..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


العودة   شبكة الشدادين > المنتديات الأدبية > منتدى القصص والحكايات
 
أدوات الموضوع
إضافة رد
قديم 13 Oct 2005, 12:09 PM [ 21 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




ابتسم القدر في وجهي انزاح ثقل العائلة عن كاهلي بعد حين.. هرب سامي من المعسكر، وعاد إلى البيت متخفياً في الليل. وقف خائفاً متهيباً يخشى مواجهة الأهل. رأته أمي. ذهلت عما حولها. فارت القهوة على النار وكسرت الفناجين. هبت العائلة كلها. وبعد قليل جاء أبي.. ألقى سامي نفسه على يديه يقبلهما بحرارة. ويبللهما بدموعه جعلنا كلنا نبكي ودموع الفرح تهمي على وجناتنا.

لكنه عاد مقهوراً قلقاً زائغ العينين، يتناوشه هاجس الموت، بمفاصل هشة مرتعشة. عاد الكنار إلى القفص يغني موالاً حزيناً.. اختنق بأنفاسه مبكراً لأنه أضاع اتجاه الريح.
اجتمع مجلس العائلة. وقفت أبكي خلف أمي. تأتأ مرات. ناولته كأس الماء استدار نحوي يريد أن يشهدني، ولكنه تراجع إزاء خوفي.
"انتظرنا الطابور في محطة الحجاز. وجدت زملائي يودعون أهاليهم ويتناولون حقائب الطعام وعلب الحلوى من نوافذ القطار وكأنهم في نزهة إلى الربوة. كانوا في السن المناسبة بين الثامنة عشرة والعشرين، وكنت بينهم كالطفل الذي أضاع أهله.
حشرنا في عربات القطار الخمس. دفعت حقيبتي الصغيرة إلى رف فوق رأسي. وانكمشت في مقعدي أراقب الأجسام الضئيلة والضخمة التي تهبط وتصعد حاملة حاجياتها. راجعت خطواتي مذ فكرت في السفر راودتني فكرة الهروب والعودة وقد وجف قلبي وحاصر الندم روحي".
شهقت أمي دامعة.
"فجأة أغلق باب القطار بإشارة من عصا الميجر الإنكليزي. أغلق كل منفذ في وجهي. ظلت يد شاب معلقة بكف أمه وهي تقبلها. وعندما تحرك القطار انتزعها بقوة وراح يبكي.
خيمّ السكون الحزين على العربة هب أحدنا فجأة وأنشد بصوت رخيم: "موطني، موطني" اندفعت الأصوات الشابة خلفه بحناجر دافئة "موطني، موطني" يقطعها إيقاع العجلات مختلطة بالآمال تتماوج على وجوه شبان من أعمار مختلفة. شعرت بشوق خارق إلى أمي، إلى أبي، إليكم جميعاً. أوشكت أن أفقد وعيي، شعرت بتخاذل في أعصابي، انبجست الدموع من عيني بغزارة لكني قاومت النشيج خجلاً.
تحركت نحو الباب، باب القطار. أسلمته جسدي المنهك، وفكرت بأبي الذي


توقيع : كديميس

"لاتبحثوا عني بين كلماتي فهي لاتشبهني"
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Oct 2005, 12:09 PM [ 22 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




يتفقدنا كل مساء، فهدّني ضعفي، تراكضت الأشجار في الظلام، تلاعبني مرة وتختفي عني مرة أخرى.. بدت سيقانها مبقعة بالضياء ينثره نور القطار. رجعت إلى مكاني تاقت نفسي إلى كسرة خبز. اجتزنا دمر والهامة. تجاوز القطار عين الفيجة. انبسطت أمامنا سهول الزبداني قطعاً قائمة منسقة، تفوح منها رائحة الأرض المحروثة. علا صفير وفح ونحن ندخل أرضاً أخرى، استسلمت لنغمة وغفوت جالساً.
صاح صوت:
-رياق يا شباب..
لكزت زميلي الذي غلبه النوم مثلي:
-وصلنا رياق.
رد بحسرة:
من هنا تبدأ مسيرتنا نحو المجهول.. إلى فلسطين، نقطع حيفا، غزة.. ثم مصر أم كلثوم.. الأهرامات.. النيل يا الله..
أفعمت الحرية صدري، تنفست الهواء ملء رئتي. كثرت الأقاويل عن دورة تدريبية. لم أع فكرة وأبعاد تلك الدورة فمن قائل سننتقل إلى الاسكندرية، وآخر.. لا بل إلى الصحراء، لا، إلى السودان.
جهجه الضوء.. انتصف النهار، مررنا بسهول ومزارع وأناس تركوا صورهم في رأسي أغنتني عن رغيف الخبز وقطعة الجبن التي قدمها لي جاري. اعتذرت منه، فلم يكرر دعوته، راح يقضمها بصمت. وينقل ناظريه بأسى بين وجوه المسافرين، كان شعره حليقاً عند الصدغين، بريء النظرة، نحيل القامة لا يكاد يبلغ خمسين كيلو غراماً، ربما في مثل سني.
قلت في سري:
-قد يصبح هذا رفيقي.
علمت أن اسمه "أحمد العنبري" من أطراف دمشق، فقير الحال، أبوه حلاب ماعز يدور على البيوت صباحاً.
كنت متشوقاً للوصول، عكس زملائي، مفعماً برغبة التغيير والاستمتاع باللهجة المصرية، ها قد اقتربنا منها. مررنا بحيفا، لم يسمح لنا بالنزول، مجرد ترتيبات أمنية، تخللها لغط عسكر انكليز على رصيف المحطة."
يسترسل سامي في رواية قصته، قلوبنا واجفة، وأعصابنا متعلقة بكل كلمة


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Oct 2005, 12:10 PM [ 23 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




يقولها.. نتمنى بألا تنتهي، فكل حركة أتى بها تخصنا وكل حادثة مرت تهمنا.. نعيش معه في مغامرة كان يمكن أن يجد فيها نهايته.
"مضى القطار يطحن ذكريات الأهل والحارة.
صرخنا:
-اقتربنا من مصر.. آه أم كلثوم.. جئناك.. دخلنا الاسكندرية. هب هواء مملح على وجهنا. شممت رائحة بيروت. توقفنا قليلاً في المحطة، ثم جر القطار عجلاته نحو القاهرة. نقلونا إلى شاحنات عسكرية تحت ستر الليل. سار موكبنا صامتاً حزيناً كجنازة، ثم أفرغ حمله منا كالقمامة عند بوابة حديدية لمعسكر كبير. تفرقنا إلى مهاجع مستطيلة ملأتها أسرة عسكرية رفيعة الأرجل سريعة الطي عليها بطانيتان.
بدأت دورة التدريب بلا تأخير في الصباح الباكر لوصولنا. دورة تدجين بطيئة قاتلة.. ثم ها نحن وجهاً لوجه مع العمل المضني، حفر الخنادق، وردم الآبار، يا إلهي.. تصوروا.. ثلاثة أشهر، تسعون يوماً وليلة من الأشغال الشاقة. يأتيني وجه أمي في الليل وغضبة أبي، ودهشة أخوتي، يدفعني وضعي إلى الجنون، فأنخرط في حوار مع نفسي لا ينتهي ثم أبكي كطفل.
شيئاً فشيئاً تبلورت الأمور في ذهني، فهمت أن الحرب ليست حربنا. وما نحن إلا عيدان كبريت تحترق أولاً.. غداً ستساق إلى ليبيا ونحارب؟ والعياذ بالله. وهكذا صممت على الفرار والعودة إلى دمشق. أحسست أنني كبرت عشر سنوات. دبرت أمر الهرب مع رفيقين لي من حي المهاجرين تلكأنا عن التدريب، تسترنا.. ومن خلف سياج هربنا كالقطط.. المحطة تعج بالجنود. ركبنا القطار من القاهرة باتجاه حيفا بإجازات مزورة. توقفنا في محطة حيفا. لم نر منها سوى أضواء العنابر التموينية المحاطة بأسلاك شائكة، والسكك الحديدية اللامعة في الليل البهيم تتحرك قربها أجسام عملاقة.
تناولت الحقيبة وعصرتها على بطني. كنت قد اتفقت مع رفيقي من أهل الشام على إبلاغ أهلي وأهله فيما إذا أوقف أحدنا أو حوكم.. أو اغتاله رصاص الإنكليز.
كان جوفي ينعصر بشدة وكنا جائعين. تلاقت نظراتنا عازمة، حازمة. هذه فرصتنا، فلنغتنمها، لكن هذه المرة بحذر وتدقيق وتعقّل".
أكمل سامي:
"تسللنا في حيفا تحت جنح الظلام إلى ظهر القطار كالعفاريت، يدفعنا خوف


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Oct 2005, 12:11 PM [ 24 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




من خطر يشل أقدامنا، فلو أن دوريات العسكر المتواجدة ضبطتنا لكان مصيرنا الإعدام رمياً بالرصاص. انبطحنا على بطوننا مصلوبين هلعين.
أسلمتنا رتابة العجلات على السكة الحديدية إلى نوم مربك قلق يهدهد أحلامنا الطفولية. أيقظتنا من خوفنا رجة قوية وصفير متواصل وصلنا بيروت.
هرج ومرج على الرصيف.. العسكر العائدون بإجازة، وأهلهم المستقبلون.. تسللنا هابطين وحين ابتعدنا ووصلنا برّ الأمان توجهنا إلى كراجات الشام. رمينا الطاقيات نحو السماء نضحك ونلهو كالمجانين ونحن نسأل عن سيارة أجرة تقلنا إلى عائلاتنا.
تحسسنا إجازاتنا المزورة في ساحة "فكتوريا" خوف مداهمة الشرطة ونحن في الزي العسكري. نفحت فينا حرارة الشجاعة، وأنقذتنا من رعب مميت. انحل عقد الرفقة في ساحة المرجة عند موقف ترام المهاجرين. تلفّت حولي. آه، يا دمشق، ما زلت حلوة نظيفة. رميت بجسدي على الحافلة مكذباً نجاتي، ألصقت أنفي وعيني بزجاج النافذة أتملى مشهد بردى يتراقص ماؤه في ضوء الليل. وبدأت أعب، أعب من هواء الشام، من تعبي، وخوفي، وشوقي. يا لحظي الذي تمطى كعملاق. فيما كانت تتخطفني اللهفة نشوان أحسست بلكزة في كوعي. استدرت مرتعداً، رأيت وجهاً مألوفاً. عرفت وجه عياد الليبي الذي هربني من بيتي وبلدي لألتحق بالجيش الانكليزي، عانقني بحرارة سألني عن أحوالي، ثم نظر إلى ساعته..
-الساعة العاشرة ليلاً.. هل أنت في إجازة؟
أجبت بريئاً:
-معي إجازة، اشتقت إلى أهلي وبلدي، ولكني لن أعود يا عياد.. لمحت على وجهه ابتسامة صفراء عريضة لم أعن بملاحقة معناها فقد صرت في الشام، ولن يتمكن لا هو ولا أي عميل آخر أن ينتزعني منها. فجأة قفز عياد من الترام كجني، وانشقت الأرض عنه، لم أبال به.. إلى ألف جهنم.. وعندما وصلت البيت كان السكون يخيم عليه. وقفت أمام النافذة متردداً، حاولت اختراق الظلمة، من الدرفات الخشبية، عجزت، نقرت الباب بيدي سمعت خطوات سلمى وصوت باب يفتح، هدأ قلبي جاءني صوت سلمى:
همست:
-أنا سامي افتحي لا تخافي، رأيت سلمى تعاني نعاساً أثقل جفنيها. توقفت لحظة قبل أن ترتمي وتعانقني، خلصت قدمي من بسطاري العسكري.. ومشيت


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Oct 2005, 12:11 PM [ 25 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




على رؤوس أصابعي غير مصدق أنني صرت في بيت أهلي. لكن في أعماقي خوف هصر أعصابي وألهب حساسيتي، فأنا أتوقع شراً وخوفاً من غول ما انفك فاغراً فاهاً مرعباً.
توقف "سامي" عن الكلام وأطرق.. جالت عيوننا تتصفح وجوه الآخرين. لتتوقف عند وجهه المتعب. كان قد أخذ يبكي وينشج كطفل..
انخطفت أمي إلى المطبخ، وعادت بكأس ماء. تناولها بيد مرتجفة، ورشف منها، رفع بصره تجاه أبينا الذي لفت بصره إلى ناحية أخرى. كان على درجة عالية من التأثير. لكنه ضبط أعصابه، ورفع سبابته:
-لنأكل لقمة، أحس بالجوع. لا نعرف ماذا يخبئ الغد.
شهقت أمي دامعة، رصت يدها على فمها، وقفزت مضطربة إلى الحمام تتقيأ الحزن صاح أخي هشام من قلب الدنيا:
-العسكرية، ظننتها لعبة. لا تخرج من البيت، لن يتركك الكلب.
كنا فعلاً على موعد مع الغول، قرع الباب ولما يُنه المؤذن قول: "حي على الصلاة، حي على الفلاح". شعرت بيد قاسية تقبض على صدري وتأخذ بخناقي. سرقت نظرة من ثقب المفتاح، لم أتبين سوى لباس عسكري. ارتعدت مفاصلي، عملاقان من البوليس الإنكليزي. ومعهما رفيق أخي في المدرسة "عياد الليبي" اثنان آخران. عرفنا فيما بعد أن صاحب الطربوش المائل الذي يمصمص شفتيه وأسنانه، ويعلك الكلام هو المختار. والثاني شرطي من مخفر المهاجرين، مصطبة.
هبّ سامي حافياً خلفي. حاولت منعه، فدفعني عنه وفتح الباب، برقت عينا الأشقر بنصرٍ مؤزر، تكلم بعربية محطمة:
-أنت سامي الشريف، يا الله، تعال معنا.
نحى جسده العريض الذي سد الباب، فتسللت منه خيوط الفجر الأولى ونسمة رقيقة داعبت دموعي.
أدخل سامي قدميه المتورمتين في البسطار الكبير وسلم نفسه بالبيجاما، غنمة طائعة مدت عنقها للذبح قبل أن يفيق أبي.
صرخت وتعلقت بسترته.
-لا تروح سامي، سامي لا تروح. انتظر بابا. جاء بابا.
استدار نحوي:


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Oct 2005, 12:12 PM [ 26 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




-لا أستطيع، يجب أن أذهب معهم حتى لا أعتبر جاسوساً.
دفعه العسكري من نقرته إلى سيارة جيب، وقفت خارج الحارة، أبكي ملء عيني.. هب البيت بعد فوات الأوان..
لكن سامي كان مضى.
إلى أين مضى؟ هاجمتني أيدٍ سوداء وبيضاء. تسمرت في مكاني ارتعش خوفاً وترقباً. انقلب الفرح إلى عزاء وبتنا على جمر الانتظار. نلطش على واسطة خير أشهراً عدة. جمع أبي معلومات عن مفتاح يوصله إلى سجن القابون. وبعد أربعة أيام ظفر بجارنا متعهد الطرق شفيق العشا، وفواز الحلاق الذي يعمل لحساب الإنكليز، ويقدم خدمات مشبوهة.
عاد متعباً من مشواره، طلب كأس لبن، وروى لنا بصوت متهدج قصة لقائه مع سامي في غرفة مدير السجن.
-"لم أدر كيف تصرفت، وتصرف ساعتئذ، هجم علي واحتضنني وبكى أم هجمت عليه؟ أم تسمّر في مكانه؟ كانت لحظة غائمة تحجب الوضوح ربما قال:
-هبط قلبي يا بابا، خفت من النداء، وكأنني أساق إلى حكم الإعدام"
أفزعتنا أمي بنحيبها، رششنا وجهها بماء الزهر. سقطت مريضة بين الموت والحياة. وعم الأسى المنزل.
مرت الأيام بطيئة تئن في أفئدتنا كأزيز ناعورة مهترئة. لا نقوى على الضحك، ولا الرضوخ لواقع أقوى من إرادتنا.
قبل المغرب من أيام حزيران القائظة قرع الباب عسكري أسود الوجه لماع. ناولني ورقة مطوية عدة طيات أخرجها من محرمة في جيبه. وصلتنا أول رسالة مهرّبة من سامي.
أهلي أحبابي.
اعترف بضياعي ويأسي. أنا مشرد، ربما أموت غداً قبل أن أراكم.
أحبابي. أتذكركم وأبكي، رفضت كل ما قدم لي من طعام، فاصوليا حب ورز. وحتى كار الشاي الأسود المغلي. أبكي ندماً حتى الصباح، ولا أخجل من ضعفي. استولت علي فكرة التخاذل فأسندت رأسي إلى الجدار، سمعت خربشة فأرة تختبئ في كيس طحين، دققت على الحائط عدة مرات ابحث عن إنسي. خيل إليّ أن جواباً أتاني من خلف الحجارة السميكة الصلبة السوداء، والأرض الباردة المقفرة إلا من بطانية. أعدت المحاولة اليائسة. توضح الجواب. جاءتني دقات


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Oct 2005, 12:13 PM [ 27 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




رتيبة وسؤال عن اسمي باللغة العربية، ثم ظهر وجه الحارس الأسود الذي حمل ورقتي وسألني:
-مسلمان؟
-مسلمان.
فهمت كما لو أنني أفكك طلاسم الجن، أن فرقتي رحلت إلى ليبيا لقتال الألمان. رجوته أن يوصل أمر سجني إلى أهلي، عاد بعد ساعة، ودفع بورقة وقلم من أسفل الباب.
بت ليلتي شقياً، هل كتب لي عمر جديد؟ أحقاً هربت من مصر إلى دمشق لأنجو من الحرب.
لعلكم حسبتم مجيئي حلماً من أحلام اليقظة. بت أنا أيضاً أسير أوهامي. تتلاعب بي يمنة ويسرة. قادرة على ابكائي، وعاجزة عن تخفيف الرعشة، رعشة الرعب التي تلاعبت بي كورقة صفراء.
أهلي
علمت أن الواشي "عياد" كلب الانكليز، وأنه عميل مزمن للمخابرات البريطانية في دمشق. عمله التقاط الأغرار أمثالي.
بعد أن غادرني أبي، رمينا في شاحنة عسكرية كالغنم. رؤوسنا متلاصقة، وظهورنا إلى الشارع. في محطة الحجاز رأيت القطار الذي مهد لي سبيل اللقاء بكم.
رافقني "عياد" إلى بيروت عن طريق "رياق" ويده على المسدس شعرت برغبة عارمة في ذبحه.
تأبط ذراعي عسكريان أجنبيان، وساقاني إلى السجن دون أن يتمكن ابن خالتي عبد الرحمن المقيم في بيروت من تهريبي بطلبٍ منكم. يرن صوته في أذني.
-سامي، أنا عبد الرحمن. ابن خالتك.
أحسست بأهميتي. يداي مطوقتان بقيد حديدي كأعتى المجرمين. رميت منفرداً في سجن الحرس. عقد الخوف لساني تساءلت ببلاهة: كيف تسربت من أيدي أهلي وأمام أعينهم في بيروت.
تعرفت في السجن على قافلة الموت. كانت مؤلفة من ثلاثة عشر افريقياً أسود. داخلني الخوف. انكمشت على بعضي بادئ بدء. كانوا مثل الليل. ظلام


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Oct 2005, 12:14 PM [ 28 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




بظلام، وعتمة في عتمة. دفعت قدمي بالباب وأسندت ظهري إلى الحائط. ونمت كالقتيل.
تنبهت على بربرة غريبة من حارس سنغالي يحمل الفطور جبنة زيتون ومرملاد. قال بلكنة عربية مشوهة:
-مسلمان، الله محمد، ووضع يده على صدره احتراماً وردد:
-مسلمان:
-مسلمان.
قفزت الفرحة من عيني. ها هو بني آدم آخر قريب يتحرك أمامي بلحمه ودمه. سحبت قدمي من الكوة القصيرة المقضبة بحديد أسود.
لوحت بيدي وهتفت: -مسلمان.
طق مفتاح ثقيل بالقفل. أخرجني حارس إلى المهجع المقابل. خلصت بدني من الخوف. انتابني شعور مخدر وأنا أسير نحو رفاقٍ سجناء جدد، لعلهم هاربون من عذاب ما، من وطن محتل مثل وطني. بدأت يداي تلوحان، تترجمان بلغة الخرس. عجبت من رقتهم وليونتهم، حكيت قصتي من خلف القضبان، وحكوا قصتهم من خلف القضبان. كانت ألوانهم الأبنوسية السوداء اللماعة بداية الدرب الوعر الذي قادهم إلى الجلد والذل والسجن كنفايات أفرزها الإنسان الأبيض تحت شمسٍ محرقة.
الأسود في خدمة الأبيض، يدفع الأسود ضريبة لونه، لعله أخيراً يدرك أو لا يدرك بأن الحياة له إلا مع مجموعته. يعيش معهم ، ويفنى معهم.
كانت قافلة الموت أمامي أشبه بأيدٍ عارية مغلولة مبتهلة.
فهمت بصعوبة أن مأساتهم الأزلية تكمن في غنى أرضهم، وفقرهم ولونهم.
وفي ليلة قائظة حيث امتزج الدم بالغضب، قررت الكتيبة السوداء قتل كابتن انكليزي لأنه جلد رفيقهم بالسوط حتى الموت. وعندما اكتشف الأمر، انتقى الانكليز واحداً من كل كتيبة متطوعة لينفذ حكم الإعدام به رمياً بالرصاص انتقاماً وعبرة.
يسوق الحراس رفاقي السود إلى المحاكمة في السابعة صباحاً، ثم يعيدونهم كالغنم في الثانية عشرة. أربعة أيام متتالية دورت عيونهم كحبة المشمش وفرغت الدم من أبدانهم.
تنهد أبي، وطوى الرسالة. تعلقت عيناه لحظة بها، ثم ردد وكأن الغرفة خالية


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Oct 2005, 12:14 PM [ 29 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




إلا من شبح أمي:
-نامي، نامي يا امرأة. الصباح رباح: عيدنا بمولد نبينا. ثم صاح وعيناه إلى السماء. اللهمّ إني صائم عن الطعام حتى يخرج سامي من السجن. بكينا حتى جف الدمع من عيوننا.
انزوت النسوة من بعد، كل في دارها يندبن حظ أمي العاثر. وشباب أخي.
انبلج النهار ساطعاً بشمس قوية نفضت كدر الأيام السابقة. خرج الناس إلى أعمالهم. فالأفواه مفتوحة، والغلاء يتفشى، والجوع يدخل البيوت المستورة بعد أن أضحت الإعاشة "بالبونات".
قامت مظاهرة ضخمة، كسرت نوافذ المدارس وأغلقت الدكاكين: جوعانين جوعانين رطل الخبز "بثلاثين قرشاً" ارتأى بعض من الوجهاء أن تتحمل الحارة جزءاً مادياً من مسؤولية حارة الفواخير الفقيرة المجاورة بعد اعتقال سبعة من شبانها وزجهم في سجن القلعة.
في تلك الأيام الصعبة دخلت أرجل غريبة إلى بيت كبير مهجور منذ سنوات يطل على خط الترام. جاءته عائلة مهاجرة من اسكندرون.
لم نر رجلاً واحداً من سكانه. بل ثلاث أجيرات يافعات قويات البدن تعاون مع عتالة على تفريغ الشاحنات الكبيرة المليئة بالخيرات من برغل وأرز وخوابي السمن البلدي، وتنكات الزيت في زمن الشح والاضرابات، وما هي إلا أسابيع حتى أسدلت الستائر المخملية على النوافذ وتم تنسيق الحديقة التي تفصل البيت عن الشارع بشتلات ورود ملونة. فجأة دبت الحياة فيه.
كان البيت كبيراً جداً طوابق ممتدة نحو الشمس بمستويات متدرجة داخلية على بساتين الحواكير.
ألف الناس منظر أقراص الكبب المدورة الشهية، ورائحة السمن البلدي تحملها الخادمتان صبيحة وصليحة على رأسيهما إلى الفرن. تنادي الحناجر مخنوقة: جوعانين جوعانين رطل الخبز بثلاثين. وتنهال الحجارة على نوافذ الترامواي من النقيفات والمقاليع المشغولة بأيدي الأمهات، على ساحة المرجة. انتقاماً من صاحبته فرنسا يشد الأطفال السنكة عن المسار الكهربائي. يتعلق الشباب بالرفراف وأصواتهم تلعلع:- حكم لصوص.. حكم لصوص خونة.
ترددت إشاعة بأن رب البيت المهاجر من اسكندرون سيصبح وزيراً للمالية. كان الوزير المرتقب طويلاً نحيلاً كعصا، ولكنه يملك عقلاً حسابياً وبناتٍ لا أجمل ولا أحلى.


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Oct 2005, 12:15 PM [ 30 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




تنبأت العائلات لهنّ بحظٍ يفلق الصخر.. ولم تمض أشهر قليلة حتى خطبت الجميلات إلى شبان أصلاء سلبوا أحلام كل فتاة في المهاجرين.
تبتسم الحياة لبناته، وتصبح الدنيا خادمة طيعة بين أيديهم. تقول أم مصطفى الأرمل:
-الحظ يجرّ الحظ. والفقر يجر الصئبان.
-جمال وكمال. ما شاء الله ترد أمي.
-أعوذ بالله. تنفض المرأة ثوبها عن صدرها.
فيما كنت، أنا وسامي نتلقى الصدمات المتلاحقة ازداد عادل ثقة واقتراباً من أبوي. أبدى صبراً وتنظيماً لحياته خططهما بفهم وتوازن.
أهدته أمي دون اخوته صندوقاً خشبياً أثرياً مصدفاً بنحو فني رائع. أغلقه بقفل نحاسي.
كثرت التكهنات حول ما يحتويه هذا الصندوق من أسرار يخشى عليها. استغل هشام وجود عادل بالحمام وكسر القفل مدفوعاً بفضول جهنمي. ماذا وجد؟
قصصاً، وروايات ورسائل مغفلة من الاسم والعنوان، وأقلاماً للرسم وصوراً مرسومة بالحبر الصيني لشخصيات معروفة شكلها على مزاجه، ورسماً مكبراً لسميرة فاتنة الحارة. فما كان منه إلا أن جمع الأوراق كلها ودفع بها إلى موقد الحمام. ساعتئذٍ بردت نيرانه.
خرج عادل متوهجاً كالجمر ينشف شعره الحليق عند الصدغين. فرأى المنظر.. الصندوق مفتوح، والأغراض مبعثرة. نفر الغضب من عينيه.
رد هشام متباهياً:
-لا أسرار في هذا البيت.
جُنّ عادل، خرج عن طوره لأول مرة في حياته هجم على أخيه يحاول خنقه. كيف يعتدي على حريته وملكيته؟ جره من رقبته، ألصقه بالأرض. لم يوقف الصراع سوى والدي الذي أطل وهو ينقر على النافذة. قال بحزم يفصل بينهما:
-فنجان قهوة يا هشام، تجرب عضلاتك مع أخيك. النادي الرياضي قريب. انحشرت بين الخزانة والجدار. صمت كل شيء إلا زفرات مكبوتة مهانة في صدر عادل.
ظفر هشام بشيء أسقط الحجاب عن الوجه الوقور الكتوم. ركضت ألملم بقايا مزق الأوراق المبعثرة.


الأعلى رد مع اقتباس
إضافة رد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
يا مل قلب بنات البدو تلنه / يامل قلب بنات الحضر شلنه شمعة الدنيا قصائد مختارة 11 15 Oct 2008 11:48 PM
رواية ... ميلاد عشق متوازي الاضلاع منتدى القصص والحكايات 12 12 Sep 2007 01:29 AM
عيال حارتنا السارية قصائد مختارة 27 01 Aug 2007 08:34 AM
لاتحاربوا العلمانية بل حاربوا أنفسكم أنا كما أنا النقاشات والمواضيع الهادفة 14 29 Jun 2006 10:06 PM
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

06:00 AM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com