" تأملات قرآنية " الجزء الثاني / الثالث

( ومنهم من يقول ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) البقرة 201
والحسنة المطلوبة في الدنيا ، يدخل فيها كل ما يحسن وقعه عند العبد
من رزق هنيء واسع حلال ، وزجة صالحة ، وولد تقر به العين ،
وراحة ، وعلم نافع ، وعمل صالح ، ونحو ذلك من المطالب المحبوبة والمباحة

وحسنة الآخرة هي السلامة من العقوبات في القبر ، والموقف ، والنار ،
وحصول رضا الله ، والفوز بالنعيم المقيم ، والقرب من الرب الرحيم
فصار هذا الدعاء ، أجمع دعاء وأكمله ، وأولاه بالإيثار
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء به ، والحث عليه .

تيسير الكريم الرحمن / ابن سعدي

( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شرا لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) البقرة 216
الغالب على العبد المؤمن ، أنه إذا أحب أمرا من الأمور ،
فقيض الله له من الأسباب ما يصرفه عنه أنه خير له ،
فالأوفق له في ذلك أن يشكر الله ، ويعتقد الخير في الواقع ،
لأنه يعلم أن الله تعالى أرحم بالعبد من نفسه ، وأقدر على مصلحة عبده منه
كما قال تعالى : ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون )
فاللائق بكم أن تتمشوا مع أقداره ، سواء سرتكم أو أساءتكم .

تيسر الكريم الرحمن / ابن سعدي

قال الله عز وجل: (ولكل وجهة هو مولّيها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً
إن الله على كل شيء قدير..).
تخبرنا هذه الآية عن اختلاف الناس في توجهاتهم واختياراتهم، وأعمالهم وميولهم،
واهتماماتهم وأهدافهم، ومخططاتهم وبرامجهم. فلكل إنسان وجهة يتوجه إليها، وغاية يسعى إليها،
وبرنامج يريد تحقيقه، وأمنية يتمناها، وهدف يطمح إليه.
وهذه الجملة الموجزة في الآية: (ولكل وجهة هو مولّيها) تقرر حقيقة إنسانية قاطعة، مجمعاً عليها،
لا يختلف فيها المسلمون والكافرون.
وأنت ترى مصداق هذه الحقيقة في كل ما هو موجود من حولك، وفي كل من تعرفهم،
أو تتصل بهم، أو تسمع عنهم.

تنطبق على الإخوة الذين يخرجون من رحم واحد، ويرضعون من ثدي واحد، ويعيشون تحت سقف واحد،
فلكل منهم وجهة هو موليها، هذا يتوجه إلى الفكر، وهذا يتوجه إلى العمل،
وهذا يميل للدراسات العلمية، وهذا يحب التخصصات الإنسانية، وهذا لا يحب الدراسة إنما يحب الرياضة،
وهذا يميل للعلاقات الاجتماعية، وهذا يؤْثر الانفراد في البيت، وهذا صامت قليل الكلام،
وهذا لا يكاد يسكت، وهذا متواضع، وهذا حليم، وهذا معجب بنفسه… .


واختلاف الناس في ميولهم وأمنياتهم وتوجهاتهم سنّة ربانية، لتتكامل طاقاتهم في خدمة المجتمع
وفي تعمير الأرض، وفي تحسين مستوى المعيشة،

وبعد تقرير الآية حقيقة اختلاف الوجهات والغايات تدعونا إلى أن نستبق الخيرات، ( فاستبقوا الخيرات).
ولا يستبق الخيرات إلا من أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن، وهو الذي جعل الله غاية له،
وجعل هدفه الوحيد: الفوز برضوان الله، بالنجاة من النار، ودخول الجنة،
وهذا الهدف يجعله في الدنيا ربانياً عابداً لله، حريصاً على أداء الواجبات والسنن والنوافل والفضائل،
بعيداً عن المحرمات والمكروهات، وما فيها من شبهات، بحسن برمجة وقته،
والتخطيط لمستقبله، والاستمتاع بحياته، بحيث يحياها بطاعة الله،
مصاحباً فيها كتاب الله مستحضراً معية الله.

وأدعو أخواني وأخواتي إلى الوقوف لحظة من جملة: ( فاستبقوا الخيرات )،
الفاء فيها تسمى “الفاء الفصيحة”، وهي التي تفصح وتشير إلى أداة الشرط المحذوفة،
وفعل الشرط المحذوف، وهي داخلة على جواب الشرط والتقدير: إن عرفتم أن لكل إنسان
وجهة يتولاها فاستبقوا الخيرات.
واختيار فعل الأمر ( استبقوا ) في الجملة مقصود، لم تقل الآية “سابقوا إلى الخيرات” لأن الفعل يدل على وجود شخصين يسابقان إلى الخيرات، كل منهما يريد أن يسبق صاحبه إليها،
وهذا المعنى لا تريده الآية، إنما تريد دعوة كل مسلم رباني إلى “استباق” الخيرات،
وليس التسابق والمسابقة إليها!!

إن فعل “استبقوا” يدل على معنى المبادرة إلى الخيرات، وانتهاز الفرصة إليها،
والمسارعة إليها، والاستفادة من الوقت والجو، قبل زوال الفرصة وفوات الأوان!! فإن لم يبادر المؤمن
إلى الخيرات، ولم ينتهز الفرصة، وتكاسل وتوانى و”سوّف” وتراخى، فإن الفرصة ستفوته،
ويخسر الخيرات، وعندها سيندم ولا ينفعه الندم!!

ونحن مُقْدمون على فرصة عظيمة ثمينة، وموسم إيماني عبادي في هذا الشهر العظيم المبارك،
الذي أظلّنا وغمرنا ببركاته، وقدّم الله لنا فيه من الخيرات ما قدم…

أدعو كلاً منكم إلى تذكر هذه الجملة القرآنية الموجهة: ( فاستبقوا الخيرات ) في كل يوم وساعة
من هذا الشهر، وأطلب من كل واحد منكم أن يرى الخيرات مهيأة له، تقف أمامه مشرفة منيرة،
تدعوه إلى الاستباق والمسارعة، والمبادرة البصيرة، لئلا تفوته فيخسر خسارة كبيرة.

استبقوا الخيرات في صلوات النافلة:صلاة التراويح والقيام والتهجد، وصلاة الضحى،
بالإضافة إلى الصلوات الخمس في وقتها.. وفي الإكثار من ذكر الله في كل لحظة
من نهار رمضان وليله، وفي التضرع إلى الله ودعائه واستغفاره، عند السحر وقبيل الإفطار على وجه
الخصوص، وأكثروا من تلاوة القرآن، وأكثروا من الصدقة في سبيل الله ..

( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم ) البقرة 225
أي : لا يؤاخذكم بما يجري على ألسنتكم من الأيمان اللاغية ،
التي يتكلم بها العبد من غير قصد منه ولا كسب قلب ، ولكنها جرت على لسانه
كقول الرجل في عرض كلامه : " لاوالله " ، و " بلى والله "
وكحلفه على أمر ماض ، يظن صدق نفسه
وإنما المؤاخذة ، على ما قصده القلب .
وفي هذا دليل على اعتبار المقاصد في الأقوال ، كما هي معتبرة في الأفعال .

تيسير الكريم الرحمن / ابن سعدي

( ولا تتبعوا خطوات الشيطان ...) البقرة 168
فتسمية استدراج الشيطان " خطوات " فيه إشارتان :
1_ الخطوة مسافة يسيرة ، وهكذا الشيطان يبدأ بالشيء اليسير من البدعة ، أو المعصية ، حتى تألفها النفس .
2_ قوله " خطوات " دليل على أن الشيطان لن يقف عند أول خطوة في المعصية .

ليدبروا آياته / فهد العيبان

( ولتكملو العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ) البقرة 185
الهداية تشمل : هداية العلم ، وهداية العمل
فمن صام رمضان وأكمله ، فقد منّ الله عليه بهاتين الهدايتين ،
وشكره سبحانه على أربعة أمور :
إرادة الله بنا اليسر ، وعدم إرادته العسر
وإكمال العدة ، والتكبير على ما هدانا
ِفهذه كلها نِعَم تحتاج منا أن نشكر الله بفعل أوامره ، واجتناب نواهيه .

ليدبروا آياته / ابن عثيمين

( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) البقرة 189
قال قتادة : سألوا النبي صلى الله عليه وسلم : لم جُعِلت هذه الأهلة ؟
فأنزل الله فيها ما تسمعون ، فجعلها لصوم المسلمين وإفطارهم ،
ولمناسكهم وحجهم ، ولعدة نسائهم ، ومحل دينهم في أشياء ،
والله أعلم بما يصلح لخلقه .

ليدبروا آياته / الطبري

( ففدية من صيام أو صدقة أونسك ) البقرة 196
جاء لفظ القرآن في بيان الرخصة بالأسهل فالأسهل
ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن عجرة بذلك أرشده إلى الأفضل فالأفضل
فقال : " انسك شاة ، أو اطعم ستة مساكين ، أو صم ثلاثة أيام " متفق عليه
فكل شيء حسن في مقامه .

تفسير القرآن العظيم / ابن كثير

( ولا تحلقوا رُءُوسكم ) البقرة 196

ولم يقل : و لا تقصروا ، ففيه دلالة على أن الحلق أفضل ،
وهو مقتضى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مره .

أحكام القرآن / للقرطبي

( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرة كاملة) البقرة 196
من بلاغة القرآن في الآية عن الهدي ، أنه لم يحدد مالذي لم يوجد ،
ليشمل من لم يجد الهدي ، ومن لم يجد ثمنه ، فاستفدنا زيادة المعنى ، مع اختصار اللفظ .

ابن عثيمين