..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


العودة   شبكة الشدادين > المنتديات الأدبية > منتدى القصص والحكايات
 
أدوات الموضوع
إضافة رد
  [ 1 ]
قديم 06 Sep 2007, 11:37 PM

خوي الذيب غير متصل

تاريخ التسجيل : Jan 2007
رقم العضوية : 2131
الإقامة :
الهواية :
المشاركات : 257
معدل التقييم : 25
الملف الشخصي للكاتب
إضافة تقييم
الرد على الموضوع
ارسال الموضوع لصديق
طباعه الموضوع
تبليغ عن الموضوع
رحلتي إلى اليمن , في نهاية الإجازة الصيفية.



الجزء الأول



حجزت على اليمنية! لأنني منذ فترة طويلة لم أسافر على غير الخطوط السعودية التي لا يميّزها فقط دعاء السفر!.. ولما أن استقبلتني تلك المضيفة الشرق آسيوية لتخبرني عن مكان مقعدي في الطائرة التي ظنها بعض ركابها (وانيت أبو غمارتين !)، وذهبت إلى مكاني الذي لم يكن بجوار النفاذة على أية حال! رأيت ناساً جالسين قد احتجزوا مقعدي ومقعد شاب (جنتل) مثلي تماماً! فنظرت إليه ونظر إليّ متعجبين مما رأينا، قلنا للجالسين: تسمحون لنا أن نجلس في أماكننا ؟ فقالوا( بلهجة يمانية ظريفة) يا أخي الطيارة واحدة! وبنوصل سوا! يعني مو مشكلة يعني إذا يعني تجلس يعني في أي مكان يعني ! وكان السوبر فايزر قد أقبل علينا ليحل مشكلتنا بهدوء وبدون تدخل قوات أجنبية! وجلست إلى جوار ذاك الشاب الجنتل وتجاذبنا أطراف الحديث حتى وصلنا إلى مطار تعز الدولي، دخلت إلى قاعة الاستقبال ووقفت أنتظر دوري لتتم إجراءات الدخول فنظرت أمامي وإذا لوحة قد كتب عليها ( ممنوع التخزين! لأن المطار واجهة البلد! ) فقلت الحمد لله أن لم يكتبوا ممنوع التبول أمام الناس أيضاً!
وانطلقت وحملني سائق سيارة الأجرة إلى حيث أريد وكان من أهم ما يميز سائق الأجرة هذا أن يده اليسرى في أنفه ينقب فيه عن البترول طوال الطريق أو كأنه يبحث عن شيء ضيعه داخل منخره فهو يجتهد في البحث عنه وتطلبه بأي ثمن! ويده اليمنى على المقود وإبهامها على منبه السيارة ، الذي كان يضغط عليه كل خمس ثوان إن لم أبالغ! يرى ( مطبًّا ) فيضغطه، أو حفرة أو دابة أو عربة أو إنساناً ، ويطيل الضغط عليه حتى كأنه مد لازم كلمي مثقل ( كما يقول علماء التجويد ).
أردت أن أتجول في شوارع المدينة ( مدينة تعز ) وهي مدينة جبلية تشبه كل الشبه مدينة عمّان من حيث التضاريس حتى كأنك في عمّان، غير أن عمّان أنظف وأكثر ترتيباً وتنسيقاً ...
مشيت في شوارع تعز، وأخذت أتأمل في الناس ذاهبين وآيبين، إنهم شعب مسحوق! لا ، إن كلمة مسحوق لا تعبر بالضبط عن وصف فقرهم المدقع، وهم مع هذا الضنك وهذا الضيق وهذا التعب وهذا الإجهاد وهذا الجهل الفاضح الواضح مقبلون كل الإقبال على هذه النبتة العجيبة الغريبة التي يسمونها القات ! سامحوني جميعاً حين أقول : إن مناظرهم وهم يمضغونها وقد امتلأت بها أفواههم أشبه بالاجترار، وهم على فقرهم يحرصون على شراء هذه النبتة يومياً ويجلس أحدهم من بعد صلاة الظهر وحتى صلاة العشاء وهو يمضغها! ولا يطيب لهم أكلها حتى يملأوا كل ما حولهم قذارة ووسخاً، تراه جالساً وأمامه أكداس من الورق الذي يلقيه لأنه غير صالح للمضغ، وربما جمعوا ـ حين يصلون ـ الظهر والعصر لا أقول جمع تقديم أو جمع تأخير! ولكن جمع ( تخزين) !!!
والبقية تأتي


رد مع اقتباس
قديم 06 Sep 2007, 11:41 PM [ 2 ]

تاريخ التسجيل : Jan 2007
رقم العضوية : 2131
مواضيع : 44
الردود : 213
مجموع المشاركات : 257
معدل التقييم : 25خوي الذيب is on a distinguished road

خوي الذيب غير متصل




الجزء الثاني



قلت له(أي للسائق) : خذني إلى فندق جيد وبالفعل أخذني إلى فندق أبو خمسة نجوم، لكن من تحت !!، غير أني نزلت فإذا فندق لا بأس به يشبه بعض الفنادق التي كانت تحيط بالحرم النبوي متواضعة لكنها نظيفة، فراق لي المكان في الحقيقة وحجزت الغرفة، كان الهواء عليلاً جداً في تعز، وأفضل ما أفعله أنا حين يكون الهواء عليلاً في أي بلد أسافر إليها أن أتمشى في الشوارع والأزقة، أقترب من الناس أسمع مزاحهم وقهقهتهم، أسمع شتائمهم وسبابهم، أتأمل في عوائدهم، أركب الحافلات الشعبية، بل ركبت مرة من المرات خلف سائق موتورسيكل ليحملني إلى حيث أريد، وبعد مضي ساعات من الزمن، شعرت بقرص الجوع، سألت: هل هناك مطعم (نظيف) و(فاخر) يقدم أكلات شهية؟!
وكان الفندق الذي أسكن فيه في شارع يقال له شارع (الحوبان)، والحوبان في أصل معناه اللغوي من الحوب ! والحوب هو الإثم، قال الله تعالى ( إنه كان حوباً كبيرا )، غير أن شارع الحوبان هذا لا علاقة له بالحوب لا من قريب ولا من بعيد فليس هناك ما يشجع على الحوب إلا إن كان الحوب هو القات فنعم إذن !
سألت عن مطعم أتناول فيه طعام الغداء، فدلوني على مطعم فاخر جداً، لكن من تحت أيضاً !! هل رأيتم مطعماً من المطاعم الشعبية في جدة ومكة ؟! مثلها تماماً غير أنها أفخر منه بقليل إن كان يصح أن نصفها بأنها فاخرة ! ذهبت إلى مطاعم (ريم) الحديثة! فلما جلست لتناول ما يمكن أن يسمى (طعاماً)، نظرت فإذا المطعم مزدحم، ولا تكاد تسمع من بجانبك من شدة الصراخ، والسعاة أو (النوادل) إن صح هذا الجمع للنادل! أو المباشرون جمع (مباشر) وهو ما يطلقه اليمنيون على النادل أو (الجرسون) كما يقال، رفعت أصبعي فلم يلتفت إلي أحد! مر بجانبي أحد (المباشرين) فتكلمت بلطف وقلت له : (من فضلك) فنظر إليّ شزراً ثم لوى عنقه ومضى إلى حال سبيله، ومر نادل ثالث، فناديته فما أجاب ، فاحترت في أمري!! كيف أنادي النادل؟ كيف أطلب الطلب؟ ذهبت إلى المحاسب فسألته: نطلب ثم نجلس أم نجلس ثم نطلب؟ فقال لي : اجلس ثم اطلب! فجلست، لكن أحداً لم يلتفت إليّ، وإني لجالس أتأمل في حالتي، وعصافير بطني تزقزق من شدة الجوع، وإذ بي أعرف كلمة السر!! وأكتشف الطريقة التي يلبي بها النادلون طلبك! رأيت أحد الزبائن قد جلس ثم قال : هييييييييييييه يا مبااااااااااااااااااااااشر ، هووووووووووووووووووه يا مبااااااااااااااااشر فجاءه المباشر وقضى له حاجته، ففعلت مثله: وصرخت بعلو صوتي : هييييييييييييييييييييييييييييييه يا مباااااااااااااااااااااااااااشر، هووووووووووووووووووووووه يا مباااااااااااااااااااااااااااااشر ، فجاء أحدهم وسألني : ما تشتي ؟( أي ما تشتهي ؟ ) قلت ماذا عندكم ؟ قال : كل شيء ! قلت : أيش يعني كل شيء ؟ قال : عندنا لحم صغار !عندنا دجاج على الفحم، عندنا بروست (بترقيق الراء) !!!! قلت : عندكم كباب وأوصال، قال : نعم عندنا، قلت فأعطني نفر لو سمحت قال : على طول ( وعلى طول عندهم مثل أبشر وعلى أمرك عندنا) خمس دقائق وتكون جاهزة عندك، انتظرت خمس دقائق وعشر دقائق وربع ساعة ولم يأت الطلب، وغاب الرجل في أمواج الناس، فقلقت، وأردت أن يلبي ندائي أحد النادلين، ففعلت ما فعلت من قبل: أرفع أصبعي وأتكلم بهدوء فلا يجيبني أحد، فصرخت : هيييييييييييييييييييييييه، هوووووووووووووووووه يا مبااااااااااااااااااااااااااشر، فجاء أحدهم، قلت له: أين طلبي؟ قال : ما هو طلبك ؟ قلت نفر كباب وأوصال! قال ما عندنا!! قلت سبحان الله !!! الآن صاحبك قال حاضر وأبشر وعلى طول!! قال : يا أخي ما عندنا كباب وأوصال ، قلت عندكم دجاج على الفحم؟ قال : على طول! وأتى به، وكانت هذه هي الوجبة الأولى التي طعمتها في اليمن !
من الجدير بالذكر، أن لدى اليمنيين أكلات شعبية شهيرة، منها أكلة تسمى (الفحسة) من فحس يفحس فحساً فهو فاحس، وفسحه غيره فهو مفحوس!! الفحسة هذه هي عبارة عن (حلبة) ومعروفة هي الحلبة ذات الرائحة الفواحة!! التي كنا نشمها من أجساد بعض المدرسين المصريين! الذين كانوا يشربون (حلبة حصى)، وهي مفيدة جداً ولا عيب فيها سوى رائحتها، إذ تفوح مباشرة من جسد شاربها، المهم، (الفحسة) هي عبارة عن حلبة يسكبون عليها مرق اللحم ويضيفون إليها شيئاً من اللحم المفروم ، ويغمسونها بالخبز ولهم خبز رائع جميل أظن أنه من صنع البيت، فيغمسون اللقمة بالـ( سحاوق) وهو الذي نسميه نحن في جدة (الدقس) ويسميه أهل الرياض(حب حر)، لقد وضعت اللقمة الأولى في فمي ثم أخذت أقول ما قاله سمير غانم في مسرحية المتزوجون: ( مين طفى النور!)


التعديل الأخير تم بواسطة خوي الذيب ; 06 Sep 2007 الساعة 11:44 PM
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 06 Sep 2007, 11:47 PM [ 3 ]

تاريخ التسجيل : Jan 2007
رقم العضوية : 2131
مواضيع : 44
الردود : 213
مجموع المشاركات : 257
معدل التقييم : 25خوي الذيب is on a distinguished road

خوي الذيب غير متصل






الجزء الثالث


ولم آكل هذه (الفحسة) في مطعم وإنما أكلتها في بيت عالم من علماء اليمن ينتسب إلى آل البيت، وهو عالم عقلاني جداً تناقشت معه في موضوعات مختلفة وكان يوافق فيها رأيه رأيي، ويجترئ على رد أحاديث في البخاري ومسلم، ويلغي قضية السند، فلا قيمة لسند الحديث لديه، بل أهم شيء هو المتن، فننظر في المتن فإن كان يخالف القرآن، أو العقل، أو يسيء إلى شخصية النبي صلى الله عليه وسلم فيضرب به عرض الحائط، وتناقشنا في موضوعات كثيرة وأهداني مجموعة من كتبه التي أطربتني كثيراً، وفرحت بها كثيراً ، فمن كتبه مثلاً (إرشاد الأتقياء إلى تنزيه سيد الأنبياء) فنّد فيه كل الأحاديث التي تسيء إلى النبي ووضعها على محك العقل، ونقضها واحداً واحداً، وهو ممن لا يلقي كبير اهتمام بأحاديث الآحاد وإسلام الروايات ( كما كان يقول محمد الغزالي عليه رحمة الله)، وله كتاب بعنوان (الخنساء في تحريم ضرب النساء) ولقد هاجمه التيار المتشدد في اليمن بسبب آرائه في هذا الكتاب حتى أهدر بعضهم دمه!! ويرى في هذا الكتاب أنه ليس للزوج البتة أن يضرب زوجته لا بعود أراك ولا بغيره كما هو المذهب السائد، ويرى أيضاً أن الطلاق لا يقع لمجرد قول الرجل لزوجته أنت طالق! بل لا بد من ترتيبات كثيرة ليقع الطلاق ولا بد أن يكون قراراً مشتركاً بين الرجل وزوجته، مستدلاً بآيات القرآن الكريم باستنباط عجيب وفهم دقيق يروعك حين تقرأه، وله كتاب بعنوان (لا نسخ في القرآن الكريم) يبطل فيه هذه الدعوى بعقلانية رائعة، ويرد زعم من زعم بأن الحديث ينسخ القرآن!! فكيف ينسخ الظني القطعي ؟! ولولا ضيق المقام لنقلت لكم آراءه هاهنا وبسطت لكم حججه لكن المقام لا يتسع لهذا كله .


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 06 Sep 2007, 11:50 PM [ 4 ]

تاريخ التسجيل : Jan 2007
رقم العضوية : 2131
مواضيع : 44
الردود : 213
مجموع المشاركات : 257
معدل التقييم : 25خوي الذيب is on a distinguished road

خوي الذيب غير متصل




الجزء الرابع



هذا العالم الجليل لا يتجاوز عمره الخمسة والثلاثين عاماً، فقير الحال رقيقه، ولكنه كريم مبسوط اليدين، وبيته مفتوح للناس جميعاً، يقدم لهم ما عنده من ضيافة، وعلم، وله مجالس يومية لا تقوم على الإملاء فقط، بل على المناقشة العقلانية والأسئلة والأجوبة والمناقشة وإعمال العقل، وفي مجلسه ثلة من طلبة العلم من مختلف المذاهب، عنده السني والزيدي والإسماعيلي (من إخويانا في نجران) والإثناعشري (مذهب ...بس مايقرب لالحدعشري أبو مشاكل)، وأكثرهم من العوام لكنهم يدخلون في المناقشة حتى لتفاجأ بما عندهم من العلم وطريقة النظر والاستدلال، ولقد فوجئت بقدرتهم على الحوار وفهمهم للنصوص، وإذا هم يجلسون على يد هذا الشيخ الجليل منذ سنين، ولقد أصرّ الشيخ عليّ أن أتعشى عنده تلك الليلة! مع محاولتي التنصل منه، غير أن كرمه أحرجني، فبقيت حتى أظلم الليل، وقدم لي العشاء فماذا ترونه أطعمني ؟ أطعمني طبقاً من الفاصولياء مع رغيف من الخبز اللذيذ، لقد أعجبتني هذه البساطة، وهذا الكرم، لقد قدّم لي ما عنده وأكرمني بما يملك، وأصرّ عليّ أن أبيت في بيته لكني رفضت كل الرفض، غير أنه أصرّ عليّ أن أتغدى عنده في اليوم التالي وما كان لي إلا أن أوافق، وهذا ماكان ، فقدم لي (الفحسة) و(السلتة)و(الفتة)و(الكنافة)...
أما الفحسة فقد أخبرتكم بها، وأما السلتة فهي الفحسة لكن من غير لحم، وأما الفتة فهي فطير مفروم مع التمر، وأما الكنافة فهي فطير مقطع بالطول أشبه بالمكرونة ممزوج مع العسل...
وأصرّ على أن يحملني معه إلى جبل (صبر) وهو جبل مرتفع جداً في تعز ترى تعز كلها تحت عينيك، وكانت رحلة جميلة حلوة، تنسمت فيها عليل الهواء، وشعرت فيها بالانتعاش كأنني التقيت على التو بحبيب لي لم أره منذ سنين!

الأعلى رد مع اقتباس
قديم 06 Sep 2007, 11:59 PM [ 5 ]

تاريخ التسجيل : Jan 2007
رقم العضوية : 2131
مواضيع : 44
الردود : 213
مجموع المشاركات : 257
معدل التقييم : 25خوي الذيب is on a distinguished road

خوي الذيب غير متصل




الجزء الخامس



سامحوني حين تجدون أني أسير في كتابة هذه الأسطر كيفما اتفق! فإن الحدائق التي تنبتها الطبيعة دون تدخل ليد الإنسان في ترتيبها وتنسيقها ربما تكون أجمل وقعاً في النفس مما تتناوله يد الإنسان بالقص والتنسيق، فاقبلوا هذه الأسطر على حالها، ولنكمل الحديث :
عندما زرت ذلك العالم اليماني الجليل، كان قد أوعز بشاب من تلاميذه بمرافقتي، وكان هذا الشاب خفيف الظل جداً سهل التعامل للغاية، وصريحاً أيضاً للغاية! أول ما التقيته كان خده الأيسر منفوخاً إذ هو ممتلئ بالقات، الذي يقيم ـ كما قالوا ـ العلاقات !. مشينا معاً فرأى شاباً سميناً نوعاً ما وقد لبس بلوزة تظهر أعلى كتفيه، فقال له ضاحكاً : لا تكشف ما ستره الله ! ثم سألني هل ذهبت إلى أي متنزه من متنزهات اليمن؟ فأجبته لا! فإني لم آت إليها إلا لغرض علمي، فقال لي : على هذا فإن حس الجمال مدمَّر لديك! لقد كانت هذه الكلمة من فم هذا الشاب اللطيف واسمه عبد الخالق لطمة ساخنة على خدي، ولكنني استظرفت صراحته البالغة التي شبهتها بصراحة الأطفال حين يرى أحدهم مثلاً رجلاً ذا أنف كبير فيصرخ :بابا بابا ، شوف الرجال خشمه كبير !!!....(الله يرزقنا))
ويحك يا عبد الخالق، إنك لا تدري أني أرى سطراً من الجمال خطته يد الطبيعة على صفحة الوجود فأفزع إلى كراستي فأكتب عن هذا السطر أسطراً، ويحك يا عبد الخالق إنك لا تعلم كم يهزني الجمال أراه متبدياً في كلمة معبرة، أو موقف مؤثر، أو منظر جميل، ويحك يا عبد الخالق إنك تجهل كم يقلب لي الجمال كياني حين أراه يتراقص لي في عيني فتاة كعاب، أو حديقة غناء، أو نغمة ساحرة، أو زهرة ناضرة.
ولقد رأيت في اليمن جمالاً أي جمال، رأيت جمال منازلهم الذي صممه الذوق اليماني الأصيل، لا كمنازلنا هنا التي ليس لها هوية تدل علينا (إلا في جدة القديمة في منطقة البلد فقط)، لقد رأيت الجمال في طبيعتهم الخلابة ، في بساتينهم الخضراء عن يمينك وشمالك، في هوائهم العليل ومناخهم المعتدل الجميل، رأيت الجمال في سلائقهم الطيبة، إنك تشعر بينهم ـ والله ـ أنك بين أهلك وناسك، ولقد سافرت إلى بقاع كثيرة فما شعرت أني بين أهلي وقومي إلا في اليمن ولا أبالغ، لقد رأيت الجمال في البرق اليماني الذي كان يراه الشاعر العربي قديماً فينظم أبيات الشوق والحنين، لقد رأيت الجمال في بنات اليمن، وماأحلى بنات اليمن، يمشين غزلاناً، ويلتفتن مها، ويبغمن (البغام هو صوت الظبي) ظباء، ينظرن إليك بأعينهن المتبدية من براقعهن فيصبن حبة القلب منك، ويسلطن عليه سهاماً فتاكة تطلقها ألحاظهن الناعسة! وفي بنات اليمن حياء غير متكلف، على جرأة أدبية وحشمة ووقار، ومع هذا الوقار وتلك الحشمة وذلك الحياء الطبيعي غير المتصنع فإن بنات اليمن أكثر حرية من بناتنا هنا، ولكن حريتهن ليست سلبية ، إنهن يعشن حياة طبيعية يعملن ويكدحن ويتعلمن ويشاركن في الحياة العامة ويقدن السيارات وهن محتشمات مهذبات، وإن وضعهن أفضل بكثير من وضع المرأة عندنا ، يكفيك أن الناس لا ينظرون إلى المرأة هناك نظرة مجتمعنا لها هاهنا، فليست المرأة هناك عرضة لما تتعرض له المرأة هنا من مضايقات، إن المرأة اليمانية تشارك الرجل همه، تبيع في الدكاكين والمتاجر كالرجل تماماً وتحافظ على نفسها وشرفها، ولا تمارس عليها الوصاية كما تمارس عليها هنا مع الأسف.
أفضت في هذه النقطة قليلاً لأهميتها وأعود لأكمل الحديث قريباً .


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 07 Sep 2007, 12:03 AM [ 6 ]

تاريخ التسجيل : Jan 2007
رقم العضوية : 2131
مواضيع : 44
الردود : 213
مجموع المشاركات : 257
معدل التقييم : 25خوي الذيب is on a distinguished road

خوي الذيب غير متصل




الجزء السادس

أنهيت حاجتي من تعز الحسناء الجميلة، وكان في همي أن أعود أدراجي إلى جدة بالطائرة وكنت قد أكدت الحجز غير أن خاطراً خطر لي ، أن أتأكد منه مرة أخرى، ذاك أن اليمن حكومة وشعباً ترفع شعار :
ولذيذ الحياة ما كان فوضى*** ليس فيه مسيطرٌ أو نظـام
كما قال حافظ إبراهيم...
ذهبت لأؤكد حجزي مرة أخرى، ليطمئن قلبي، فإذا الحجز ملغى!! ويحكم يا يمانيون! ألهذه الدرجة تحبون أضيافكم حتى لتحذفون حجوزاتهم المؤكدة على طائراتكم ليقيموا في ضيافتكم مزيداً من الوقت؟!
بصراحة لم أحزن عندما علمت أن حجزي قد حذف، بل أكننت سعادة غامرة، إذ سأمكث يومين إضافيين، وحينئذ انطلقت إلى (الفرزة) وهذا هو اسم مركز المواصلات عندهم الذي تتجمع فيه سيارات التاكسي والباصات والموتورات، ولعلها محرفة من كلمة (سيرفس) الإنجليزية، وجدير بالذكر أن أخبركم بأني ركبت كل المواصلات هناك، ركتب التاكسي الحر( بالطلب) وأفضل تاكسي عندهم كأقدم تاكسي لدينا! وركبت الباص (15 راكب)، وربما جلس في الكرسي الأخير رجل بدين فأخذ مكان شخصين، فيريد شخص أن يركب وليس له مكان في هذا الزحام ولكن السائق يقف من أجله ليركبه وإن ضيق علينا وهنا أصرخ أنا قائلاً الحساب عليّ، لئلا نختنق من شدة الزحام، فأدفع أجرة راكبين!!
وركبت مرة الموتور(ولا تعجبوا من هذا فإني أحب إذا سافرت إلى أي مكان أن أجرب كل ما يفعله أهله إلا إن كان حراماً أو مخلاً بالآداب).. ركبت مرة خلف سائق موتور، وهي وسيلة من وسائل المواصلات هناك، فلما ركبت ويظهر عليّ أثر النعمة والمشيخة) لا سيما ولون بشرتي برنزي مشرباً بحمرة! قال جماعة من الشباب الواقفين للسائق: (سوق يعني على مهلك ، هاذول ناس حقين بنزات! )فانفجرت بالضحك! وكان السائق ماهراً متمرساً، ينسرب وسط الزحام كالهواء وسط الشقوق حتى أوصلني بسلام ولله الحمد! وعلى ذكر سائق الموتور أذكر أن شاباً سائق موتور رشّح نفسه في لانتخابات! صدقاً بدون مبالغة، وهو منتم لاتحاد المعارضة الذي يجابه علي عبد الله صالح، ولا أخفيكم سراً أني لم أركب تاكسي ولا باصاً ولم أناقش يمانياً إلا وهو ناقم على سياسات البلد ولا يريد أن يرشح علي عبد الله صالح لا من قريب ولا من بعيد، بل وجدت كثيرين يترحمون على الإمام وأيام الإمام، ولا أسأل أحداً ممن رأيت ، من سترشح هذه الأيام؟ إلا قال لي : بن شملان!!! وهو الند الأكبر الذي ينافس علي عبد الله صالح على الرياسة، غير أني واثق كل الثقة أن علي عبد الله صالح هو من سيفوز ! وأنتم تعرفون السبب، ومن الطرائف في هذا السياق، أن للرئيس اليمني صوراً معلقة في كل مكان في اليمن، ومكتوب تحت صورته (أكمل المشوار) فتدوولت بين الناس نكتة، أصدرها أهل (ذمار) وهم معروفون ـ كما قيل لي ـ بالسخرية السياسية اللاذعة، حتى قالوا: نعم فليكمل المشوار فما هو إلا سائق فرزة!!!...
ذهبت إلى مجمع الباصات وحجزت مقعدي في أحدها لأتوجه إلى صنعاء..


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 07 Sep 2007, 12:10 AM [ 7 ]

تاريخ التسجيل : Jan 2007
رقم العضوية : 2131
مواضيع : 44
الردود : 213
مجموع المشاركات : 257
معدل التقييم : 25خوي الذيب is on a distinguished road

خوي الذيب غير متصل




الجزء السابع


وحق الحق، وذهبت لألملم أغراضي استعداداً للرحيل في اليوم التالي، وعدت إلى الفندق ولم أستطع النوم، ولا تظنوني أبالغ حين أقول لكم إني أحب في كل مكان أقيم فيه أن أترك لنفسي ذكرى أحاول أنا أن أكون طيبة لكن محاولاتي لا تتوّج بالنجاح دائماً، فربما أحاول الإحسان فأسيء، وأُفهم خطأً، مع الأسف!
في تلك الليلة التي لم أستطع النوم فيهاـ وميزة اليمن أنك مهما سهرت لا تستطيع ألا تستيقظ مبكراً فإن لم توقظك طبيعة البلاد والجو أيقظتك أصوات منبهات السيارات ـ نزلت من حجرتي وجلست في ردهة الفندق المتواضع الذي أقمت فيه، ولا أخفيكم سراً أن موظّّفَي الاستقبال اللذين كانا يتناوبان العمل أحدهما في النهار والآخر في الليل كانا على الغاية من الذوق والأخلاق والابتسام وإشراق المحيّا حتى لتشعر أنك تعرفهما منذ فترة طويلة، نزلت من حجرتي وجلست في الردهة فأتى الموظف واسمه ماهر ليجلس إلى جواري وافتتح الحديث قائلاً: أتيت لأسليك، فأنا أحس بآلام الغربة التي ربما تشعر بها! فابتسمت له وقد أثر فيّ ذوقه الجم وطيبته الظاهرة، وكنت منذ سكنت في الفندق أشعر بنوع انكسار وحزن عميق متبديين على وجهه الوسيم، فأجبته: لست أنت وحدك من يشعر بالآخرين فإن الآخرين أيضاً ربما شعروا بآلامك! وأنا كما تعلم بعيد عن أهل أكثر من 900 كيلو متر أنا في نجران وهم في جدة ففتح عينه ينظر إليّ دهشاً، وقلت له: إني أشعر أن في عينيك حزناً عميقاً، فأجاب: صدقت .. إني حزين حزناً يلازمني كظلي ولا أظن أنه سيفارقني أبداً
ـ عسى خير يا حبيب ؟ هل لي أن أعلم إن لم يكن هناك إحراج ؟
ـ لا ، ليس هناك إحراج أبداً ..
وشرد بعينيه كأنه يخترق جدار الزمن إلى عوالم أخرى ... وقال :
لقد كنت تاجراً، فتحت محلاً أبيع فيه أشياء منوعة لعباً وأدوات زينة وبعض الملابس وغيرها ..
وأتت لتشتري مني بنت جميلة جداً من منطقة (يافع)، فلما رأيتها شعرت أنها هي الفتاة التي خلقت من أجلي وخلقت من أجلها، ومرة بعد مرة بعد مرة توثقت علاقتنا أكثر فأكثر، وكانت إذا أرادت أي شيء، أبعث في طلبه وأشتريه من أجلها وإن خسرت فيه ما خسرت حتى أرضيها، وفي يوم من الأيام أفصحت لها بمشاعري نحوها، فما إن أنهيت جملتي حتى أجابت بعشر وأفرغت مكنون صدرها لي وجهرت بحبها، وهكذا بدأت معها رحلة حب لم أكن لأنساها مهما يطل العمر ، وكانت تتوثق علاقتي بها عاماً فعاماً، وبدأت أكتب لها رسائل وتكتب لي رسائل، حتى جمعت ما استطعت جمعه من المال وتقدمت لخطبتها، وكان أبوها رجلاً موسراً يملك محلات تجارية في (دبي) ، فظن أني إنما أطمع في ثروته، فرفضني برغم محاولاتي مرة بعد مرة، ثم أراد أن يزوجها من شاب آخر لا تحبه، حتى أرسلت لي تعرض علي أن أهرب معها لنتزوج بعيداً عن أهلينا، فرفضت وقلت لها: ما لا أرضاه على أختي لا يمكن أن أرضاه عليك ... ومرت الأيام والأشهر وتزوجت ذلك الشاب الآخر، وبقيت وحدي أحالف الصمت الحزين، حتى سمعت بالكارثة التي صدعت قلبي صدعاً، وزرعت في صدري جراحاً لا تلتئم، لقد انتحرت الفتاة وألقت بنفسها من الطابق العلوي ( في دبي حيث أقامت مع زوجها ) ففاضت روحها الطاهرة لأنها لا تريد الارتباط بمن تكرهه ...
هاهنا اغرورقت عينا ماهر بالدموع، وقال لي : حرام عليّ النساء بعدها !!!
فبدأت أصبره وأسليه وأقول له ما يقال لمن في مثل حالته ...
وأقسم لكم يا أحباب أني تعجبت من قصته هذه الغريبة ولولا بكاؤه المر أمام عيني لما صدقت هذه القصة على أني أعلم أن الدنيا لا تخلو من عجائب أغرب والله من الخيال نفسه !


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 07 Sep 2007, 12:14 AM [ 8 ]

تاريخ التسجيل : Jan 2007
رقم العضوية : 2131
مواضيع : 44
الردود : 213
مجموع المشاركات : 257
معدل التقييم : 25خوي الذيب is on a distinguished road

خوي الذيب غير متصل




الجزء الثامن



توجهت إلى مركز المواصلات، فلما صعدت لركوب الباص تلفت أنظر مقعدي الذي سأجلس فيه فنظرت فإذا شاب منتفخ خده ممتلئاً بالقات، والكيس في يده مليء بهذه النبتة، فتوجهت إلى مقعدي المقرر لي وألقيت التحية على الأخ الجالس وقلت له مداعباً : ما هذا ؟ نعناع ؟! فضحك بإخلاص وتفانٍ من طرفتي هذه ! حتى لأشعرني بالثقة في نفسي !!!
فقال لي: أقول يا خي خلّك رفيق سفر محترم وشاركني في القات .
ومدّ لي يده بعرقين من القات، فرددتها بلطف، وقلت له : لا يا أخي أنا ما أخزن قات، ألجلج فيه لكن ممكن أخزّن ملوخية!! فضحك حدّ القهقهة ويبدو أنه استخفّ دمي! وهو خفيف أصلاً !(اللهم لا فخر)!
فأصرّ على أن أشاركه متعته في (اجترار) القات! فقلت له : ما دمت مصرًّا إلى هذا الحد فلا بأس أن آكل و رقتين منه من باب زيادة الألفة، فأكلت هاتين الورقتين وإذا طعمه ورق شجر!! فيه بعض المرارة وسرعان ما بلعتهما! فقلت له: ما الميزة فيه؟! مجرد ورق شجر!! فضحك وقال : ولكن له فوائد، فهو يقوي الجسم وينشطه ويبعث على العمل! ..
فأجبته: إذا كان يبعث على العمل إلى هذا الحد فما بال الدولة قد بلغت هذا الحد من التخلف؟! لماذا لم يكن القات باعثاً على صناعة نهضة؟ دعك من ضياع الوقت من الواحدة ظهراً إلى الليل في مضغ واجترار دون عمل!
فأطرق يفكر، وقال : بصراحة... معك حق ... القات دمرنا لكننا نكابر... القات زحف على بعض الزراعات المهمة لدينا كالكروم لأن عائداته المادية أكبر.
وأفاض الرجل في الحديث ان التقدم والتقدمية، والتحضر والحضارة، والتثقف والثقافة، فإذا هو مثقف، وإذا هو صاحب فكر، فأبديت إعجابي بفكره وثقافته، فأجابني على الفور: يا أخي أنا من الحزب الاشتراكي! وصحفي وأكتب في جريدة الثوري، وزوجتي اسمها ********كاتبة وشاعرة وهي عضو منظمة العفو الدولية، وإذا تريد أعرّفك عليها يحصل لنا الشرف.
وهكذا هم أهل اليمن، ترى الرجل فتبذؤه عينك وإذا هو على درجة عالية من الثقافة والاطلاع، لقد استغرق الطريق من تعز إلى صنعاء خمس ساعات ونيّفاً، ولكنها كانت أجمل رحلة برية في حياتي، لا أبالغ !
الطريق أخضر الجوانب، ترى حولك الشجر كبيراً وصغيراً، على تلك المدرجات الزراعية التي يتميز بها أهل اليمن، في طريق جبلي متعرج ضيق، ولم يكن في ذلك الباص تكييف ولكن برودة الجو (ونحن في فصل الصيف) أغنت عن التكييف، إذ كان في السقف فتحة صغيرة يدخل الهواء البارد منها إلى الركاب، واللطيف أن السائق رجل خبيرـ فيما يبدوـ بأذواق الناس ، وضع شريطاً للقرآن الكريم، ثم شريطاً لأغان عربية حديثة ، ثم شريطاً لأغان يمنية، ثم شريطاً لأغان قديمة لأم كلثوم ( وكانت أغنية فكروني)، ولم ينس السائق الأغاني الغربية إذ كان في مؤخرة الباص سائحان غربيان رجل مع امرأته أو حبيبته، وكان اللافت فيهما أن كلاً منهما يحمل كتاباً يقرؤه الطريق كله!! وهكذا يكون أبناء الحضارات.
وكانت السماء تلقي بزخاتها الرائعة تغسل وجه الأرض وقلوب البشر! أو هكذا ظننت ! وربما سقط البرَد في تلك الرحلة الشائقة الماتعة.
توقف الباص عشر دقائق للراحة، فنزلت أتعرض للمطر باسطاً ذراعيّ فعل من يتهيأ ليحضن حبيباً لم يره منذ سنين والمطر يتساقط على رأسي وينزل على وجهي ويبلل ثيابي، والناس تفر منه تستظل لكيلا تبتل، وأنا واقف مستمتع أطرب وأعجب وأضحك للسماء التي كانت قطرات مائها كأنها أصابع أم تدغدغ ابنها الصغير! هكذا شعرت!!


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 07 Sep 2007, 12:18 AM [ 9 ]

تاريخ التسجيل : Jan 2007
رقم العضوية : 2131
مواضيع : 44
الردود : 213
مجموع المشاركات : 257
معدل التقييم : 25خوي الذيب is on a distinguished road

خوي الذيب غير متصل




الجزء التاسع



وانطلق الباص إلى غايته، وأنا وصديقي الاشتراكي (*******) نتبادل أطراف الحديث لا نكل ولا نمل، تكلمنا في كل شيء في السياسة والاجتماع وقضايا المرأة، والفن والموسيقى، وكان يطربني جداً بسعة اطلاعه، لا سيما على الأدب الروسي ، فقد ذكر لي مقطعاً من قصة لتولستوي (نسيت الآن اسمها)، فحواها باختصار أن فتاة رأت شرطياً يضرب رجلاً بالهراوة على رأسه، فحاولت الدفاع عنه فلم يلق لها الشرطي بالاً، هاجمته بالقول فلم يلتفت فأخذت مسدسه من حزامه وهددته به ليترك الرجل الذي أوسعه ضرباً، فحانت منه حركة، فأطلقت رصاصة من المسدس عن غير قصد فأردت الشرطي قتيلاً، فلما عرضت على القضاء لمحاكمتها، سألوها: لماذا قتلت الشرطي؟ فقالت بأنها لم تقصد قتله، ولو أن الماضي يعود لما أخذت المسدس منه ابتداء، وكان مما قالته: إن الإنسانية ذات واحدة! لو أصيب إنسان في أي مكان من العالم فإن الذات الإنسانية كلها تتـألم!
هزني جداً هذا المقطع ...
تكلمنا في قضايا المرأة وكيف أنها لا تؤدي وظيفتها الحضارية وكيف أن المجتمع يفرض الوصاية عليها باسم الدين! وكيف أنهم ألبسوا الدين عباءة شيخ القبيلة ومزجوا عادات القبيلة بالدين...
وتكلمنا في الفن، وكان من جمله الحلوة التي أحفظها أن قال: إن أم كلثوم وفيروز هي اللغة التي يتخاطب بها العرب جميعاً !
وكان من قوله: إن فيروز ليست فنانة ! لأن الفنانين من الأرض وفيروز من السماء!!
وعلى الرغم من تطاير شظايا القات الممضوغ! من فم صديقي ********على وجهي وثيابي إلا أنني استمتعت بالحديث إلى هذا اليمني المثقف، وكان من طريف ما جرى في الباص، أن رجلاً اعترض على هذا الغناء الذي وضعه السائق وقال( بلهجة يمانية لذيذة وطريفة): يا خي ماهذا ؟ والله هذا حرام، يعني بدل ما يحطوا لنا شريط قرآن أو موعظة دينية نستفيد منها ونتعظ، يحطون لنا أغاني ماجنة تنسّينا الله !!!
فقال له صديقي الاشتراكي : ما هذا الكلام يا خي ؟ كيف تقول كذا ؟ الآن نحن في الباص على شان هذه الأغنية نسينا الله ؟!
فقلت له مازحاً : أنت آخر من يتكلم عن الله ! ألست اشتراكياً ؟ تقول : لا إله والحياة مادة !!
فقال يرد المزحة بمزحة : لا يا أخي أنا ما أقولش لا إله والحياة مادة ! أنا أقول : لا إله فقط !!! أما الحياة مادة هذي فلا أقولها !! وكانت لطيفة من لطائفه أضحكتني ....(والعياذ بالله)
ثم التفت إلى الرجل المعترض وقال له : يا أخي أنت إذا تحرم هذا الفن ، يعني ما عندك إنسانية!!!
فأجاب : اسكت أنت ! أنا ما كلمتك! من يلهيه الغناء عن الذكر فقد عبد الغناء من دون الله !!!
فتدخلت حينئذ وقلت له : يا رجل ، اتق الله من استمع إلى الغناء وانشغل به عن الذكر فقد عبد الغناء من دون الله ؟؟؟ حرام هذا الكلام وتكفيري، قل إنه لاه أو عاص لكن لا تقل إنه عبد غير الله !
فتدخل صديقي ليغيظ اليماني الآخر وقال له: أنا أحب نانسي عجرم ( بالجيم اليمانية الشبيهة بالمصرية) يعني لما أشوفها أتجنن!!!
فاستشاط الآخر غاضباً وقال : قلت لك اسكت أنت !! أنا لا أكلمك


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 07 Sep 2007, 12:24 AM [ 10 ]

تاريخ التسجيل : Jan 2007
رقم العضوية : 2131
مواضيع : 44
الردود : 213
مجموع المشاركات : 257
معدل التقييم : 25خوي الذيب is on a distinguished road

خوي الذيب غير متصل




الجزء العاشر




وهكذا استمر الحوار حتى تدخل فيه ركاب مقدمة الباص كلهم! وارتفعت الأصوات ولكني كنت البطل المجلي في ذاك الحوار وأنهيته بسلام ، وقد نصرت رأيي في الغناء أتم نصر، فسرّ الأخ الاشتراكي بهذه المناقشة وقال لي : يا أخي ما شاء الله عليك، أنت تقدمي بامتياز، مناقشتك جميلة جداً ...
حتى إذا ما وصلنا إلى صنعاء وبادرنا بالنزول إذا بهذا الرجل الذي تكلم كثيراً عن التقدمية والتحضر، قد ملأ مكانه بأوراق القات!!! فلما نزلنا من الباص قال لي : شوف يا صديقي ، لا يغرّك كلامي، هناك فرق بين النظرية و التطبيق !! ولقد صدق ... سلمت على صديقي هذا بحرارة وأخذت رقم هاتفه وكذلك فعل هو... ومضيت إلى السكن الذي تخيرته ....

أما صنعاء فليست كتعز لا من حيث التضاريس وطريقة التصميم، ولا من حيث النظافة، أما التضاريس فصنعاء ـ على الرغم من أنها أكثر ارتفاعاً من تعز ـ هي أرض مبسوطة تحيط بها الجبال من جميع جوانبها، وأما من حيث النظافة فهي أنظف من تعز ، فقد ترى فيها عمال نظافة هنا أو هناك، وهي أبرد طقساً من تعز، وشوارعها أكثر اتساعاً، وأشهر شوارعها شارع الستين ومنطقة يقال لها : حَدَّة، وأهل صنعاء معروفون ـ كما قيل لي ـ بأنهم أجمل وجوهاً وأسمح أنفساً، ونساؤهم أشفق نساء اليمن على أطفالهن وأوفاهن لزوج وأجملهن وجوهاً، هذا ما قيل لي ولست في هذه الأمور من أهل العلم ولا الخبرة فلا يؤخذ بقولي، وكذلك قيل لي في أهل منطقة يقال لها (المحويت) أنهم من أصبح الناس وجهاً حتى ليظنهم الرائي من أهل الشام لشدة بياضهم وشقرة شعورهم، ولم أر أنا أحداً من أهل المحويت حتى أحقق هذا، وقيل لي بأن أهل (إب) هم بنفس الصفة.
وعلى الرغم من أن صنعاء أنظف من تعز ، إلا أنه ليس مما يستغرب منه أن ترى في أكبر شارع من شوارعها منطقة قد طفحت فيها المجاري، وتراكمت فيها الأوساخ! حتى لو جاورت صرحاً من صروح اليمن كمستشفى (آزال) إن لم تخني الذاكرة.
وكان أكثر تجوالي في صنعاء على مكتباتها، لأحصل من الكتب على ما لا أجده هنا، وبالفعل وجدت كتباً تشفي شيئاً من غليلي فيما أبحث عنه، وكان من أبرز ما زرته هناك من المكتبات مكتبة الإمام زيد التي تنشر الفكر الزيدي وتحقق كتبه، وتعرفت على أصحاب هذه المؤسسة وأكرموني غاية الإكرام واستقبلوني أفضل استقبال على دماثة خلق وطيب عنصر، فاشتريت منهم بعض الكتب في المذهب الزيدي والجدير بالذكر أن أصول اعتقاد الزيدية هي أصول أهل العدل والتوحيد( المعتزلة )، وهم الذين احتضنوا هذا المذهب العقلاني الذي لقي من الإقصاء والتعذيب ما استحل به دماء أهله وأحرق به كتبهم ومراجعهم، كما اشتريت منهم كل كتب حسن فرحان المالكي تقريباً وهو ليس زيدياً ولكنه عقلاني وكل من ينتحل المذهب العقلاني في العقيدة الإسلامية فلا بد أن يلتقي بمذهب المعتزلة في الفكر الإسلامي .
واشتريت من مكتبة تسمى مكتبة الوليد كتباً أخرى في الفكر أيضاً لباحث اسمه محمود إسماعيل .
وفي مكتبة صغيرة أقرب إلى أن تكون (كشكاً) ألفيت مجموعة من الكتب الفكرية العميقة لعلي حرب(وليس كل كتبه ممنوعة في السعودية)، ورأيت كتاباً بعنوان (الدين السائد) لكاتب سمى نفسه أبو حسن الجداوي، وكتابه هذا جيد من حيث الإشكالات التي يثيرها ولكنه تناولها تناولاً ينقصه العمق في الحقيقة إذ كل إشكالية من تلك الإشكاليات تحتاج إلى صفحات لحلها في حين عالجها هو في أسطر معدودة وطريقة كتابته كطريقة كتابة الشعر المنثور!! لا كتابة الباحث الذي يريد أن يعمق فكرة ويؤصلها، هذا (الكشك) الذي اشتريت هذه الكتب منه اسمه مكتبة الشرق إن لم تخني الذاكرة.
ومن طريف ما أذكره في هذا المقام، أن رجلاً يمانياً شابًّا كان يراقبني وأنا أقلب في الكتب وأتصفحها على مرأى مني، حتى إذا ما أنهيت حاجتي من التصفح والشراء (ولم أشتر كل ما أريد في الحقيقة) وخرجت من المكتبة أخذ بيدي وسلّم عليّ بحرارة وقال ( بلهجته اليمانية ) :
ـ أنت مثقف ؟؟؟!!!
ـ إن شاء الله !
ـ والله أنا شفتك تقلب في الكتب هكذا ، يعني حبيتك !!!
ـ يا سيدي أهلاً وسهلاً ، أي خدمة ؟!!
ـ يعني أقول : إذا أنت مثقف ، أشتي ( أشتهي ) تجاوب على هذا السؤال!!
ـ تفضل يا حبيب .. إذا أعرف الإجابة حجاوبك ...أيش هو السؤال ؟!!
ـ من هو الذي وضع النقاط على الحروف ؟؟!!!
ـ والله بحسب علمي المتواضع ، هو أبو الأسود الدؤلي ...
ـ لا ، لا ، إجابة خاطئة !
ـ طيب ، إذا لم يكن أبو الأسود الدؤلي ، فهو إذن الخليل بن أحمد الفراهيدي ...
ـ برضو إجابة خاطئة !!!
ـ ( بنوع من الحيرة ) فمن هو إذن ؟!!
ـ ( أجاب على الفور ) ... أسامة بن لادن !!! عندما ضرب البرجين ، وضع النقاط على الحروف!!!!
فضحكت له وسلّمت عليه سريعاً وانصرفت، وقلت له :
شكراً على هذه المعلومة الغالية، ومع السلامة يا حبيب ...
ـ مع السلامة ، الله يوفقك يا مثقف !!!!

الأعلى رد مع اقتباس
إضافة رد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ماذا قدمت في الإجازة الصيفية همي رضى ربي المنتدى الاسلامي 9 30 Jul 2008 12:21 PM
كيف يمكن لأبنائنا استغلال وقت الفراغ في الإجازة الصيفية بسمة القسم العام 7 03 Jun 2008 02:53 PM
استغلال الإجازة الصيفية .. محاضرة لـ ( د.عبدالمحسن أخت الرجال منتدى المرئيات والصوتيات 8 01 Aug 2007 09:47 PM
الإجازة الصيفية ..!! أخت الرجال القسم العام 9 01 Jul 2007 05:49 AM
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

09:37 AM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com