..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


العودة   شبكة الشدادين > المنتديات الأدبية > منتدى القصص والحكايات > كتّاب المنتدى في القصص والرواية الأدبية
 
أدوات الموضوع
إضافة رد
  [ 1 ]
قديم 26 Mar 2006, 04:31 AM
عضو متميز

كديميس غير متصل

مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص


تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83
الملف الشخصي للكاتب
إضافة تقييم
الرد على الموضوع
ارسال الموضوع لصديق
طباعه الموضوع
تبليغ عن الموضوع
على قيد الخوف رسالة إليك ـــ ميسون جنّيّات



الفصل الأول

لستُ أدري أمن الحكمة أن ألتجئ إلى قلم أترجم به أحاسيسي، في وقت لا يُدينك فيه سوى قلمك. فاقتراف الكتابة، مثل تعاطي الأخبار، لن يضيف إليك سوى تبعثرٍ على تبعثرٍ، فتجد نفسك أكثر فوضى وشتاتاً.‏

ما سأرويه، يصلحُ لأن يكون لكلّ زمن، ومسرحه كلّ بقعة من أرضنا المفرنجة، وشخصياته أنا وأنت، هو وهي، وإن سألت من أنا..؟!‏

أنا جزء منك ومنه ومنها... أنا ما لم تستطع أن تقوله زمن الكلام وما تقوله دائماً زمن الصمت.‏

صدّقني أنا لا أدّعي الحكمة ولستُ تابعة لأي مدرسة فلسفيّة. أنا قصة من هذه الحياة اليوميّة.‏

إنني أكثر من عادية، أبحث عن الحبِّ المطلق، أزرع شتلاته أينما رحلت، وأحيا على أمل صمودها في وجه أعاصير الأيام.‏

وفي كثير من الأحيان، أشعر أنه لا وجود له سوى في قلبي، وأحياناً كثيرة أجد له ملامح في كل مكان..‏

كلنا يسأل لماذا خلقنا، وكلنا يظنّ أنه وجد الجواب. و الحقيقة أننا لم نصل حتى إلى سفحه. فالجواب أعلى من أن يطال، ودائماً لا تصلكَ سوى أنصاف الحقائق مهما بالغت في الإلحاح عن إجابةٍ لها.‏

ودائماً هناك دوافع مخفيّة لا نبوح بها، تبقى هي الحقيقة الغامضة التي نتلذذ بإخفائها.‏

ما سأقوله أيضاً له أكثر من دافع، ستفهم أنت ما توده، وتدعي أن لغتي لم تصلك لتفهم النصف الذي لا تودّه..‏

ما يربطنا هو فقط ما يتقاطع من لغتي مع حسك، ومن حزني مع خيبتك، ومن أنوثتي مع شهوتك، ومن غبائي في البوح مع ذكائك في الفضول، ما ستسمعه قد يكون ضرباً من الجنون أو من الصحوة أو لعله هذيان أحزان.. فعندما تحزن تثبت للإنسانية أنك جدير بالبكاء. وعندما تفرح تضحك عليك الإنسانية.‏

فمن أيّ نافذة تطلّ على الفرح، لتجد نفسك في مكيدة للبكاء أيضاً...‏

أنتَ تصلح للتهكم ولمقايضة الدنيا بدموع ساخنة، خاصة عندما تعي أنك سليل عائلة عاش أمواتها زمن الخوف والجوع والاستبداد.‏

أي ابتسامة زارتْ وجهكَ وأنت تقفُ على هاوية الأمل الكاذب كحد الجرح آن يتماثل للنزف، وكحد الوقت آنَ يشفى بالنسيان.‏

انظر إلى أكف البساتين المتعبة، ترى أنها تقيم الصلاة على خرابها وتبكي بثمر لا يطؤها إلا سراب من مطر حزين، فكيف تضحك على صدورها سنابل أو أشجار أو رجال؟!‏

لا يسعني وأنا أرى خرابة بكل هذا التأذّي إلا أن أسخر من تفاؤل أجدادي بالآتي وأجدادي شديدو الإخلاص لأجدادهم، فتخيّل كم عاهة يحتمل هذا البلد.‏

ـ بلدتي قرية كبيرة، توارثت عن أجدادها حنكة النميمة.‏

زارتها الحضارة مؤخراً بأشرطة الفيديو وأجهزة التلفاز، لكنها ظلت محتفظة بكل عاداتها، أقصد بكل أمراضها فتلك الأجهزة لم تزدهم سوى ساعات ماجنة، يبقون طوال الليل يتأملون أجساد الغرباء، وطوال النهار يلعنونهم، وكأن تلك الأجهزة لم تُخترع إلا للفساد ولإضافة سلبيات أخرى على رداءة أخلاقهم.‏

لماذا لا يفطن أحد لوجود الله إلا في معرض الحديث، لماذا لا يكون شيوخنا قدوة تحملنا من مستنقع يائس إلى هضبة نائية أو تحمينا من شياطين لا تسكن إلا في خرافاتنا ومنازلنا المعتمة..‏

ولماذا يرتجف صوت المؤذن ظهراً أو يقطر دماً عند الفجر، ولماذا لا يجرؤ أحدنا على الصرّاخ إلا في منزله وعلى من يستحق المؤازرة؟‍!‏

زمن أغبر من سابقه وأحزن من تاليه، لأننا فيه لا نجيد سوى البكاء وترتيب الأحلام حسب صراخ الأب والزوج.. والمختار.‏

بلد قايض بمفكريه أسلحةً لدمار الباقي.‏

واشترى ما يلهي الأغبياء، اشترى صوراً لنساء الغرب يتباهين بأثدائهن أمام شهوة الكبار والصغار، المذبوحة على رائحة الأحلام.‏

بلد توأد فيه الأنثى لو عرفت أنَّ لعَرقِها رائحة الدّعوة. ويداس فيه الرجل لو سمح لقلبه أن يقوده إلى أنثاه.‏

بلد يستسلم للعرّافين كي يَقْبَل الزوج بقرته وكي تَقْبَل الزوجة بغلها..‏

ولدتُ في صفصافة على خد ساقية خلف رابية عجوز، عرفت فيه نغم الترقرق وصراخ الرق. وعرفت فيه أنني لو أردت الحياة فيجب أن أبقى الأعلى ولو على تلة الجثث التي نأكل لحمها كل يوم.‏

قرية خلف إحدى الروابي وعائلة خلف جدار الجهل، كيف يهرب والدي من نظرة الشفقة في عيون الجوار فبيته لا يحوي إلا النساء، أمي وأختي ميس وأنا، رولى وهو الديك الوحيد فوق هذه المزبلة.‏

أدرك والدي أنه في ورطة طالما أنَّ خلفته بنات، وعرف حجم الكارثة لو أن أثداءهن تشامخن إلى حدّ النهوض بالقميص إلى أحلام الشباب، ووالدي بحكم تجارته يعرف الثمين من الرخيص فقرر الرحيلَ بكل مخاوفه إلى بلد لا يعرفُ عن ثرائه سوانا أنا وأختي.‏

وكعادته حمل في ذاكرته كل شوائب البلد وتدثّر بنسيمه ذات صباح وغادره باكياً.‏

سافرنا إلى بلد ضاع فيه والدي (بيروت) فلو بقي بسرواله لصار أضحوكة الشارع. ولو خلعه لبقي طوال عمره يبكي على نفسه، وكأنَّه خان كل من تركهم خلفه. ظل والدي ستة أشهر يشعر بالبرد أو بالخوف.. لست أدري لكنّ صوت نحيبه في الليل كان يقول أنه يشعر بالضياع..‏

لم تكن أمي مثله وكأنَّ النساء أقدر على التلاؤم مع المحيط، أو لعلهن أكثر نسياناً، ومع مرور الوقت كان أبي يستسلم لقرار البحر.‏

صعب على من عاش موارباً خلف الهضاب أن ينفتح مباشرة على المدى. والبحر!! أستاذ يعلمكَ كل يوم حكمة من أسراره تفاجأ أنه قد لا يكررها ثانية.‏

بيروت تلك المؤهّلة لأن تكون جنة الله على الأرض تخشى من عبادها غير المؤهّلين للإقامة فيها.‏

وتخشى من رائحة الجهل القابعة تحت رؤوسنا.‏

ومن رائحة الجبن العفنة التي تسكن عباءة والدي، ويرفض أن يرميها وكأنها التاريخ الذي يربطه بكلّ البقر هنا.‏


توقيع : كديميس

"لاتبحثوا عني بين كلماتي فهي لاتشبهني"

رد مع اقتباس
قديم 26 Mar 2006, 04:32 AM [ 2 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




كي يهرب من ذاته أكثر فاجأ أمي بالرحيل إلى البرازيل على ظهر سفينة يعمل عليها بأجرة نقله إلى هناك. ولم يحدد موعد العودة وكأنه يخيّرها بين العودة إلى قريتنا وبين العمل لتأمين حياتنا.‏

فهمتْ أمي لغز التحدّي لكنها فضّلت الصمت ككل نساء الشرق على مواجهة الخوف القابع في عينيه، وعلى هروبه من المسؤولية، ومن نحيب ابتعد أخيراً مع بوقٍ قاسي النبرة، كركاب السفينة.‏

نسيتُ شكل أبي مع الأيام وبقيتْ أمي تحفر صورتها في مخيلتي. كيف تشتري حاجات نساء المبنى، كيف تحمل أكياس القمامة، وكيف تشطف الأدراج، وكيف تحوك الثياب، وكيف.. وكيف.. كبرنا على حساب تعبها. وأبتْ تعليمنا إلاّ في مدارس أجنبية. تضحك أمي من لكْنَتِنا لكنّها تضّمنا دائماً كمن يحتفي بجائزة عالمية. ومن حظّنا كان الجمال يتوّجنا كل يوم في أعين العابرين والمقيمين في مبنانا، لدرجة جعلت أمي لا تغادرنا لحظة، خاصة أختي ميس التي تصغرني بثلاث سنوات.‏

ميس الغندورة، هكذا كان لقبها، يندى الورد لو مرت ميس قربه. إنها قصيدة تمشي على قدمين. وكي تحافظ أمي عليها أكثر أدخلتها معهداً لتعليم رياضة (الكراتيه) مما جعل كل فتيان وفتيات الحي ينتسبون إليه.‏

وأمي التي تسأل البحر كل يومٍ عن سفينة ينعقُ فيها بوم الغياب وتأخذُ الأمواج دموعها لتضفي على البحر ملوحة الحزن، ثم ترمي بصوتها إلى صخور اليأس، ويعود الزبد حاملاً معه هلام الذكرى.‏

أمي ما كنتُ أظنُ بعد هذه السنين أنكِ أقوى من النسيان.‏

يكفي نداء عليه وإن عاد فماذا سيضيف لنا سوى نميمته المتأصّلة.‏

يذهب إلى الغرب ويعود حاملاً قصصاً لا تعني أحداً منا سوى تمضية ساعات من الزمن يتثاءب القمر فيها على سرد حكاياته.‏

ـ بيروت ونيسان عاشقان منذ طفحتْ خدود شواطئها بحمرة الشمس بيروت ونيسان لوحة لا تقاوم مشاهدتها كل صباح ومساء.‏

يتململ فيك الحزن حتى ترميه وتهرع إلى مصاحبتها بحثاً عن مضاجعة وقت لا يملّك.‏

في منتصف التأمّل، وأمي ترتّب بكاءها على شباب مضى، يعلن التلفاز عن وصول سفينة من البرازيل بعد خمسة عشر عاماً.‏

ينزل والدي سلّم السفينة مرتدياً بدلة بيضاء ويحمل حقيبة دبلوماسية سوداء وفي يده الأخرى قبعة تقول: إنه رمى تاريخه في عَرض البحر قبل أنْ يغادر.‏

صرختْ أمي: إنه هو والدكم. تسمّرتْ أمام التلفاز الذي يعرض كبار المستقبلين وتعليق المذيع عن تاجر البن الكبير العربي الأصل الذي يزور بيروت بعد غياب طويل.. والذي سيدعم الاقتصاد المحليّ بمشاريع كبيرة.‏

انهارت أمي على أريكتها الصّبورة لا تدري ما تفعل..‏

هل تبكي أم تضحك، كل ما فيها يهذي، إلى أن حالفها الإغماء واسترخت. نظرتُ إلى ميس، كانتْ تقيسُ بشغب مقدار الشوق في حركات أمي وتُلقي بعض التعليقات بدهشة حيناً، وبفضول أحياناً.‏

وكانت تراودني دموع ثم تختفي دون إرادة مني، فأنا لا أقوى على ترجمة مشاعري إلا بالهروب.‏

مسكينة أمي.. فقياس المسافة بينها وبين والدي بات صعباً. ولكن ليس بقدر صعوبة أن يرانا بهذا الشكل.‏

فاته الكثير من تفاصيلنا ولم نكُ ننوي قبل اليوم أن نعرف شيئاً عن تفاصيله إنه ببساطة نذر نفسه للغربة.‏

الآن عرفت لماذا لم تغيّر أمي مسكننا كل هذا الوقت، ليدخل علينا حاملاً شوقه وآماله وأمنياته ويرمي لنا بما يحمل من متاع متّسخ وببعض الهدايا التي يظن أنها تسدُّ جوعنا إلى الأبوّة، وكأنّ الأب هديّة بعد طول هروب. رششتُ على أمي ماء الزهر لتصحو وأمي لا ترش إلا بماء الورد والزهر. تماثلت إلى اليقظة وتساءلت:‏

هل حضر والدكما؟.‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 26 Mar 2006, 04:32 AM [ 3 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




ليس بعد.. ما زالت تعاند دقات قلبها، إلى أن سمعنا صوت الجرس، هرولت ميس لتفتح الباب، تسمّرت أمي في مكانها، إلى أن دخل بكامل شوقه وبعنفوان رجولته، يختصر الزمان بكلمات بسيطة! ويقول:‏

ها أنذا قد عدت كيف حالكم؟!‏

أول من ركض إلى احتضانِهِ أمي، فما كان منه إلا أن قال: (عيب البنات هنا). وقعت أمي أرضاً تلملم خيبتها، وتخلع له حذاءه؟!‏

وتقول: تعالين يا بنات قبلن والدكما.‏

تعالت أصوات ضحكاتنا المدوّية مع شهقات أمي اليائسة ونحن نقول أوه "نو" "إمبُوسِبل".‏

صعب عليك أن تصف حزنك بالمقتضبِ من الدموع وصعب عليك أنْ ترسم ابتسامة على شفاه القهر.‏

إن يخذلك القدر، فتلك صفعة لم تكُ تتوقعها لكنك لا بد ستستسلم لحزنها رضيت أم أبيت.‏

أما أن يخذلك من تحبّ تاركاً ظهرك لكل طعنات الغدر فلا بد يوماً سيستفزك جرح وتغلي في شرايينك كل الطعنات دفعة واحدة.‏

وهذا ما جعل أمي تستذئب فجأة خاصة بعد أن رأت مجلّدات الصور وعشرات الفاتنات يقفن قرب والدي كاشفات الرأس، عاريات الصدور والأفخاذ.‏

يأتي إلى هنا متأبطاً مجلّداته ليقول: (عيب البنات هنا)!!‏

كيف تقبل أمي كلّ هذه التنازلات دفعة واحدة، وهي من ركنت أنوثتها خمسة عشر عاماً على الرف لتعمل كآلة مبرمجة من الصباح وحتى يهدّها التعب كيف؟! وهي من مزّقتْ من عمرها أروع الصفحات.‏

صفحات الشباب ورمت بها في موقد الغياب يتناثر رمادها يوماً فيوم.‏

أظن أن أمي ما عادت تعرف كيف تمسك مشطاً، أو تضع في عينيها كحلاً أو حتى ترتدي ثوباً مغرياً. صارت تخجل من نفسها لو فعلت ذلك.‏

وأظن أن أمي على طول الهجر عادت عذراء. فهل تراه الآن سيعود إليها. ينقر على ثدييها طالباً جرعة حنان أو شهوة، وأمي وزّعت حنانها علينا صارتْ تحلم لو أنها تضع رأسها على صدر يفهم بالفطرة عودة الأنثى إليه. إلى السند.. إلى الحائط الذي يحمي انهيارها. لكنّ المشكلة أن أمي كان تسند جداراً من الوهم تخاف في كلّ لحظة أن يخفي ظلها تحت الرفات.‏

وأبي يُكْبر أمي فينا كلما رآنا نتفتل في حُجرات البيت. كانتْ دموعه تحكي.. لكننا لم نعتد أن نرى رجلاً في بيتنا، كنا نتصرّف بحرية أكثر لا نحسب حساب عُرينا. نخرج من الحمّام بعد أن نوْدع أصوات غنائنا هناك. و لكن بعد قدومه صارت المسجلة مبحوحة الصوت، والتلفاز غائرَ النظرة، ولا يسمح لنا إلا بالأخبار.. صرنا أكثر تحفظاً من ذي قبل. حرّمت علينا أشياء كثيرة مثل (الإنترنت) ومحادثة الأصدقاء والدخول على مواقع محظورة.‏

حتّى الكتب التي كنت أعشقها وأسبح معها في عوالم أخرى صارت تخضع للمراقبة. يسمح لي بقراءة الكتب الدينية والجغرافية والتاريخية. أما الكتب التي تتحدث عن الفلسفة والحب والحياة وقصص المغامرات والقصص البوليسية. فهي حسب اعتقاده صارت خارج المنزل. الحمد لله أنه لا يدري بما يحويه صندوق سريري من ممنوعات رائعة عن نزار وعن الروايات العالمية والعاطفية لو كان يدري على ماذا أنام، لكان اعتبر نومي فعلاً أشنع من الزِّنا.‏

آه يا أبي لو أنك تتعلم لغة (الإنترنت) لكنت أكثر سعادة مع أمي وأنت يا أمي كم ينقصك من الجرأة لتقتربي من جهاز الكمبيوتر تخافين منه وكأنه أحد أبطال الروايات الخرافيّة في قريتكم.‏

متى تخرجون من القمقم متى تتحرًّرون من الآخر فيكم، وترمون خوفكم في سلة الماضي متى يتحوّل الآخر إلى سند لا إلى قيد.‏

خلعتَ يا أبي سروالك الخارجي، يبقى أن تخلعَ سروالك الداخلي، وتخرج من عقدة القطيع.‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 26 Mar 2006, 04:33 AM [ 4 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




كيف أقولُ لك بكل صراحة إنني إنسان يعشق ويحب ويرغب. ولست مضطرة إلى كبت كل ما أحبّ لأنه لا يوافق اعتقاداتك وأنا منذ أتيتَ أحتال على الظروف لرؤية وليد، أضعته مني برفضك الجائر له. أرجوك أن تفهم أنني اخترت وليداً حبيباً وزوجاً وأتمنى أن تبارك ارتباطنا لا أن تهدم بلحظة ما بنيناه سنين.‏

حتى ميس حطّمتَ قلبها. كَسَرْتَه مئة شظيّة فأنت لا تدري كم تحب فؤاداً. ففؤاد كان الدّم الذي يسري في عروقها كان الهواء والسّماء. قتلتَ أجمل حلم داخلها..‏

كيف تقبلُ أن تحطّم قلبين، وتبيع الحبّ بأرخص ثمن، أو بلا ثمن وتقبل بزواجها من ذلك التّاجر وترسلها إلى بلد آخر. كم يكوينا الجهل بجمر العناد.‏

زوجتها لمن تراه أنت أهلاً لها مالاً ومركزاً. لكنها ليستْ سعيدة. كم يرهقنا ويقتل مشاعرنا عقل من عقول التجار؟! كلما حاورتك أشعر أنني أدق بإزميلٍ على صخر من صوّان.. العناد غباء ولكنك تبدو أكثر غباء لو حاورتَ عنيداً.‏

استسلمنا لقرار والدي بزواج ميس من ذاك التاجر الذي لم نعرف عنه سوى مظاهر الثراء وتلك الأموال التي يرشّها على أختي ليسحب منها ابتسامة.‏

غادرت أختي إلى دبي بلاد الذهب الأسود. لم تقطعنا أبداً من رسائلها واتصالاتها ولهفتها. ولم تشهد أيضاً ذاك الحادث المشؤوم لوالديّ.. تركتني أعاني هول المصيبة وحيدة.‏

كان والدي حديث التعلم على قيادة السيارة، وعندما قرر أن يقوم برحلة بين الجبال، تدخّلت أمي لتحسم قدرها. لأول مرة أرى أمي بهذا الإصرار، وبهذه الرغبة، علماً أنني حاولت إغراءها بمسرحية رائعة للرحابنة أو بحضور مهجران شعريِّ أو حتى فيلمٍ في إحدى دور (السينما) أبتْ كل ذلك. أظنّها كانت تودّ أن تعيد ذكرياتها الأولى مع والدي. ما كنت أظن أنّ حتفها على كتف طريق في الجبال.. انفجرتْ السيارة وتفحّمت الجثتان.‏

لم أستطع النظر إليهما عندما بلّغتني الشرّطة. تعرفت فقط على رقم السيّارة وعلى حقيبة أمي الجلديّة التي سلمت من الحريق.‏

ولم أستطع أن أخبر أختي ميس إلا بعد مراسم الدفن وبعد أن استطاع لساني أن يعيد ذاكرة الكلام..‏

وليتني ما فعلت. فشهقتها فجّرت في كياني كلَّ الأحزان وصوت ارتطامها على الأرض جعلني أصرخ وأنادي. ولكنّني لم أعرف عنها شيئاً سوى بعد يومين حيث حادثتني من المشفى وهي أكثر انهياراً مني.‏

تعلّمنا بعض المحن أن نكون أقوى، هكذا نظن، وهي في الحقيقة تكون قد صلَّبتْ جزءاً كبيراً من أحاسيسنا. حتى نموت ونحن واقفون، نمشي كالأشباح لا نرى شمساً ولا شجراً ولا حياة. من يشغله عالمه الداخلي لا يرى خارجه، ومن يشغله ما هو حوله لا يفطن في بعض الأحيان إن كان سعيداً أو حزيناً، جائعاً أو متخماً، وهكذا مع مرور الوقت تحوّلتُ إلى تمثالٍ أو آلة، أستيقظُ بنظام. أذهب إلى عملي، أعود لأنام. أدخل مرحلة الإفراغ. أنام لأشحن من جديد.‏

وأنا في غمرة أحزاني في زاوية منسيّة تحت ركام الأيام، انتشلني رنين جرس الباب من ضياعي. كنت أقلّب صوراً ورسائل وأنبش في الماضي بحثاً عن إحساس يؤنس وجعي، عاود الرنين إصراره. أحقاً مازال جرسنا يعمل؟!‏

أسعدني سماع صوته حتى لو كان لعابر سبيل.‏

قمت أتمطّى من سبات الحزن، أنتعل ومضة حسٍ عابرة، وإذا بأختي ميس بعد غياب سنة ونصف، بقامتها، بلهفتها، بدموعها. بذراعيها، أشهد أن الوطن كان ذراعي ميس وحضن ميس.‏

مازلت لا أصدق عيني..حملتْ حقائبها. رمتْها في زاوية ميّتة ثم خلعتْ حذاءها ومعطفها. وبدأتْ تنادي أمي.. أبي ها أنذا قد عدت. كانت جدران البيت تهتز. كما كانت أعصابي قد أصيبت بنوبة زلزالٍ فجأة. ثم أخذتْ تتحدث بصوتٍ عالٍ ليسمع الأموات.‏

قالت: كيف يجرؤ الموت على أن يأخذ أعزّ من لدينا ويتركنا هكذا للفراغ؟! وكيف تستطيعين العيش هنا مع كل هذه الوحشة؟! مع هذا القبر؟! لا يسمى البيت بيتاً إلا بأهله. صار قبراً لكلّ ضحكاتنا. لكل ذكرياتنا!!‏

أشمّ رائحة أمي في زوايا المكان.. لكنني لا أرى سوى غبار غيابها وانطفاء الموت!!‏

رمت بنفسها على سرير أمي وأجهشت بالبكاء، وأنا ما زلت أفك عقدة لساني ودهشتي وأعيد إلى ذاكرتي تلك الأبجدية، وأحاول النطق لعلّ لساني فقد صلاحيّة الكلام.‏

ـ ميس أنا هنا أشتاقك جداً. أحتاجك جداً.. يكفي، وحاولي أن تستجمعي قواك. سأُعِدُ فنجاني قهوة بينما تخلعين ثيابك، فردّتْ : فنجانا قهوة فقط اثنان يا رولى؟!!‏

تجاهلتُ قصدها وهرعتُ إلى المطبخ، وبعد أن عدتُ وجدتها نائمة وشاحبة.. جلستُ أتأمّلها، كم كانتْ رائعة!! حتى بحزنها رائعة.. سبحان الخلاق!!‏

في الصباح أيقظتني برائحة قهوتها، وبرائحة صابونها وعطرها، وبرائحة الأرض التي تسللتْ من نافذة خجولة تردٌّ لنا عبق الأموات.‏

تحادثنا طويلاً وفهمتُ أنها أتت لتقيم معي بعد أن أنهتْ علاقتها الزوجية بسلامٍ وتراضٍ، وأنها لن تعود أبداً إلى تلك البلاد المحمومة.‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 26 Mar 2006, 04:34 AM [ 5 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




الفصل الثاني

بعودتها عاد إلى جفوني الكرى, وعاد إلى دمي دفقه, وعاد إلى حسي بعض الدفء. شعرتُ بأنني المسؤولة عنها. ألستُ الكبرى؟‏

لا شعورياً صرتُ أقوم بدور أمي. وبعد فترة لاحظت ميس أنني أشبهها بجميع حركاتي وسكناتي, بحناني وتفانيّ المطلق. لكنها لا تدري أنها السبب الأعظم لوجودي. هي من أعطتني هذا الدافع لأحيا, ومن أعادتْ البسمة إلى وجهٍ كان قد حنّطه اليأس.‏

أحاديثها المشوّقة أعادت إليّ الانفعال, وحزنها في بعض الأحيان كان يحفّزني, فأقوم بأعمالٍ ما كنت أظنّ أنني قادرة عليها.‏

فمثلاً اليوم طلبتُ من لؤي زميلي في العمل محادثتها على الهاتف.‏

ولؤي يحبها حقاً وكان قد طلب مني يدها لكنها لا تراه.. لا ترى إلا فؤاداً.‏

البارحة كانت ميس متوعكة, وطلبتْ مني اصطحابها إلى الطبيب.‏

وبعد أن خرجتْ من غرفة المعاينة تشاغلت عن سؤاله ودسّت دمعة في جيب منديل متعب ومضتْ دون إجابة.‏

ما زالت ميس رغم طلاقها غاية الرجال ومحطّ الأنظار. ترشقها النساء بنظرات الحسد, ويرشقها الرجال بنظرات الإعجاب, حادة الذكاء وحادة الطباع.‏

فعندما سألتها ما قال الطبيب قالت: كلام تافه مثله تماماً, ومثل هذه الدنيا أيضاً. بعد نزولنا حاولتُ استنطاقها ولم أُفلح لم تنطق سوى بضع كلمات: أسرعي قليلاً سيارتكِ مثل سلحفاة عجوز.‏

دخلتْ مسرعة فرنين الهاتف عجّل من خطوتها.‏

رفعت سماعة لاهثة وقالت: آلو نعم.‏

ـ أحبّك.. بُهتتْ.. صمتٌ اغتال أسلاك الهاتف.‏

ـ تابع أحبّك ميس.. أشتاق إليكِ أحتاجك قربي أرجوك قولي نعم.‏

ـ أهلاً سيد لؤي..‏

ـ سيد لؤي ياه أشكرك على هذا الاحترام أقول أحبك لتقولي سيد لؤي.‏

ـ عفواً أرجوك لو كان لديك ما تقوله قل ويكفي تجريحاً.‏

أنا من أجرّح.. لا ليس لدي أكثر مما قلتْ.‏

ـ حسناً إذاً رافقتك السلامة.‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 26 Mar 2006, 04:34 AM [ 6 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




أعادت سمّاعة مذبوحة إلى مكانها, وانهارت فجأة على كرسي اعترض على ثقل جلستها بإصدار بعض الطقطقات الخفيفة, ثمّ قالت: كيف أُفهم من حولي أنّ الجليد بركان يغلي وأنني حرّة في اختياري هذه المرّة.‏

ومتى يفهم فؤاد أيضاً أنني لا أقبل المساومة على كرامتي, وأنّني لستُ رقماً في سجلّ مفكرته, أو صفحة يكتب عليها ذكرياته كلما أحبَّ المتعة. سأكون تاريخه يا رولى وغداً ستعلمين كيف يكون الحبّ تاريخاً. هل تُراني أعاقبه بإهمالي له بعض الشيء أم أعاقب نفسي؟!‏

فقلت لها: اتركي له فسحة من التفكير يا ميس.‏

ردّت الكارثة تكمن في الحريّة وغياب الرقيب. لست أدري تتقاذفني الأفكار كريشة منهكة من إعصار.‏

ـ سياط الزمن قويّة.‏

ـ الأقوى حِبال اللاءات يا رولى.‏

ـ اعتذرتْ لتغيّر ملابسها. بدأتْ تفكّ أزرار القميص. أظن أنّها الآن تبكي لفراق جسدها, وأن الحاجات بدأت تترامى لتحظى بملامسة جسدها.‏

فاتنة أنت مثل الربيع ومثل حوريات النعيم.‏

في الصّباح أيقظها المنبّه. أخرستْ رنينه بإصبع متعب واستجابت فوراً لليقظة فالطّبيب طلب منها تحليلاً سريعاً للدّم.‏

ارتدت قناع الحزم وأغلقت خلفها كل الأفكار وغادرتْ إلى مصيرها وبدأتْ تحادث نفسها.‏

لن أيأس ويجب أن أُشفى. ففؤاد يحتاجني قويّة جميلة وإن كان زوجي طلّقني لظنّه أنّني لا أنجب. فغداً سأنجب من حبيبي ما يشتهي يجب أن أبقى بذات الألق.‏

نتيجة التحليل قد تأخذ راحة بالي عدّة أيام ولكن لا بدّ من مواجهة الحقيقة مهما كانت قاسية.‏

بعد التحليل خرجتْ متثاقلة, وفجأة لمعتُ في ذهنها فكرة أن تشرب معه القهوة.. دخلت ممراً طويلاً وهي تقول: إنه هنا.‏

رائحته تصلني. عطره ينعش رئتي مثل نسيم الشوق, وهذه الأغنية هي ما يجب سماعها حال وجودنا سويّة.‏

ـ دخلتْ كاللص لتسرقَ لهفته, لكنّ ما حصل سرق عقلها.‏

ـ مُنى؟!! أنت هنا. قالتها بذهول ثمّ أضافت أين فؤاد؟!!‏

ـ إنه في الحمّام.‏

ـ نظرتْ ميس إلى فنجانين من القوة مشروب نصفاهما وتساءلت في نفسها أيكون ارتشاف الشفاه أدعى للصحوة أم للسكر؟! فما كان منها إلاّ أن تركتْ المكان وهي تتمتم بألفاظ سيئة وشياطين العالم تتقافز أمام عينيها, وتحادث نفسها بلوم شديد:‏

ـ غبيّة.. أنتِ غبيّة يا ميس جئت لتفاجئيه ففاجأك القدر.‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 26 Mar 2006, 04:35 AM [ 7 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




تركتِ لأجله مالاً ومركزاً وجاهاً. تركتِ من يحبّك ليعاقبك القدر على عذابه بذات الطريقة.‏

نزلتْ على سلمٍ هوى بها من قمّة اللهفة إلى قارعة الجنون, مع قمّة الشوق إلى وحل الواقع.‏

كانت دموعها تركض قبل قدميها, ورائحة المكان تنذر بالنتانة.. كيف تنقلب الأمور فجأة دون إشارة أو إنذار؟!!‏

دخلت بيتها منهوكة الدمع, مقهورة الخطوة إلى سريرٍ ما زال يحلم باحتضانها إلى الأبد.‏

لم أكُ أدري ما بها. تجاهلتْ وجودي, أو لعلّها لم تحسّ به أصلاً.‏

كنت أراقب اختلاجاتها وشهقاتها. أنا أعلم مَنْ وراءها, لكن لا أعلم السبب المباشر لها, وأعلم أيضاً أنّ أحلامها وهم.‏

لكنني أشفقت على النعجة المذبوحة من السلخ. كان بإمكاني قول أشياء كثيرة عن فؤاد أثناء غيابها.‏

لم أكن أنقل لها سوى ما تحبّ سماعه في الغربة عن أحباء تركتهم.‏

كيف.. أقول لها إنه أكثر من مرّة حاول مغازلتي وملاطفتي وأشياء أخرى؟!‏

كيف أقول لها إنه مدمن نساء, وصيّاد متعة, وهي ذاك النوع الخاص جداً الذي يسكره؟!!‏

كيف أقول لها إن ما تعتبره عشقاً هو بمنتهى البساطة قمّة الرذيلة؟!‏

كلما مرّ قربي أشعر بأنه يستنشقني ويعلّق ببساطة (أنتِ من ريحة الحبايب).‏

بعد أن امتلكتْ زمام نفسها قالت ببساطة:‏

ـ رولى: هل أنا غبيّة أم غبيّة؟!‏

ـ فقلتُ ضاحكة: الأولى.‏

فردتْ بل غبيّة.‏

ـ لا خلاف في ذلك. المهم السبب في قولكِ هذا؟!‏

تردّدتْ قليلاً ثمّ حكت لي عن ظنونها في تلك الجلسة المشبوهة, وكيف جن جنونها وتركت المكان ورحلت. فقلت لها:‏

ـ لا.. أنتِ حقاً غبيّة لأنّك اكتشفتِ هذا مؤخراً جداً. ففؤاد يا عزيزتي بكلّ بساطة تخرّج من كليّة العشق فنان مداعبة.‏

ـ وما أدراكِ أنتِ‏

ـ أنا أنثى يا ميس وأدرك بحدسي أشياء قد لا أجرؤ على قولها.‏

ـ ها.. وماذا أيضاً؟!‏

ـ إنه رجل يدّعي الأخلاق, كما يدّعي بعض رجال الدين لحاهم. وهو أستاذ, ويشهد له أنه قادر على كسب أي امرأة.. لسانه حصانه.‏

ـ وهل كسِبَكِ أيضاً؟!‏

ـ كان ممكناً, لولا معرفتي بإعجابك به.‏

ـ ليس إعجاباً يا رولى. إنه حبّي الوحيد.‏

ـ نعم أدري لكنكِ لستِ كذلك.‏

ـ هل تعلمين شيئاً لا أعلمه؟!‏

ـ لا.. لكنّه متزوج وليس مستعداً لأن يتنازل عن زوجته رغم ادّعائه بحبّك.‏

ـ لا يستطيع يا رولى. إنها من العائلة وهناك روابط عائلية تمنعه من تركها وعندهم أولاد واحتملت معه حياة قاسية.‏

ـ ها.. إذاً المفروض أن يقدّرها لا أن يعشق عليها.‏

ـ العشرة من قاربت بينهما وليس العشق.‏

ـ ولماذا لم تقرّب العشرة بينك وبين زوجك.‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 26 Mar 2006, 04:36 AM [ 8 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




ـ رولى أنت تعلمين تماماً كيف تزوجت, وأنا لا أكره زوجي بل كنت أشفق عليه, ومع هذا لم أستطع يوماً أن أخونه حتّى بالكلام واتفقت معه على الانفصال.. لأنني ما أحببته يوماً, ومع هذا تركني حزيناً, وطلب مني العودة حال اقتناعي فيه.. القناعة شيء والحب شيء آخر.. زوجي الأنسب لي وهذه قناعة. لكنّ قلبي أرّقني كثيراً. لو تعلمين مقدار حبي لفؤاد.. رولى ببساطة, لا يخفق قلبي إلا معه. ولا أشعر بأنني أثنى إلا معه. وخوفي من خيانته دفعني لمصارحته.. في البداية كان الموضوع كارثة عليه, ولكن بعد مدة شكرني, وأكبر فيّ صراحتي وطلقني.‏

ـ رولى أنا بالأساس لم أستشرْ بزواجي. كان زواجي صفقة تجارية بين والدك وبينه.‏

ـ حسنٌ يا ميس.. إنسي.. إنسي الماضي, ولكن افتحي عينيك كما قلبك.. ليس سهلاً عليك تجربة جديدة.‏

ـ رولى أتسمين فؤاداً تجربة؟! إنه كل حياتي. هوائي مائي سمائي وأرضي, الدم الذي يجري في عروقي.‏

ـ هيْ.. فهمتْ.. فهمتْ.. أنتِ حرّة.‏

ـ نعم حرّة ولن أدعه مرة أخرى.‏

ـ إذاً لماذا هربتِ؟!‏

ـ لست أدري. أخاف أن ينهار هذا العملاق أمامي. لتخذلني كلّ الدنيا إلاّ هو.‏

ـ عملاق؟! إنه ببساطة إنسان عادي وأقلّ من عادي.‏

ـ أنت لا تعرفينه.. لو كان عاديّاً لما تهافتت عليه كل النساء.‏

ـ أي نساء يا ميس. إنهن ببساطة عوانس آخر زمان.‏

يسعدهن بألفاظٍ لم يسمعنها مطلقاً.‏

ـ وهل أنا عانس يا رولى.‏

ـ لا أنت مطلّقة يا ميس.‏

صمتتْ فجأة وأطرقتْ طويلاً ثمّ قالت: وما يعني هذا يا رولى.‏

ـ أربكتْني وشعرتُ بالأسف لكنني تابعتُ: أنتِ بالنسبة له فريسة سهلة, خاصة أنه يعرف بأنكِ تحبينه.‏

ـ هكذا ترين الدنيا يا رولى.‏

ـ أي دنيا يا ميس؟! أنا لا أرى شيئاً, بل اسمع قصصاً تقشعرّ لها الأبدان.‏

ـ مسكينة أنت يا رولى!!‏

ـ كلنا مساكين يا ميس.. كلنا مساكين.‏

اختارت زاوية واخترتُ أخرى. جلست أفكر بما قالت وأعلم أنها تفعل الشيء ذاتهُ. بعد حوالي نصف الساعة نظرنا في عيون بعضنا بعضاً ثمّ أطلقنا في وجه الأيام ضحكة يائسة. وجمعنا سرير واحد إلى صباح الغد.‏

جلستُ طوال الليل أحادثها دون صوت. هاأنذا يا ميس مهندسة في شركة كبيرة. لي بيت وسيارة ورصيد يكبر يوميّاً في البنوك, وينقص يومياً من عمري, يأخذني الواجب بعيداً عن نفسي, يسرق مني شباباً ما عرفت قيمته إلا بعد أن رسم الحزن خطوطاً ناعمة تحت عينيّ, فعندما رفض والدي زواجي من وليد لاعتبارات اجتماعيّة في زعمه. رفضتُ الزواج من غيره إلى أن كواني القدر بوحدة أبديّة, ومع هذا لم يفعل ما فعلت. كواني أيضاً بزواجه من غيري, وأنا لا ألومه, فأنا من نذرتُ نفسي للهلاك. للأيام تركض على ملامحي ركض العابث المستهتر. لعلّه فكّر جيّداً. وهاأنت أيضاً يا ميس تدفعين ثمن حبّكِ طلاقاً وضياعاً. يجب أن نتحوّل.‏

فالماضي ذكريات تالفة, والحاضر تعاسة مخيفة. بقي أمامنا المستقبل. لا بدّ من المستقبل. إنه النافذة الوحيدة على الحياة, والأمل مفتاحها, ولم يفت الأوان بعد. سأقهر كلّ أفكار اليأس وأمضي إلى الأمام.


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 26 Mar 2006, 04:36 AM [ 9 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




نظرتُ في وجهها. لم أجد فيه سوى علامات السخرية وكأنها تجيبني بالتهكّم ذاته. في الصباح رميتُ الغطاء عنّي كمن يرمي الماضي كلّه في حاوية.‏

قمتُ رشيقة جداً. تناولت جرعة أخبار, وحبة أمل, وأخرى للنسيان, وتقدمتُ من ميس.‏

ـ هل تذهبين معي إلى السوق فأنا اليوم في إجازة؟!‏

ـ لا.. أنا متعبة. اذهبي وتمتّعي بوقتك.‏

ـ هل تودين أي شيء من السوق؟!‏

ـ أرجوك أحضري لي مسكناً قويّاً أو منوّماً.‏

ـ أتشكين من ألم ما؟!‏

ـ لا. أريد النوم فقط. فأفكاري تؤلمني.‏

ـ أفكارك؟!.. حسنٌ دخلنا في الفلسفة.. ردّت:‏

ـ بل شعري وأظافري.‏

ـ حسنٌ إلى اللقاء.‏

ـ أغلقتُ الباب لأرى جارنا أبا فادي وأبادره السلام:‏

صباح الخير.‏

ردّ مندهشاً: صباح النور.‏

جارنا أبو فادي كزوجه من هواة الثرثرة. لم أنتظر منه أي سؤال. تابعت النزول, وما زال يتبعني بالاندهاش ذاته. والحق معه فهو لم يَرَ ابتسامتي منذ وفاة والديّ ولا حتّى رشاقتي. وكذلك الأرض كانت تشتكي ثقل خطوتي. أشعر الآن أنني برشاقة ريشة. يا إلهي كم تغيّرنا الأفكار.‏

استقبلتني واجهات المحلات بالتأهيل. اخترتُ كل الألوان التي لم أكن أرتديها. اخترت القصير والضيق والشفاف. موضة العام. اشتريت أدوات تجميل فاخرة, وعطوراً وأحذية لامعة, وحقائب غريبة, ولفافات للشعر, وأدوات زينة منزليّة أيضاً لتحسين الديكور.‏

اكتظت سيارتي بالحاجات. خسرتُ مالاً لم أصرفه طوال حياتي على نفسي. لكن لا بدّ أن أربح ذاتي وأخرج من ذاك القمقم.‏

شعرتُ أنني بحاجة ماسّة لفنجان قهوة وسيجارة, دخلت مقهى كنت أخشاه, لست أدري لماذا. وكأنّ دخوله الآن بمثابة دخول بوابة التحدي مع ذاتي. وكم كنت سعيدة لأنني اقتحمت مكاناً كنت أخشاه.‏

كان المكان هادئاً. أصوات الموسيقا تدعو للاسترخاء. لكنّ الوجه الذي أمامي سحب مني تلك الفرصة. وجه حلمتُ كثيراً أن أراه. أيكون هو؟! بدأ قلبي يعدّل من نبضاته وازدادت سرعته لمجرّد التخمين.‏

نعم يشبهه كثير اً. تسع سنوات كافية لتغيّر قليلاً من هذه الملامح. نعم إنه هو, قلبي يحدّثني بذلك. ركّزت في وجهه مباشرة. لن أترك للتردد فرصة اللعب مع أعصابي, تقدمتُ منه كان يقرأ جريدة. ثمّ انحنيتُ بلطف قائلة:‏

ـ عفواً يا سيدي ألست وليداً!!.‏

ـ رفع رأسه بعفويّة وقال: من رولى؟!‏

ـ نعم بلحمها وشحمها.‏

ـ بل قولي بعظمها وجلدها. أهلاً رولى تفضلي بالجلوس.‏

ودون تفكير استجبت لدعوته.‏

ـ كم أنا سعيد.‏

ـ كم أنا محظوظة.‏

ـ أخبريني عن أحوالك.‏

ـ لا أريد سوى سماع صوتكَ.‏

ـ هيْ رولى.. نحن في مكان عام. صوتك عالِ لم أَرَكِ بهذا الاندفاع سابقاً.‏

ـ وليد هيا.. احكِ لي عن أخبارك. هل أنت سعيد بزواجك؟! هل لديك أولاد؟!‏

ـ سعيد؟ هذه كلمة غريبة على مسامعي كيف أكون سعيداً وأنتِ بعيدة عني؟!!‏

ـ هل تعني أنك كنتَ تذكرني.‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 26 Mar 2006, 04:37 AM [ 10 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




ـ ومتى نسيتك يا رولى؟! إنك هنا في القلب. لم تغادريه لحظة.‏

ـ وليد: أشعر بدفق غريب. بنبض جديد. كدتُ أنسى أنني أنثى.‏

ـ رولى أنا لا أصدّق ما اسمع. هل أنا في حلم أم في علم؟!‏

ـ هات يدك لأقرصك!!‏

وتلاقت الأيدي بحركة عفوية. قلبت موازين الدنيا كلّها.‏

ساد صمت غريب, واشتعال بركان قلبي مرة واحدة.‏

ـ رولى أين كنتِ كلّ هذه السنين؟!‏

ـ في زوايا النسيان.‏

ـ وأنتَ؟!‏

ـ في زوايا الذكريات. رولى هل تكونين لي؟!‏

ـ إذا أردت أن تكون لي أيضاً.‏

ـ أنا مرتبط ولديّ أولاد!‏

ـ أعرف والشرع حلّل زوجات أربعاً.‏

ـ لا أستطيع يا عمري. إنها ابنة عمي وتربطني من هنا من عنقي.. هذا عدا عن أحوالي المادية السيئة.‏

ـ يكفيني قلبكَ ونتزوج سراً.‏

ـ لا أرضى لكِ هذا.‏

ـ إذاً ماذا تريد؟!‏

ـ أريدكِ جسداً وعقلاً وقلباً.‏

ـ كيف بدون ارتباط..؟!‏

وماذا تعني لكِ هذه الورقة إنها مجرّد ورقة.‏

ـ صك الزواج مجرّد ورقة. إنه من يبيح شرعيّة علاقتي بكَ. من يحميني من ذاتي. منك. من المجتمع. لا يا وليد ليس مجرّد ورقة.‏

ـ لكني مقيّد ولا أجرؤ على ما تقولين.‏

ـ لك الخيار في أن تضيّعني ثانية.‏

ـ رولى أرجوك. قولي نعم.‏

ـ على ماذا يا سيد وليد, على صك عبوديتي لك؟! عن تنازلي عن كرامتي؟! بما تختلف أنت عن أي عاهر يشتري المتعة بالعواطف. لن أقبل بهذه المهانة. وداعاً وأنسى أنك قابلتني.‏

ركضتُ. ما عدت أسمع حتّى نداءه. ركبتُ سيارتي مذهولة وأنا أتساءل, هل من المعقول أنني كنت أحيا وهماً طوال حياتي.‏


الأعلى رد مع اقتباس
إضافة رد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
إليك .... رسالة حق!! ألماسة حساسة مرافئ البوح 8 25 Dec 2007 06:31 PM
تعلن شركة الجوف للتنمية الزراعية(الجوف) عبدالله الشدادي الإقتصاد والأسهم السعودية والوظائف 6 23 Oct 2007 08:00 PM
رسالة إليك مذهلة القسم العام 84 21 Feb 2007 10:07 PM
رسالة إليك من قلبي !! أخت الرجال مرافئ البوح 16 22 Dec 2006 09:04 PM
بوح المحب.. رسالة من مسجدك المشتاق إليك أميرة بني هاشم الخيمة الرمضانية 6 14 Oct 2006 01:00 AM
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

10:37 AM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com