظيرة حيواناته", وبنى أجهزة ما معقدة.‏

لكن رغم كل ذلك شعر بالتعب. فقد عاش حياة عصبـية جداً, وأنفق الكثير من الطاقة العصبـية. وقد وجد الطبـيب الذي دعي لمعاينته أنه مصاب بالحَرَض(3). هذا الوضع المرضي عمَّق لديه الشعور بالوحدة, وخصوصاً الآن عندما جرت الحياة بهدوء نسبي. حتى ملاطفات إلزا لم تهدئه, لا بل أثارته في بعض الأحيان.‏

وقال عبارة غير مفهومة لإلزا:‏

- ليس هو, ليس هو! هل أنت من يلاطفني, أم أنني ألاطف نفسي بـيدك؟‏

لكن موسيقاها كانت لا تزال تؤثر عليه تأثيراً مفيداً.‏

روح الوحدة الشريرة عذبته خصوصاً في الأمسيات مثلما تعذب شاؤول, فكان شتيرنر يهرع إلى "داوده", كما كان يسمي إلزا في تلك الدقائق. وكان يطلب منها:‏

- اعزفي, اعزفي يا إلزا! أريد موسيقا فهي تهدئني ...‏

كانت تنتصب أمامهما لوحات سعادتهما الصافية في الأسابـيع الأولى لسفرهما إلى الجنوب. وفاحت رائحة الأزهار من الحديقة الشتوية فخيَّم سحر الليل الجنوبي, لكن الحزن على السعادة المفقودة امتزج الآن مع هذا السحر.‏

وفجأة سمعا صوت زاوير:‏

- المعذرة لكوني أزعجتكما, هنئاني فقد وُلِدَ لي صبي اليوم صباحاً.‏

نهض شتيرنر وإلزا, وقد قلقا لسبب ما من هذا الخبر.‏

تابع زاوير وقد بدا عليه الإعياء الشديد والسعادة:‏

- حتى إنني لم أستطع إبلاغكما عن هذا هاتفياً, فأنا لم أنم طوال الليل ... قلقت. هي نائمة الآن.‏

- بسلامة؟‏

- كانت الولادة صعبة. وزوجتي ضعيفة جداً. مضاعفات في الكليتين. بقول الأطباء إنه من الضروري أن تسافر إلى الجنوب, ومن المحتمل أن ذلك لفترة طويلة, لكنها لا توافق على السفر من دوني. هل تخليان سبـيلي؟‏

ونظر زاوير إلى شتيرنر وإلزا نظرة رجاء.‏

استغرق شتيرنر في التفكير.‏

قالت إلزا:‏

- بالطبع, أليس كذلك يا لودفيغ؟‏

- سأعطيك الجواب بعد يومين, أعتقد أن ذلك سيكون ممكناً. أما الآن فاسمح لي أن أهنئك بزاوير الصغير.‏

انحنى زاوير.‏

- المعذرة, لكني مستعجل.‏

وخرج بعد أن ودعهما بسرعة.‏

أما إلزا وشتيرنر فقد وقفا ساندين مرفقيهما إلى البـيانو, وغرقا في أفكارهما.‏

4 - ذهان جماعي‏

مرَّ أسبوع ولم يسافر زاوير مع زوجته بعد. لم يخرج شتيرنر من غرفته تقريباً في الأيام الأخيرة وكان متجهماً جداً, حتى إن الأمسيات الموسيقية في القاعة الكبـيرة قد ألغيت. حاولت إلزا مقابلة شتيرنر في بعض الأحيان لكن شيئاً ما منعها, ومع ذلك فقد تسكعت في القاعة, وتوقفت وعقدت يديها وهمست بصوت خافت:‏

- كم أنا تعيسة!‏

في نهاية الأسبوع أخذ شكل شتيرنر يبهت بطريقة ما في وعيها, وكان وجهه يتراءى أمامها أحياناً فيبدو غريـباً ومخيفاً.‏

كانت تتفرس أكثر فأكثر في الأثاث المحيط بها بذهول, كما لو أنها تشاهده لأول مرة. ولاحقتها في نهاية الأسبوع هيئة زاوير. حبـيبي زاوير, كيف استطاعت نسيانه؟ لم تفكر إطلاقاً أن زاوير متزوج وأنه قد ولد لـه طفل, كما لو أن ذلك لم يكن. التقت بزاوير مصادفة فرمقته بتلك النظرة الحنونة, بحيث إنه نظر إليها مندهشاً, ثم تعكر فجأة واستغرق في التفكير, كما لو أنه يحاول تذكر فكرة ما غابت عنه.‏

قالت وهي تناديه باسمه مجدداً:‏

- أوتو, أنا لم أرك منذ فترة طويلة ... لماذا تتحاشاني يا أوتو؟‏

ثم أضافت بصوت خافت وقد مدت يدها نحوه:‏

- أنا وحيدة تماماً ... أحتاجك, يا أوتو...‏

كانا وحدهما.‏

جلس أوتو على الكرسي قرب إلزا, ومسح جبـينه براحته مسحاً قوياً. أيقظت كلمات إلزا اللطيفة ذكرياته النائمة.‏

أفصح وجه زاوير عن صراع مرير, وفجأة شقت طريقها فكرة ما فأنارت وجهه. أمسك إلزا من يدها ونظر إليها نظرات عشق, ثم نطق بصوت يقطعه الاضطراب:‏

- نعم, نعم, نحن لم نتقابل منذ فترة طويلة! إلزا, حبـيبتي, إلزا! كيف استطعت نسيانك؟ أنا لا أعرف ما الذي يجري معنا, لكن كما لو أن الضباب قد تبدد الآن فرأيتك بعد طول فراق. أين كنت يا إلزا؟ ما الذي جرى معك؟‏

جلسا كما لو أنهما تقابلا في حقيقة الأمر بعد فراق طويل محزن, ولم يستطيعا أن يشبعا نظراً أحدهما من الآخر.


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Feb 2006, 08:10 PM [ 23 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




أخذا يتحدثان عن حبهما مقاطعاً أحدهما الآخر, تحدثا عن كآبة الوحدة وعن السعادة بهذا اللقاء.‏

دقت ساعة البرج معلنة انتهاء الساعة إثر الساعة. تعالت الضربات مدوية في الغرف الفارغة, فيما هما يتابعان الجلوس والحديث دون أن يلاحظا الوقت.‏

لم يرسما أي خطط. لم يتذكرا الماضي ولم يفكرا بالمستقبل. لقد انتشيا بدقيقتهما الراهنة ببساطة, انتشيا بهذا الشعاع الذي اخترق اختراقاً مفاجئاً العتمة التي أحاطت أفكارهما وأحاسيسهما الحقيقية. ودقت الساعة مرة أخرى فقالت إلزا:‏

- إنها الساعة الثانية عشرة, كم تأخر الوقت! إلى الغد يا حبـيبي.‏

ثم بادرت إلى عناق زاوير أولاً, وقبلته قبلة طويلة وعنيفة.‏

لكن هذا "الغد" لم يأت.‏

لقد أخرجهما شتيرنر من تحت سيطرته مؤقتاً فقط, لأنه كان مشغول الرأس بهموم جديدة. صنع جهازاً ما معقداً, كان ينبغي أن يزيد من قدرته ومن سلطته على الناس. لقد دفعته تعقيدات جديدة ومسائل ضخمة ناشئة لتصنيع هذا الجهاز.‏

ازداد إنتاج الصناعات التي يشرف عليها ازدياداً غير عادي بفضل الإجراءات التي اتخذها, فرخصت البضائع وأشبعت السوق الداخلية بها. وأقبل شتيرنر على أزمة فائض إنتاج كارثية. كان الاستحواذ على الأسواق الأجنبـية فقط يستطيع إنقاذه, لكن عوائق ضخمة جابهته على الطريق نحو ذلك. فالدول الأجنبـية التي خافت من منافسة بضائعه الرخيصة فرضت رسوم حماية عالية. وكان ينبغي كسر هذا الحاجز مهما كلف الأمر. فالحرب الاقتصادية التي خاضها مع المنافسين الأجانب وصلت إلى مرحلة كان ينبغي فيها أن تتحول إلى صدام مسلح بصورة حتمية, لكن إعلان حرب حقيقية كان أمراً معقداً. في الحقيقة , لقد فعل بالحكومة كل ما أراد, ولكن مع ذلك كانت الحكومة عقبة بـين إرادته والعمل, فقرر أنه قد آن الأوان كي يقضي على الحكومة, ليصبح هو ذاته حاكم البلاد الوحيد والمطلق, فيخضع لإرادته ملايين الناس, ويوحي إليهم بفكرة ضرورة الحرب, فيذهبون للموت بسعادة مثلما مات جنود نابليون.‏

لكن كان يلزمه لذلك سلاح ذو قدرة غير عادية, "بعيد المدى" يقهر أفكار الناس وإراداتهم, سلاح للإيحاء الجماعي, أمواج راديوية ... وعمل عملاً مركزاً لصنع ذلك, فنسي مؤقتاً الناس المحيطين به.‏

حُلَّت مسألة شتيرنر في ذلك اليوم الذي افترقت فيه إلزا عن زاوير بقبلة. وتذكرهما في الليل فقط. تذكرهما فانقلب كل شيء في نفسيهما. عاد زاوير إلى حب "خادرته" الصغيرة إيما وإلى عبادة الطفل, أما إلزا فكررت بحنان اسم لودفيغ في منامها ما قبل الصباحي.‏

قدمت إليه صباحاً وقبلته على جبـينه في غرفة المكتب, ثم قالت:‏

- حبـيبي لودفيغ, عندي لك طلبان!‏

- مرحبا يا عزيزتي … طلبان كاملان! مُريني يا أميرتي.‏

- غوتليب هنا.‏

- غوتليب ثانية؟‏

- إنه غوتليب الشاب, رودولف.‏

- لكن الشاب يشبه العجوز, كما تتشابه قطرتا ماء. تلزمه النقود, أليس كذلك؟‏

- لقد تشاجر رودولف مع أبـيه عندما علم أن العجوز قد حصل على مئتي ألف منا ولم يعطه شيئاً, لذا يرجو رودولف غوتليب...‏

- ولا بأي حال من الأحوال!‏

- لكننا أغنياء جداً يا لودفيغ!‏

- يمكن أن نعطي صدقة للعجوز مهما كان السبـيل لإنفاقها, لأننا بالضبط أغنياء جداً, أما إعطاء هذا الصبي فإنه يعني إعطاءه مبرراً للتفكير بأننا انتزعنا منه لقمة العيش بطريقة ليست سوية تماماً, وأننا ذاتنا نعترف بذلك. وعندئذ لن تتخلصي منه. وسيبدأ بابتزازنا. لا يحتاج العجوز للكثير وهو راض, أما رودولف … فإنه لا يزال خطراً. كلا, كلا يا عزيزتي. لا يمكنني فعل ذلك حفاظاً على مصالحك.‏

- لكنني وعدته تقريباً ...‏

فكر شتيرنر فقد كان مزاجه جيداً, وأرغمته إحدى الأفكار على الابتسام.‏

- سأتحدث معه بنفسي. اجلسي يا إلزا. دقيقة واحدة.‏

اختفى شتيرنر في غرفته ثم عاد من هناك سريعاً.‏

- سأمزح معه مزحة تجعله يقلع عن هذا المنزل. كان باستطاعتي إرغامه على نسيان بـيتنا ببساطة, لكن ضمه إلى عداد من هم "تحت الوصاية" لا يبهجني إطلاقاً.‏

قال شتيرنر الجملة غير المفهومة لإلزا, ثم قرع الجرس وأمر الخادم الذي دخل بأن يدعو رودولف غوتليب.‏

دخل غوتليب الذي لم يكن يشبه الملتمس. لقد تصارع في داخله الطمع الذي قاده إلى هنا مع الكرامة المزوقة.‏

قال شتيرنر:‏

- اجلس أيها الشاب, هل تلزمك النقود؟‏

اهتز رودولف من هذه المعاملة, لكنه تمالك نفسه واحمر وجهه الأنمش فقط, ثم قال وقد بقي واقفاً:‏

- نعم تلزمني النقود. وكما يتهيأ لي ... فإن طلبي ليس دون أساس إطلاقا.‏

"فكر شتيرنر: غبي! إنه يجرد نفسه من السلاح بهذه البداية".‏

- إذا كنت تصوغ المسألة بهذا الشكل, أيها السيد غوتليب, فعليك باللجوء إلى الجهات القضائية الملائمة للبرهنة على وجاهة اعتراضاتك "القانونية".‏

أجاب رودولف بعبارة محضرة مسبقاً:‏

- هناك معايير أخلاقية إضافة للمعايير الحقوقية. ولا حاجة للبرهنة على حقوقي المعنوية.‏

- بالأخلاق تدار أعمال الإحسان, وهنا لا توجد مؤسسة خيرية.‏

احتدم رودولف فجأة:‏

- كفاك نزوات! إما أن ترضيني أو أنني ...‏

- أخ, أنت تهددني؟ أنا معتاد على إبعاد أمثال هؤلاء الزوار باحترام خاص.‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Feb 2006, 08:11 PM [ 24 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




صفر شتيرنر, فسُمِع من غرفة المكتب المجاورة وقع أقدام ناعمة لكن ثقيلة, ودخل دب بني إلى غرفة المكتب متهادياً من قدم إلى أخرى على قائمتيه الخلفيتين, ثم اقترب بصمت من رودولف, وأنشب قائمتيه في صدره, وأخذ يدفعه نحو الباب الخارجي.‏

امتقع رودولف, ووصل إلى الباب وهو نصف حي من الخوف, ثم هرع يركض فجأة هارباً من الدب الذي يلاحقه وهو يصرخ صراخاً هستيرياً.‏

كانت إلزا خائفة, فيما قهقه شتيرنر بعد أن استلقى في المقعد.‏

- هذه أفضل طريقة للتخلص من الزوار غير المرغوبـين. لن يظهر مجدداً, اطمئني!‏

ثم ضحك مجدداً.‏

رن الهاتف.‏

- آلو! شتيرنر, نعم أنا أسمعك. أ هذا أنت ثانية يا سيد غوتليب؟ لن تترك الأمر يمر هكذا؟ أوهو! وهل تطلق النار جيداً؟ نعم, نعم. لكنني أنصحك فقط بألا تتصيدني قرب المنزل! واعلم أنني قد أعطيت أمراً ملزماً لأصدقائي من ذوي القوائم الأربعة كي يمزقوك إلى قطع مثل جدي غبي إن وقعت أعينهم عليك ثانية! ماذا, موت عمك؟ قاتل؟ قل لي من فضلك! نعم, نعم ... أتمنى لك التوفيق!‏

قال شتيرنر وهو يضع سماعة الهاتف:‏

- أحمق.‏

- لودفيغ هل يمكن إخافة الناس بمثل هذا الشكل؟‏

- يا عزيزتي, إنه أكثر الأسلحة براءة في ترسانة الصراع الإنساني. لكن كان لديك طلب ثان أيضاً؟‏

- أنا الآن لا أعرف ...‏

- لا تقلقي. فمحميك الثاني لن يقع في قبضة دب. من هو؟‏

- إنها إيما. لقد كنت عندها. وقد رجتني كي ندع زاوير يسافر معها إلى الجنوب. علاجها ضروري وهي لن تذهب دون زوجها.‏

- نعم, يمكن. الآن يمكن. سأدبر نفسي من دون زاوير.‏

ثم كرر شتيرنر بعد أن تناول عدد الجريدة الصباحي:‏

- الآن يمكن! على فكرة هل قرأت جريدة اليوم؟ هاك اقرئي, ملاحظة طريفة. اقرئي بصوت مسموع.‏

أخذت إلزا الجريدة التي علم شتيرنر عنواناً فيها بقلم أحمر.‏

"ذهان جماعي‏

لوحظت ظاهرة غريبة في المدينة في الحادية عشرة ليلاً من مساء الأمس, واستمرت مدة خمس دقائق لدى كثير من الناس. عددهم لم يحدد بعد, ولكنه وفقاً للمعطيات الموجودة يزيد عن عدة آلاف شخص. فقد ظهرت فكرة ملحاحة, والأصح لحن لجوج من الأغنية المعروفة "حبـيبي أوغسطين". مثل هذه الأفكار الملحاحة وُجدت سابقاً أيضاً لدى أشخاص منفردين ممن يعانون من الاضطرابات العصبـية. الميزة غير المفسرة لهذه الحالة هي طبـيعتها الجماعية. وقد كان أحد موظفي جريدتنا ذاته ضحية هذا الذهان.‏

وهاكم كيف يصف الحدث:‏

- جلست مع صاحبي, الناقد الموسيقي المعروف في المقهى. اشتكى الناقد الشديد الغيرة على الموسيقا الكلاسيكية من هبوط الأذواق الموسيقية, ومن توسخ المسارح الموسيقية بفرق الجاز المبتذلة والفوكستروتات. وتحدث بحزن عن أنهم نادراً ما يُقدِّمون القدماء العظام مثل بـيتهوفن وموتسارت وباخ. استمعت إليه بانتباه وأنا أهز رأسي لأنني من أنصار الموسيقا الكلاسيكية. وفجأة لاحظتُ ببعض الرعب, أنني أدندن ذهنياً لحناً لأغنية تافهة هي: "حبـيبي أوغسطين". ففكرت: "ماذا لو أن سميري علم بذلك؟ وبأي ازدراء كان سيعرض عني!..". وتابع حديثه, لكن كما لو أن فكرة ما لجوجة كانت تلاحقه ... حتى إنه كان من وقت لآخر ينفض رأسه, بالضبط وكأنه يطرد ذبابة أسأمته. كانت الحيرة مرتسمة على وجهه. وأخيراً صمت الناقد, ثم أخذ ينقر إيقاعاً على الكأس بالملعقة, فأصبت أنا بالدهشة لأن نقرات الملعقة كانت مطابقة تماماً لإيقاع الأغنية التي جالت في رأسي. وفجأة خطر لي هاجس غير متوقع, ولكنني لم أقرر الإفصاح عنه بعد. وتابعت بتعجب مراقبة نقرات الملعقة.‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Feb 2006, 08:12 PM [ 25 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




صعقت الأحداث اللاحقة الجميع:‏

أعلن المايسترو وهو يرفع عصاه:‏

- زوبـيه, "الشاعر والفلاح".‏

لكن الأوركسترا عزفت فجأة "حبـيبي أوغسطين". عزفت بالوتيرة والنبرة ذاتهما … فوقفنا أنا والناقد وجميع الجالسين في المطعم مثل رجل واحد, وبقينا واقفين دقيقة وكأننا أصبنا بالكزاز. ثم تكلم الجميع فوراً فجأة, ولوحوا بأيديهم باهتياج, ونظروا بعضهم إلى بعض في حيرة تامة. كان واضحاً أن هذا اللحن الملحاح قد تعقب الجميع في الوقت ذاته. وسأل الناس الغرباء بعضهم بعضاً, فاتضح أن الأمر كان كذلك. استدعى هذا انفعالاً استثنائياً, وتوقفت الظاهرة بعد خمس دقائق بالضبط.‏

ووفقاً للاستعلامات التي أجريناها, فقد عمَّ هذا اللحن الملحاح جميع القاطنين حول ساحة البورصة وشارع المصرف تقريباً. وقد دندن كثيرون اللحن بصوت مسموع وهم ينظرون برعب بعضهم إلى بعض. وحدثنا من كان في الأوبرا أن فاوست ومارغريتا أديا فجأة "حبـيبي أوغسطين" بمرافقة الأوركسترا عوضاً عن تأدية الدويتو"آه, يا ليلة الحب". وعلى هذه الأرضية فقد عدة أشخاص عقولهم فأخذوا إلى مشفى الأمراض النفسية.‏

وتنتشر مختلف الإشاعات عن أسباب ظهور هذا الوباء الغريب. ويقدم ممثلو الوسط العلمي الأكثر اطلاعاً اقتراحاً بأننا نتعامل مع قضية ذهان جماعي, على الرغم من أن طرق انتشار هذا الذهان لا تزال غير معللة. وبغض النظر عن الشكل البريء لهذا "المرض", فإن المجتمع قلق قلقاً استثنائياً لسبب مفهوم تماماً, فكل ما هو "غير معلل" ومجهول يخيف ويذهل الخيال البشري. زد على ذلك أنه ظهرت تخوفات من أن "المرض" يمكن أن يعود للظهور بأشكال أشد خطراً. كيف يمكن مكافحته؟ كيف نحتاط ذاتياً؟ لا أحد يعرف هذا, مثلما لا أحد يعرف أسباب ظهور "المرض". وقد تشكلت على عجل لجنة من ممثلي الوسط العلمي, وحتى من النيابة العامة التي ستسعى لكشف سر الأغنية المرحة التي ألقت الرعب بـين الجمهور الساذج . لنتحلَّ بالصبر ولنحافظ على الهدوء. فمن الجائز ألا نجد كل شيء بتلك الجدية والخطورة التي تبدو للكثيرين".‏

أنهت إلزا القراءة ونظرت نحو شتيرنر ثم سألته:‏

- ما الذي يعنيه كل ذلك يا لودفيغ؟‏

- هذا يعني أن كل شيء رائع! فلنذهب لتناول الإفطار يا عزيزتي!‏

5 - لجنة الإنقاذ الاجتماعي‏

خلافاً لتأكيدات الجرائد المُطَمئِنة فقد تبـين أن الأغنية الألمانية المرحة التي أزعجت سكان المدينة الضخمة هي قضية جدية, توحي بتخوفات كبـيرة.‏

لم يمض أسبوع منذ ذلك الوقت الذي اضطر فيه آلاف الناس لغناء هذه الأغنية, حتى حصلت حادثة أقلقت على نحو أكبر ليس المجتمع فقط وإنما الحكومة أيضاً.‏

في منتصف النهار تماماً أوقفت كل الحركة لمدة دقيقة في قسم من المدينة. كان يمكن الظن بأنه يجري "إضراب ما احتجاجي لمدة دقيقة", لكن الإضراب لم يسبق لـه مثيل من حيث تنظيمه وشذوذه.‏

توقف عمل المؤسـسات فجأة, كما لو أنه بإشارة من صولجان سحري.‏

كف الموظفون عن الكتابة, كما لو أن شللاً لحظياً كبل أيديهم. وتجمد الباعة في المخازن وهم يناولون البضائع للشارين, ووقفوا دون صوت بأفواه فاغرة وابتسامات متسمرة مثل المصعوقين.‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Feb 2006, 08:13 PM [ 26 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




تحول الموسيقيون في أوركسترات المطاعم إلى تماثيل, وتسمرت الأقواس في أيديهم. كما تثبت الزوار في وضعياتهم, منهم من رفع الفنجان بـيده, ومنهم من قرَّب قطعة لحم بالشوكة إلى فمه المفتوح.‏

لكن أكثر ما أدهش هو منظر الشوارع والساحات التي لفَّها التجمد الغريب. هاهم أولاء الخفراء برفقة معتقل في وسطهم. كان المعتقل يستطيع الهرب بسهولة من حراسه المتحجرين لو أنه لم يتسمر هو ذاته وقدمه مرفوعة. وفي السوق مد طفل جائع يده إلى فطيرة وقد حنى جسمه بقوة وباعد قدميه ليهرب, في حين انقضت البائعة عليه بهيئة دجاجة تدافع عن صيصانها من حدأة مغيرة. كان في هذه المجموعة المتحجرة الكثير من الحركة وقوة التعبـير والحيوية, بحيث إن النحات كان سيدفع كثيراً كي يملك إمكانية إيصال موديلاته الحية إلى تلك الحالة, كما لو أن لقطة فوتوغرافية برهية قد ثبتت اللعبة اللحظية لتعابـير الوجوه وحركة العضلات.‏

شمل التخشب ذاته المارة الموجودين على الأرصفة. وأعجَبُ ما في الأمر كان أن الظاهرة الغريبة استحوذت على الحركة في المدينة بشكل شريط. وكان كل عابر سبـيل يدخل المنطقة الغامضة يتحجر لحظياً, في حين لم تتوقف الحركة المعتادة في الجهتين المحاذيتين لهذه المنطقة. أما السيارات التي دخلت بتسارع إلى هذه "المنطقة الميتة" فقد انسلت منها. أو الأصح, أن الآلة قد حملتها, لأن السائق والركاب كانوا يفقدون قدرتهم, ليس على الحركة فقط وإنما على التفكير مدة دقيقة كاملة.‏

لم تستدر السيارات على المنعطفات, فاقتحمت البـيوت واصطدمت واحدتها بالأخرى متكدسة على شكل مواكب كاملة. وحدثت كارثة لقطارين على السكك الحديدية في المدينة. زد على ذلك أن أحد القطارين كسر الركيزة وسقط على الشارع.‏

لم يكد المجتمع يثوب إلى رشده بعد هذه الهزة حتى أصيبت المدينة بضربة جديدة. فقد عبرت المدينة على شكل شريط موجة خبل ما جماعي استمرت خمس دقائق. فتملك الجميع هياج شديد. وكانت مادة الجنون في هذه المرة كلمة "الحرب".‏

صرخ الرجال وهم يلوحون بالعصي والمظلات, وصرخت النسوة والعجائز والأطفال بحماسة غير عادية:‏

- الحرب, الحرب حتى النصر! الموت للأعداء!‏

وغنوا الأناشيد الوطنية دون تناسق. كانت وجوه الجميع رهيبة. وبدا كأن هؤلاء الناس قد ثملوا من الدم, وأنهم يرون أمامهم عدواً مميتاً.‏

- الموت أو النصر! الحرب! عاشت الحرب!‏

كان التعطش للعمل والنضال والدم قوياً إلى درجة حصول سلسلة من المذابح في الطرقات. فقد تقاتل الرجال والأولاد بعضهم مع بعض. وأحاطت النسوة بسيدة بدينة توهمن أنها أجنبـية, وضربنها بالمظلات إلى حد أنه لم يبق من المظلات إلا أسياخها المحنيَّة. كانت وجوههن ممتقعة, والتهبت أعينهن بالكراهية. سقطت قبعاتهن على الأرض واسترسلت شعورهن. وتابعن ضرب المرأة المنكودة بنوع من السادية المقارب للتلذذ الشهواني بالقسوة. وخيل إليهم وجود جواسيس أجانب في كل مكان. أوقف جمهور الرجال سيارة إسعاف سريع عابرة, وأخرج منها جاسوساً متخيلاً. نزع الرجال الضمادات عن جسد المنحوس المحروق. صرخ المريض, أما الناس الذين جنُّوا فقد جاسوا في الضمادات بحثاً عن أوراق سرية.‏

كانوا جميعهم, رجالاً ونساء, عجائـز وأطفالاً, بهذه الحالة إلى درجة أنهم كانوا سيذهبون حقيقة للموت في ساحات الوغى. وكانوا سيموتون وهم يفكرون ليس بأنفسهم, وإنما كيف سيقـتلون فقط.‏

انتهت نوبة الجنون فجأة تماماً مثلما بدأت.‏

نظر الناس المصعوقون والمصدومون إلى المضروبـين والجرحى, وإلى آثار الدماء على الأرض, وإلى بذاتهم الممزقة غير المرتبة, وإلى شعورهم, ولم يستطيعوا أن يفهموا ما الذي يعنيه كل هذا.‏

اللجنة المشكلة لتقصي أسباب خبل الناس الجماعي في موضوع الأغنية المرحة سرعان ما تحولت إلى هيأة للإنقاذ الاجتماعي.‏

الإنقاذ ممن؟ لم تعرف اللجنة ذلك, لكن لم يعد أحد يشك بأن المجتمع مهدد بخطر شديد لم يسبق لـه مثيل في التاريخ. خطر من عدو مجهول غير مرئي قد يكون شخصاً أو ميكروباً. بدا العدو الجديد الخفي للحكام أخطر من الحروب والثورات, تماماً لأنه كان غير مرئي. لم يكن معروفاً من أين سيأتي الخطر الجديد وكيف سيكافح. كان قلق المجتمع غير اعتيادي. ففي كل يوم كان يجن عشرات الأشخاص, وكانوا ينهون حياتهم انتحاراً لأنهم لم يكونوا قادرين على تحمل الانتظار المتوتر لمصائب جديدة مجهولة. وحافظت الحكومة والصحافة بصعوبة بالغة على سير الحياة المعتاد. وبدا أن ضغطاً قليلاً أيضاً سيؤدي ليس إلى انحلال الدولة فقط, ولكن إلى انحلال جميع أسس العيش المشترك وتحولِ المجتمع إلى مشفى شاملة للمجانين.‏

شُعِرَ بذلك في العاصمة بقوة غير عادية. فقد وُجِدَ أنذال غذوا بأنفسهم هذا الذعر عن طريق نشر الشائعات الفظيعة, على الرغم من أنهم لم يستـسلموا للذعر بتلك الدرجة.‏

- ستحل قريـباً نوبة جديدة للمرض. وسيبدأ بعض الناس بقرض رقاب بعضٍ.‏

- سيتوقف البشر عن التنفس وسيموتون اختناقاً وهم يعانون عذاباً شديداً.‏

- سيحل النوم الفجائي ولن يستيقظ أحد أبداً ...‏

وقد صدَّقوا كل هذا.‏

لقد بدا كل شيء ممكناً بعد حصول ما حصل.‏

باع الناس بـيوتهم وأشياءهم بأبخس الأثمان لمن ضارب مستغلاً الذعر, ورحلوا من المدينة إلى أماكن لم يطلها الوباء بعد.‏

اجتمعت لجنة الإنقاذ الاجتماعي من دون انقطاع تقريـباً. وجرت هذه الاجتماعات في قبو عميق من مبنى بلدية المدينة, وأحيطت بالكثير من السرية خوفاً من أن تنكشف أمام العدو الخفي, فيما لو كان كائناً حياً. وبقي السر غير مفضوح على الرغم من أن أعضاء اللجنة قد اجتمعوا في النهار وفي الليل بالتناوب.‏

وُجد تضارب بـين العلماء والخبراء المدعوين.‏

قدم الأطباء النفسيون فكرة الذهان الجماعي والتنويم المغنطيسي, فقد خضعت ثورة المشاعر القتالية المتعطشة للدماء لهذا التفسير العلمي, ولكنه كان من الأصعب تعليل الأداء المتزامن للأغنية ذاتها من قبل جمهور الناس. لقد بدت هذه الأغنية للعلماء ظاهرة أكثر خطورة من الهيجان المفاجئ لجمهور الشارع بغض النظر عن براءة "المرض". فالعلم يعرف أمثلة عن قابلية انتقال عدوى الانفعالات المعبر عنها بوضوح تعبـيراً خارجياً, ويعرف أمثلة عن "إجرام جمهور" التنويم المغنطيسي الجماعي. لكنه يجهل أشكال التنويم المغنطيسي الجماعي "المكتوم".‏

وبدت الإشارة إلى السحرة الهنود, وكأنهم قادرون على فعل شيء مشابه, غير مقنعة. فكل أعاجيـبهم التي تبدو وكأنها تنفذ بوساطة التنويم المغنطيسي الجماعي لم تختبر ولم تدرس, وقد حبكها خيال الرحالة المتوهمين. ولم تقد إلى شيء أيضاً "الفرضية الميكروبـية" التي حاولت تفسير الظاهرة الغامضة بفعل ميكروب جديد. وفُحِص فحصاً دقيقاً مئات الأشخاص من المتعرضين "للمرض" الجديد, إذ حلل الأطباء دماءهم, لكنهم لم يجدوا أي ميكروب.‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Feb 2006, 08:14 PM [ 27 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




قال المهندسون الكهربائيون:‏

- ستحل المسألة في حقل مختلف تماماً. أقوى الاحتمالات أننا نتعامل مع أمواج راديوية يتلقفها جسم الإنسان مباشرة.‏

سألهم المهندسون القدماء بسخرية:‏

- مستقبلات راديوية بشرية؟ هل هذا شيء من حقل الخيال؟‏

أجابهم الأولون:‏

- والراديو ذاته, أليس من حقل الخيال؟‏

هز العجائز أكتافهم.‏

- برهنوا لنا!‏

- سنبرهن!‏

وأقبل المهندسون على إجراء التجارب أسوة بزملائهم الأطباء.‏

وعمل يوهان كرانتس عملاً مركزاً لكشف هذا السر, في الوقت ذاته الذي جلس فيه العلماء في مخابرهم وراء ميكروسكوباتهم وصماماتهم المهبطية.‏

لم ينتم يوهان كرانتس إلى فئة العلماء الجليلة. لقد كان عبارة عن شرطي تحري فقط. رجل ذو خبرة مهنية كبـيرة وذو عقل غير رديء. حتى إنه لم يطرح على نفسه السؤال حول من هو العدو: هل هو ميكروب أم إنسان؟ لأنه ينبغي إيجاد العدو كائناً من كان, وبتلك الطريقة التي قادت كرانتس نحو الهدف مراراً. آثار الجريمة! هذا ما يهم التحري. لقد كانت أكثر من كافية. ينبغي فقط استخدامها بمهارة. وأقبل كرانتس على العمل بقوة, وقد أثارته أهميته وسريته, وكذلك رغبة مغرورة لسبق العلماء الكثيري التفكير الذين يضعون النظارات.‏

جلس الليالي بطولها في غرفة المكتب الكبـيرة خلف طاولة المكتب المطمورة بغنائم انتصاراته, وهي صور المجرمين وبصمات الأصابع ومفاتيح مشتركة وأدلة مادية. وانكب على مخطط المدينة الكبـير, منظماً جميع أخبار الجرائد وبلاغات الشرطة عن آخر الأحداث.‏

سبح في دخان التبغ بالمعنى الحرفي, ونادراً ما جدد هواء الغرفة, نفث الدخان مجدداً, ورسم على الخريطة خطوطاً ما متقطعة, كما لو أنه قد تعقب مجرماً تعرف إليه.‏

ثم صرخ وهو يصل خطين بزاوية حادة على خريطة المدينة:‏

- جاهز!‏

كانت الساعة الرابعة صباحاً. طوى كرانتس مخطط المدينة باستعجال, ووضعه في حقيـبته الرثة, ثم استدعى سيارة وانطلق إلى اللجنة.‏

صرخ وهو يطير راكضا نحو القاعة المقنطرة:‏

- خبر مستعجل, السر ينكشف.‏

اضطرب المجتمعون الذين كانوا كثيرين جداً رغم تأخر الوقت, وسأل أحد أعضاء اللجنة بقلق:‏

- هل كشفت السر؟‏

أجاب كرانتس:‏

- لقد قلت السر ينكشف, وهو سينكشف. لقد وجدت مكان إقامة الميكروب المجرم أو الإنسان. لقد وجدت تلك البؤرة التي يصدر عنها التأثير الخفي.‏

ثم تابع كرانتس وهو يخرج الخريطة باستعجال ويفردها على الطاولة بادئاً بالشرح, وقد احتشد الجميع حوله:‏

- طريقتي بسيطة جداً: لقد رتبت جميع المواد الخاصة بالأحداث غير المفسرة كي أحدد بدقة المناطق المصابة "بوباء الخبل". وهاكم ماذا نتج. لم تعطني حالة الأغنية الكثير. لقد شمل هذا الوباء قسماً من المدينة بدائرة نصف قطرها نحو الكيلومترين. ولوحظ اللحن الملحاح متدرجاً في ضعفه خارج الكيلومترين, ولم يمس أحداً عند الكيلومتر الثالث. ووُجد مركز هذه الدائرة حول ساحة البورصة وشارع المصرف تقريـباً. وقرب هذا المكان بالضبط سُجِلت تلك القوة للجاجة اللحن, بحيث إنهم لم يفكروا به فقط وإنما أدّوه بصوت مسموع. ولم أتمكن مع الأسف من تحديد هذا المركز تحديداً رياضياً دقيقاً, لأنني لم أتمكن من إنشاء تدرج تناقصي لقوة اللجاجة على أساس الاستنطاقات. فالأشخاص الذين كانوا في المكان ذاته يعطون بـيانات مختلفة جداً, ومن الواضح أن الخواص الذاتية أجبرت كل واحد على التلقي تلقياً مختلفاً.‏

قال أحدهم بخيـبة أمل:‏

- ذلك فقط؟‏

- ليس ذلك فقط أبداً. فقد أعطى الوباء اللاحق أكثر بكثير. لقد سار هذا الوباء وفق اتجاه معروف, وشمل قطاعاً ضيقاً نسبـياً, وانتهى في مكان محدد. حصلت على شيء يشـبه الشعاع, الذي يبتدئ من مبنى مصرف إلزا غليوك.‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Feb 2006, 08:15 PM [ 28 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




ضجَّ الجمهور.‏

- شتيرنر! إنه هو طبعاً! لقد قلت!‏

ذُكِرَ اسم شتيرنر في اللجنة أكثر من مرة.‏

قاطعهم كرانتس :‏

- لا تتعجلوا بالاستنتاج أيها السادة. لقد كنت واثقاً أيضاً أن الخيوط تقودني إلى شتيرنر, ولكنني انتظرت بفارغ الصبر "الحفلة" التالية من أجل التأكد. وكان "الخبل الحربي" هو هذه الحفلة. لقد اخترق المدينة أيضاً مثل شعاع, ووصل إلى منزل غوتليب, منزل إلزا غليوك الآن. ونتجت زاوية حادة. ولكن لو وصلنا النهايات, فإن نقطة المنطلق ستكون خلف مبنى إلزا غليوك. وستقع في المبنى المجاور. هاكم, هل تتفضلون بالمشاهدة؟‏

ثم أراهم الخريطة وأعطاهم الشروح.‏

- ما الذي يوجد في هذا المبنى المجاور حيث يقع رأس الزاوية؟‏

- مطعم "أمبـير". إلى هناك يجب أن يتوجه بحثنا.‏

ولطم كرانتس الخريطة براحته الدهنية, كما لو أنه قتل ذبابة.‏

كانت براهين كرانتس بسيطة ومقنعة. فقررت اللجنة بعد مداولات قصيرة إجراء تفتيش عام في مطعم "أمبـ‎ير" وفي الغرف الموجودة في ذلك المبنى.‏

وتواً استنفرت كل الشرطة هاتفياً.‏

أحاطت بالمبنى على شكل حلقة متراصة مفرزة كبـيرة من الجنود, الذين فتشوا القاطنين المذعورين, وقلبوا كل شيء رأساً على عقب من العلية إلى القبو, لكنهم لم يجدوا شيئاً مثيراً للشك رغم كل مساعيهم.‏

تجهم كرانتس ولكنه لم يستسلم.‏

- واحد ما من زوار المطعم كان يستطيع القيام بكل هذا السحر.‏

كان هذا غير ممكن أيضاً.‏

حظروا على جميع المقيمين في المبنى حظراً صارماً الحديث عن التفتيش الليلي إلى أي كان. واعتقلوا عدة أشخاص ممن أثاروا شكوكهم, وقرروا وضع مراقبة غير معلنة على رواد المطعم.‏

ومع ذلك فقد ذاع الخبر في المدينة. واجتاح الجمهور المهتاج المطعم, فاضطروا إلى إغلاقه.‏

تأوه كرانتس وشتم وقد كدَّره الفشل, ثم قال:‏

- لكن سنصارع أيضاً. كائناً من كان خصمنا, فإنه يعرف الآن أننا نسير وراء الأثر الصحيح. وسنرى إن كان سيجرؤ على تذكيرنا بنفسه ثانية. فالخط الثالث سيقرر مصيره.‏

(1) الموغيكان: قبيلة من الهنود الحمر الأمريكان, أُبيدت أغلبيتها, وحُصِرَت بقاياها في مناطق مغلقة خاصة. وغدا تعبير آخر الموغيكان كناية عن آخر ممثلي جهة ما أو ظاهرة ما.‏

اشتهر هذا المصطلح بعد أن نشر الكاتب الأمريكي جيمس فينيمور كوبر روايته الشهيرة "آخر الموغيكان".‏

(2) القبَّات: زهور النرجس الرومي, أو زهور المسك الرومي.‏

(3) الحَرَض: فساد في البدن والعقل, وهو كذلك الضيق النفسي المرضي.‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Feb 2006, 08:16 PM [ 29 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




القسم الثالث

1 - بـيت صغير عند البحر‏

تأرجحت أوراق النخيل التي حركها هواء ساحلي معتدل تأرجحاً رتيباً, مثل مروحة ضخمة حركتها يد خفية. لفحت الشمس دون رحمة رغم أنها كانت في ساعة مبكرة. وسقطت من النخيل على الأرض ظلال سوداء ضاربة إلى الزرقة.‏

انتصب على سفح الجبل بـيت صغير ذو سقف مستو وشرفة واسعة تطل على ساحل المحيط. وامتدّت غابة استوائية خلف المنزل. احتشدت النخلات بكثافة حول البـيت وأخفينه عن القيظ بأوراقهن العريضة. وزنَّر سور حي من نباتات شوكية قطعة الأرض حول الدار. انتصب المنزل منفرداً. ووُجِدَت مدينة صغيرة خلف سلسلة جبلية غير عالية.‏

جلست امرأة شابة شقراء على الشرفة لتناول قهوة الصباح, وقد ارتدت بذلة صيفية بـيضاء, وانتعلت بقدميها العاريتين حذاء مضفوراً من منتجات محلية.‏

سأل الخادم العجوز الذي يرتدي قميصاً فضفاضاً وسروالاً أبـيضين, وينتعل مثل ذلك الحذاء المضفور:‏

- هل تريدين فنجاناً آخر؟‏

- كلا, يا هانس, أشكرك. يمكنك إبعاد القهوة. كيف حال قدميك يا هانس؟‏

- أشكرك, ممتاز. لقد شفتني هذه الشمس شفاء رائعاً. قليلاً جداً أيضاً وسوف أرقص!‏

- هل السيدة شميتغوف في المنزل؟‏

- ذهبت لجلب المؤونة. ينبغي أن تعود قريباً. هل تحتاجين لأي شيء يا سيدتي؟‏

- كلا, أشكرك, لا بأس.‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Feb 2006, 08:17 PM [ 30 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




خرج هانس. تنهدت إلزا وتناولت المروحة المصنوعة من أوراق النخيل, وأدارت الكرسي الخفيف المضفور نحو المحيط, ثم أخذت تنظر إلى أشعة الشمس الصباحية المتلألئة على سطح الماء وهي تلوح بالمروحة بهدوء.‏

انقضت سنوات ثلاث منذ ذلك الزمان الذي انتقلت فيه للإقامة هنا مع إيما وطفلها الصغير والسيدة شميتغوف التي توسلت كي تأخذها معها.‏

كان هانس خادم كارل غوتليب العجوز أول شخص التقته هنا. لقد كان ذلك الشخص المؤتمن الذي كلفه شتيرنر قبل انسحابه أن يهتم بإلزا. سعى شتيرنر"لتثبـيت" وفاء هانس بإشعاع فكري ذي قوة كبـيرة. حقق شتيرنر آنذاك نجاحاً كبـيراً في الإيحاء الفكري لمدة طويلة. فلقد حضَّر نفسه كي يوحي لذاته بأن "يتقمص شخصية" مدى الحياة. كان هانس التجربة الأولى في هذا الاتجاه. وابتسم شتيرنر مسروراً بعمله عندما انتهت التجربة على هانس وأعطت نتائج مستقرة تماماً وفقاً للاختبار. وفكر وهو يطلق هانس: "كم هو سهل الآن أن تجعل من الناس أوفياء ومخلصين!".‏


الأعلى رد مع اقتباس
إضافة رد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
يا نجل سلطان الغلا دمي الترحيب والتهاني 9 11 Oct 2010 12:07 PM
سلطان سلطان السعد منبع الذوق فواز بسيس بحور القوافي 6 16 Jul 2009 10:16 PM
سلطان سلطان السعد يالفهيمين واعي قصائد وأقوال وشيلات في الشدادين 21 12 Jun 2009 10:22 PM
أبو سلطان أبو سلطان عرّف بنفسك لو سمحت 13 22 Mar 2008 12:40 AM
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

04:17 AM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com